هل كذبت تل أبيب بادعائها قصف شمال سوريا ولم تبلغ موسكو إلا قبل دقيقة من إسقاط الطائرة؟ صحافي إسرائيل يردّ

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/24 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/24 الساعة 19:28 بتوقيت غرينتش

كتب صحافي إسرائيل متخصص في الشؤون العسكرية تقريراً في Haaretz الإسرائيلية حول بيان وزارة الدفاع الروسية اللاذع –الذي حمَّل المسؤولية الكاملة عن إسقاط طائرة إليوشن في الأجواء السورية الأسبوع الماضي لإسرائيل.

وقال عاموس هرئيل: بغضّ النظر عن مدى حُسن العلاقة بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإنَّ هذا الأول لا يستطيع أن يُخفي المشكلة. إذ عانت روسيا ضربةً محرجة حين أسقطت نيران الأسد المضادة للطائرات تلك الطائرة، وما زال لديها مصالح كثيرة في سوريا تسعى لدعمها. كان من الواضح نوعاً ما أنَّ هذه القضية ستؤدي إلى إدانةٍ روسية لإسرائيل ومطالب معينة، ولو أنَّ النتيجة النهائية ما زالت مرهونةً بقرار بوتين.

وأضاف أن موسكو لا يمكن أن تتهم الجاني الرئيسي المسؤول عن الحادث، ألا وهو حليفها نظام الأسد (وإن كان من الصادم ألَّا توجِّه وزارة الدفاع الروسية في بيانها الرسمي أي لومٍ حتى للقوات السورية المضادة للطائرات). لذا كان من الواضح منذ البداية أنَّ المسؤولية ستُلقى على إسرائيل. ومن المثير للاهتمام كذلك أنَّ كل اللوم مُوجَّهٌ إلى الجيش الإسرائيلي، الذي يتهمه الروس بأنَّه غير محترف أو "مُهمل إلى حدّ إجرامي، على أقل تقدير". بينما لم يذكر البيان القيادة السياسية الإسرائيلية، باستثناء ادعاءٍ عام واحد يتعلق بخطورة سياسة إسرائيل الهجومية في سوريا.

ما مدى دقة المعلومات وفق تقرير الصحافي الإسرائيلي؟

وشكك في مصداقية التحقيق الروسي؛ إذ قال إن بعض الادعاءات الواردة في البيان غريبة. فعلى سبيل المثال، يزعم الروس أنَّ إسرائيل حذَّرتهم قبل تنفيذ الغارة بدقيقةٍ واحدة فقط، ومن المفاجئ أنَّ إسرائيل لم تذكر الرقم الحقيقي الذي هو أكبر بكثير من دقيقة. وقال طيارون إسرائيليون متمرسون إنَّ الادعاء بأنَّ الطائرات الحربية الإسرائيلية كانت تختبئ وراء طائرة الاستطلاع الروسية غير معقول ولا يتلاءم مع السلوك العملياتي المقبول.

فضلاً عن أنَّ اتهام إسرائيل بأنَّها ربما خدعت الروس بشأن موقع الهجوم المخطط له يبدو كذلك غير منطقي. إذ ذكرت روسيا أنَّ سلاح الجو الإسرائيلي أبلغها اعتزامه تنفيذ هجوم في شمال سوريا، بينما وقع الهجوم في غرب سوريا. وفي واقع الأمر، تقع مدينة اللاذقية في شمال غرب سوريا، ويمكن اكتشاف ذلك بنظرةٍ سريعة على خريطة البلاد. ولأنَّ التنسيق العسكري بين الجانبين الروسي والإسرائيلي ظلَّ ناجحاً على مرِّ السنوات الثلاث الماضية التي شهدت مئات الهجمات الإسرائيلية قبل هذه الواقعة، فمن الصعب تصديق أنَّ الجانبين لم يوضِّحا حتى الآن بعض المصطلحات الأساسية بينهما.

