رغم أزمة إسقاط الطائرة الروسية؛ بوتين لن يقطع العلاقات مع إسرائيل.. والتاريخ يخبرنا بذلك

هل ستقدم روسيا على أي خطوة تصعيدية تجاه إسرائيل؟ أمّ أنّ التاريخ يقول إنهما صديقين متصارعين أحياناً ومتحابين أغلب الأحيان؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/22 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/22 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش

تشهد الأزمة المشتعلة حالياً بين روسيا وإسرائيل على خلفية سقوط طائرة عسكرية روسية على متنها 14 جندياً تخوفاتٍ بالتصعيد؛ ولكن قراءة تاريخ العلاقات بين البلدين قد ينبئ بغير ذلك؛ فقد شهدت علاقات البلدين أزمات أكثر عنفاً وأشد توتراً ولم ينتج عن التصعيد بين البلدين سوى ردود أفعال تباينت في حدتها لكنها لم تتخطَّ أية خطوط حمراء، أو تعبر حاجز الأزمة "الدبلوماسية" إلى حاجز "الصراع"، الحادث الأخير ليس الأول من نوعه، فتاريخ العلاقات بين البلدين حافلٌ بالأزمات.

وفي الواقع وبالعودة إلى الماضي، سوف نكتشف أن العلاقات بين موسكو وتل أبيب شهدت أحياناً ما هو أعنف من التسبُّب في إسقاط الطائرة، وظلت لفترة طويلة، وتحديداً في فترة الاتحاد السوفييتي، تتراوح بين توترٍ واحتقان وعلاقاتٍ جيدة في الربع قرن الأخير مع صعود بوتين.

لكن قبلها كانت العلاقة متشابكة، بل ومتحفظة في كثير من الأوقات من جانب الروس الذين علموا جيداً بطريقة أو بأخرى أهمية إبقاء العلاقات مع إسرائيل في إطار ودي أو محايد.

عندما انتهى شهر العسل بإعدام 13 يهوديّاً

كان الاتحاد السوفييتي من أوائل الدول التي دعمت إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين واعترف بإسرائيل، وذلك بالرغم من عداء السوفييت الكبير للحركة الصهيونية في بداياتها باعتبارها أيديولوجية عدائية رجعية.

لاحقاً، اعتقد قادة الاتحاد، وعلى رأسهم جوزيف ستالين، أن الدولة اليهودية الناشئة ستكون دولةً شيوعيةً تابعةً لهم، ويستطيعون من خلالها القضاء على مخطط بريطانيا العظمى بتكوين حلف مع الدول العربية المسلمة في المنطقة، وكذلك ستحرم البريطانيين من ميناء حيفا ومن القواعد العسكرية الموجودة في صحراء النقب.

دعم السوفييت بقوة إسرائيل دبلوماسياً في الأمم المتحدة، وأمدُّوها بمساعداتٍ عسكرية كبيرة خلال حرب 1948، لكنَّ الإسرائيليين لم يحفظوا الجميل، وخيبوا آمال قيادة الاتحاد عندما أعلن رئيس وزراءهم ديفيد بن غوريون، عقب انتخابات 1949، أن بلاده منسجمة مع الولايات المتحدة والكتلة الغربية.

بالتزامن مع تصريحات بن غوريون، أثارت غولدا مائير، أول سفيرة لإسرائيل لدى الاتحاد السوفييتي، قضية هجرة اليهود السوفييت إلى إسرائيل، وطالبت بفتح الباب أمامهم للسفر، ما أثار حفيظة الاتحاد السوفييتي الذي أكد أن جميع اليهود السوفييت، مثل كل السوفييت عموماً، كانوا سعداء للغاية ولا يحتاجون إلى أي أرضٍ موعودة.

