السفن الخفية في البحر.. إيران ترسل نفطها بناقلات أوقفت إحداثياتها، تحايل على العقوبات وإخفاء لهوية الزبائن

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/23 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/23 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش

تحمل ناقلة النفط العملاقة، التي تدعى "السعادة"، مليوني برميل من المتاعب لإيران. وفقاً لبيانات تتبُّع السفن، مُلِئَت سفينة النفط الخام في محطة تديرها شركة النفط الوطنية الإيرانية بجزيرة "خرج" مطلع الشهر الجاري (سبتمبر/أيلول 2018)، قبل انطلاقها في رحلةٍ إلى آسيا. لكنها كانت تبحر في سوق عالمية، حيث يُعَدُّ النفط الإيراني منبوذاً، حسب تقرير صحيفة Financial Times البريطانية.

عندما خرجت ناقلة "السعادة 1″، وهو اسمها الرسمي، من مضيق هرمز، أوقفت النظام الذي يسمح للسفن التجارية بتعقُّب تحركاتها. وفي الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لإعادة فرض عقوبات على قطاع الطاقة بطهران في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، تنضم السفينة إلى أسطول من السفن التي تخفي إحداثياتها، ما يرمز إلى الضغط المتزايد على إيران لإخفاء هوية من يشترون النفط الخاص بها.

وفي أعقاب انسحابه من الاتفاق النووي الذي وقَّعته إيران مع القوى العالمية، يسعى الرئيس دونالد ترمب إلى شلِّ الاقتصاد الإيراني بمعاقبتها عن طريق فرض عقوبات مالية صارمة على أي طرف متورط في تجارة النفط الخام الإيراني.

لا تستطيع إيران التخلي بسهولة عن تجارة تصدير النفط المربحة التي توفر الكثير من العائدات الحكومية الضرورية. وهناك إشارات متزايدة على عودة البلاد إلى قواعد اللعبة القديمة الخاصة بالبيع في الخفاء.

"السعادة 1" هي واحدة من 7 ناقلات على الأقل تحمل النفط الإيراني لم تعد تبث إحداثياتها. وقال مات سميث، مدير أبحاث السلع في شركة ClipperData الأميركية، التي تتعقب السفن المحملة بالنفط الإيراني، إن الناقلة "لم ترسل إشارة" منذ إيقاف تشغيل جهاز إرسالها في 16 سبتمبر/أيلول 2018.

وأضاف: "رأينا هذا يحدث في السنوات الماضية عندما كان الاقتصاد الإيراني يرزح تحت ضغط العقوبات. ونرى الآن الشيء نفسه مرة أخرى، حيث إن طهران تخفي تدفقاتها من النفط الخام". ولم يتسنَّ الحصول على تعليق من مسؤولي النفط الإيرانيين.

وتُصدِّر إيران نحو ثلثي إنتاجها من النفط الخام، الذي بلغ نحو 3.8 مليون برميل في وقتٍ سابق من هذا العام (2018). عندما فرضت إدارة أوباما عقوبات على إيران عام 2012، سمحت بتصدير النفط من 1 إلى 1.5 مليون برميل يومياً. لكن الجمهورية الإسلامية كانت لا تزال غارقةً في بحر ركود عميق. وتتخذ إدارة ترمب إجراءاتٍ أقسى؛ إذ أعلنت أنها لن توافق على خروج أي صادرات من إيران للنفط الخام أو الخفيف.

منذ شهر مايو/أيار 2018، عندما انسحب ترمب من الصفقة النووية وأعلن عقوباتٍ وشيكة سيفرضها على إيران، انخفضت صادرات إيران من النفط بما لا يقل عن 500 ألف برميل في اليوم إلى أقل من مليوني برميل، وفقاً لمُحلِّلي قطاع الطاقة، الذين تشمل تقديراتهم بشكل عامٍ الناقلات من دون وِجهات مُحدَّدة.

وقد أدى الخوف من العقوبات الأميركية وانخفاض عائدات النفط، المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في البلاد، إلى انخفاض بنحو 70% في قيمة العملة الوطنية، الريال، هذا العام (2018).