يركز الإعلان الروسي في الغالب حسب الكاتب على المستوى التكتيكي ولا يتضمَّن فرض أي عقوبات على إسرائيل. وتتهم روسيا إسرائيل بالجحود بعد كل الخطوات التي اتخذتها روسيا لمصلحة الإسرائيليين، مثل إبعاد القوات الإيرانية عن الحدود الإسرائيلية في هضبة الجولان (يقول الروس إنَّهم نجحوا في إبعاد تلك القوات إلى نقطةٍ تبعد 140 كيلومتراً، في حين أنَّها في الواقع تتراوح بين 85 و100 كيلومتر، وهي منطقة عازلة لا تشمل العاصمة السورية دمشق، التي لا زال يوجد بها جنود إيرانيون).

أمَّا على المستوى الاستراتيجي، فمن المرجح أن يستغل بوتين -صاحب الكلمة العليا في الجانب الروسي- هذه الادعاءات الخطيرة الواردة في تقرير وزارة الدفاع للمطالبة بزيادة التنسيق الدبلوماسي مع إسرائيل في سوريا، وفرض قواعد أكثر صرامة بخصوص آليات التنسيق العسكري المشترك بين البلدين.

ويتكهَّن العميد عساف أوريون الذي يعمل لدى معهد دراسات الأمن القومي بأنَّ الثمن الذي سيطلبه بوتين من إسرائيل قد يأتي من اتجاهٍ آخر، وهو الإصرار على بيع أنظمة متطورة مضادة للطائرات لسوريا، على الرغم من معارضة إسرائيل. وبدلاً من ذلك، يمكنه أيضاً الضغط على نتنياهو للمساعدة في تخفيف حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، أصدر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بياناً الأحد 23 سبتمبر/أيلول يرفض فيه النقاط الرئيسية في التحقيق الروسي، لكنَّه وَعَدَ بالمحافظة على التنسيق الأمني ​​بين إسرائيل وروسيا.

اختبار جديد للعلاقة سيأتي

ومن المؤكد، حسب التقرير، أنَّ الاختبار العملي للعلاقات بين البلدين سيأتي قريباً، حين يَصدُر تحذيرٌ استخباراتي جديد بشأن محاولةٍ إيرانية لتهريب الأسلحة إلى لبنان عبر طريقٍ قريب من القواعد الروسية في شمال غرب سوريا، أو لإنشاء موقع عسكري جديد. ونظراً إلى أنَّ إيران مصممةٌ على مواصلة تهريب شحنات الأسلحة إلى حزب الله، وأنَّ إسرائيل صرَّحت علناً بأنَّها تحتفظ بحقها في مهاجمة مثل هذه الشحنات، فإنَّ إسرائيل ستواجه معضلة: هل تنفذ هجمات بالقرب من الروس مرةً أخرى وتخاطر بتزايد التوتر معهم؟

هذه ليست نهاية حقبة العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا حسب هرئيل ، حيث أجرت إسرائيل مئات الهجمات على الحدود الشمالية لإسرائيل على مدار السنوات الست الماضية. لكن في الوقت الراهن، يبدو كما لو أنَّ الوضع في الجبهة الشمالية لن يعود بالكامل إلى ما كان عليه قبل إسقاط الطائرة الروسية.

يضيف عاموس هرئيل أنَّ إسرائيل عملت بحُريّة في شمال سوريا على مرِّ سنوات بفضل الجمع بين الأعمال الهجومية والعلاقات الدبلوماسية الجيدة مع الروس. وفي معظم الأحيان، تصرَّفت إسرائيل بفطنةٍ استراتيجية؛ لذا حقَّقت جزءاً كبيراً من الأهداف التي حددتها لنفسها.

لكنَّ إسرائيل ليست قوةً عظمى وليست بالدولة التي لا تُقهَر؛ لذا سيتعيَّن عليها أن تأخذ في حسبانها الاعتبارات الروسية وربما حتى تُؤَقلِم نموذج التشغيل الخاص بعملياتها الهجومية على ذلك. ومن واقع المحادثات التي أجريتُها مع مسؤولين عسكريين بارزين، يبدو أنَّهم يولون تبعات الحادثة الأخيرة أهميةً كبيرة. أمَّا أولئك الذين يواصلون الاستهانة بهذه الواقعة، فلا بد أنَّهم مشغولون جداً بالدفاع عن صورة نتنياهو لدرجة أنَّهم ببساطة لم يعودوا قادرين على تحليل الواقع بموضوعية.