يهود روس يرحبون بغولدا مائير في روسيا عام 1948
يهود روس يرحبون بغولدا مائير في روسيا عام 1948

رفض السياسيون الإسرائيليون قبول الرد السوفييتي، وولوا وجوههم أكثر تجاه الولايات المتحدة جاعلين منها حليفهم الرئيسي. وترجم هذا عملياً عام 1950، من خلال قرار إسرائيل بالوقوف إلى جانب الولايات المتحدة في الحرب الكورية، وإرسال مساعدات بقيمة 100 ألف دولار إلى كوريا الجنوبية.

فقد قادة الاتحاد السوفييتي أملهم في أن تكون إسرائيل حليفهم الأول في الشرق الأوسط، وبدأوا في البحث عن حليفٍ آخر، وتشديد قبضتهم على اليهود السوفييت. وبحلول عام 1952 كان شهر العسل قد أوشك على الانتهاء.

كانت السلطات السوفييتية قد اعتقلت عام 1949، 15 يهودياً من أعضاء "اللجنة اليهودية لمناهضة الفاشية"، بينهم 5 شعراء وكتاب معروفين، بتهمة التجسس والخيانة والعمل مع الأميركيين والإسرائليين لفصل شبه جزيرة القرم عن الأراضي السوفييتية من أجل تأسيس وطن يهودي بها، لكنَّ أياً من هؤلاء المتَّهمين لم يقدم للمحاكمة سوى في مايو/آيار 1952، بعدما تدهورت العلاقات مع إسرائيل.

أقيمت المحاكمة سراً في مقرّ الشرطة السرية السوفييتية، واستمرَّت لمدة شهرين، وانتهت بإعدام 13 يهودياً في 12 أغسطس/آب 1952، فيما انهار المتَّهم الـ14 ونقل إلى المستشفى ثم توفي مطلع عام 1953، وحكم على شخصٍ واحد بالسجن لمدة 5 سنوات.

والأزمة الثانية تنتهي بموت ستالين

لم تكد أزمة 52 تنتهي، حتى بدأت أزمة جديدة عام 1953، وذلك عندما أعلنت السلطات السوفييتية اعتقال 9 أطباء، بينهم 6 يهود، بتهمة تسميم أندريه أ. زدانوف، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، الذي توفي عام 1948، وألكسندر شيرباكوف، المتوفى عام 1945، الذي كان رئيساً للإدارة السياسية الرئيسية للجيش السوفييتي، والتخطيط لقتل آخرين من قادة الاتحاد. واتهموا أيضاً بالعمل لصالح أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية، فضلاً عن خدمة مصالح اليهود الدوليين.

بعد الإعلان عن "مؤامرة الأطباء" بشهرٍ واحد، وتحديداً في 9 فبراير/شباط 1953، ألقيت قنبلة على مبنى القنصلية الروسية في تل أبيب، فقامت موسكو بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وطرد سفيرها.

لم يستمر قطع العلاقات طويلاً، إذ توفي ستالين في 5 مارس/آذار 1953، واعتبر الاتحاد السوفييتي أن التهم الموجهة إلى الأطباء غير صحيحة وأن اعترافاتهم تم الحصول عليها عن طريق التعذيب، وأن ستالين كان يسعى من وراء ترتيب هذه المؤامرة إلى تطهير صفوف الحزب الشيوعي من أعدائه.