وقد كانت كلٌّ من كوريا الجنوبية وفرنسا من بين البلدان التي أوقفت مشترياتها من النفط الإيراني بالكامل، في حين تشتري الصين والهند، وهما أكبر مشتريَين للنفط الخام الإيراني، عدداً أقل من البراميل. ووفقاً لشركة FGE، وهي شركة استشارية بريطانية، يتم تخزين ما بين 10 و15 مليون برميل من النفط الإيراني على سفن بَحرية تستقر على السواحل، دون أي مشترٍ. وقالت إيمان ناصري من شركة FGE: "إيران تواجه صعوبةً في بيع نفطها الخام".

ويبذل البيت الأبيض حسب صحيفة Financial Times قصارى جهده لزيادة الضغط على إيران. وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة تساعد حلفاءها على إيجاد بدائل لبراميل النفط الإيرانية. فقد طلب ترمب من السعودية أن تضخ المزيد من النفط؛ لتعويض أي نقص إيراني في السوق العالمية. وقد زادت إنتاجها، جنباً إلى جنب مع العراق، في الأشهر الأخيرة، ما أزاح إيران جانباً.

وانتقد وزير النفط الإيراني، بيجن زنكنه، خصوم إيران في منظمة أوبك الذين يزيدون إنتاجهم من النفط. وقال لشركة S & P Global Platts البريطانية يوم الخميس 20 سبتمبر/أيلول 2018: "أي دولة تقول إنها ستُعوِّض النقص في السوق هي دولة تتحدَّث ضد مصالح إيران… يجب أن تخرج إلى العلن وتقول: لقد اتصلَت الولايات المتحدة وطلبت مني زيادة الإنتاج".

وفي طهران، لا يتوقَّع مُحلِّلون توقُّف صادرات النفط في البلاد، لكن التراجع الحاد سيؤثر مباشرة على الاقتصاد. تعتمد حكومة حسن روحاني الوسطية على عائدات النفط لدفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية وتوفير مبالغ المعونات النقدية لتعويض الإيرانيين عن ارتفاع أسعار الطاقة. وبالتزامن مع الاحتجاجات المناهضة للنظام التي تندلع بالفعل من حينٍ لآخر، قد ينفد صبر العامة إذا بدأت الأموال في النفاد.

وقد سارعت السلطات إلى محاولة إيجاد حل. وانعقد المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي في إيران هذا العام (2018)؛ للتحايل على العقوبات الأميركية، فقد أذن لوزارة النفط، الأسبوع الماضي، ببيع النفط الخام في القطاع الخاص إلى أن تتمكَّن من العثور على منافذ بديلة.

وهذه هي المرة الأولى التي يُسمَح فيها رسمياً للقطاع الخاص في إيران بالمشاركة في مبيعات النفط الخام. في ظل العقوبات الأميركية والأوروبية السابقة في عام 2012، عمل بعض رجال الأعمال والمنظمات المتعاونة مع الحكومة على بيع النفط الخام باحتراز؛ لمساعدة الحكومة على تخطي العقوبات، لكن هذا الأسلوب لم يخلُ من المشاكل. ويُتهم باباك زنجاني، وهو رجل أعمال إيراني، ببيع ما قيمته 2.8 مليار دولار من النفط الخام، ورفضه السداد للحكومة. وحُكِمَ عليه بالإعدام بينما ينتظر الحكم في الطعن الذي قدمه.

وتتوقَّع شركات مصافي تكرير النفط وغيرها من الشركات التي تعتمد على الصناعات المصرفية العالمية والتأمين والشحن، والتي تتعامل بالدولار الأميركي، أن تكون إدارة ترمب أكثر عدوانية من سابقاتها في تعقب منتهكي العقوبات.

وقالت أمريتا سين، كبيرة مُحلِّلي شؤون النفط في شركة Energy Aspects الاستشارية البريطانية، إن الاستخدام الواسع النطاق لتكنولوجيا تتبع البضائع سيحدُّ من مبيعات أجهزة الرادار. وأضافت: "هناك العديد من الأجهزة الأخرى التي يمكنها تحديد الحالات الشاذة وتتبع التدفقات التجارية التي لا تتطابق، فتهريب البضائع من حين لآخر قد لا يلاحظه أحد، ولكن سيكون من السهل للغاية اكتشاف عمليات التهريب التي تحدث على نطاقٍ واسع".

وتعتبر الناقلات التي تخفي إحداثياتها علامة على مواجهة إيران المشاكل، ولكنها ليست حلاً.

تحميل المزيد