أزمة المعسكر الشيوعي: مساعدات عسكرية لمصر وسوريا والعراق

مالت العلاقات السوفييتية – الإسرائيلية إلى التدهور بعد أزمة 1953، بسبب دعم موسكو العسكري لبعض حلفائها من العرب على رأسهم مصر وسوريا والعراق تنفيذاً لأجندتها السياسية وقتها في ضم ومساعدة الدول التي تقف على جبهة مقابلة لأعدائهم الأوائل: أميركا، وإسرائيل بصفتها صديقة للكيان "الرأسمالي" الأكبر في العالم كان، وكان السوفييت مستفيدين من تنامي الصراع في الشرق الأوسط، إذ تفوقت رغبتهم في طرد النفوذ الأميركي والغربي من الشرق الأوسط على رغبتهم في إحلال السلام بالمنطقة، بخلاف مساهمتهم في اندلاع حرب الأيام الستة عام 1967، وذلك عبر قيامهم بإبلاغ الرئيس المصري جمال عبدالناصر بمعلومات خاطئة عن استعداد إسرائيل لغزو سوريا، ما أدى إلى قيام عبدالناصر بإرسال القوات إلى سيناء وإغلاق مضيق تيران، وهو ما عدَّته إسرائيل إعلان حرب.

لم تكن المساعي السوفييتية تخفى على تل أبيب التي أخذت تتحيَّن الوقت المناسب للانتقام، ثم جاءت فرصتها في 5 يونيو/حزيران 1967. لم تهزم إسرائيل العرب وحدهم، لكنها هزمت أيضاً – بطريقٍ غير مباشر – الاتحاد السوفييتي بعدما أثبتت فشل أسلحته في مواجهة الأسلحة الغربية، وانعدام قيمة مساعداته الاستخباراتية للدول العربية.

أنور السادات كان قريبًا من السوفييت الذين دعموه إلى حد بعيد
أنور السادات كان قريبًا من السوفييت الذين دعموه إلى حد بعيد

كان الإجراء الطبيعي الذي اتخذه الاتحاد السوفييتي رداً على هذه الهزيمة القاسية، هو التهديد بغزو إسرائيل إذا لم توقف إطلاق النار دون قيد أو شرط، وقطع العلاقات الدبلوماسية بشكلٍ كامل مع تل أبيب، والوقوف بجانب بعض الدول في الشرق الأوسط والتي كانت قد اتخذت من المعسكر الشيوعي ملاذاً وعلى رأسها مصر وسوريا؛ دبلوماسياً وعسكرياً من أجل استعادة ثقتهم بها.

استمرت القطيعة بين البلدين لنحو ربع قرن من الزمن، إذ لم تعد العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل سوى في عام 1991، قبل انهيار الاتحاد السوفييتي بشهور قليلة.

أيضاً الجواسيس السوفييت اخترقوا المؤسسات الإسرائيلية

نجح الاتحاد السوفييتي في زرع العديد من الجواسيس في المؤسسات الإسرائيلية، ووصل بعضهم إلى مناصب حساسة في الجيش والمخابرات، وكانت لهم أهمية كبيرة خلال فترة انقطاع العلاقات. اكتشفت تل أبيب بعض هؤلاء الجواسيس قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، لكنَّ كثيرين منهم لم تعلم عنهم شيئاً إلى أن تم نشر وثائق المخابرات السوفييتية KGB بعد انهيار الاتحاد.

أحد أهم الجواسيس السوفييت، والذين اكتشفتهم المخابرات الإسرائيلية بعد أن خدم موسكو لنحو 3 عقود، هو ماركوس كلينجبرغ، أستاذ علوم الأحياء الذي وصل إلى رتبة مقدم في الفيلق الطبي في جيش الدفاع الإسرائيلي، ثم عمل في معهد إسرائيل للبحوث البيولوجية؛ الذي صُنعت فيه أسلحة بيولوجية وسموم استخدمها الموساد في مهمات اغتيال، ووصل منصب نائب مدير المعهد، قبل أن تكتشف عمالته عام 1983 ويحكم عليه بالسجن 20 عاماً.

جاسوسٌ آخر لا يقلُّ أهمية عن كلينجبرغ، اكتشفته إسرائيل عام 1991، هو شمعون ليفنسون، الذي عمل عقيداً في الاستخبارات العسكرية، وعضواً في جهاز الأمن الداخلي، والموساد، كما عمل كبيراً لضباط الأمن في مكتب رئيس الوزراء. نجح KGB في تجنيد ليفنسون عام 1983 خلال زيارة له إلى تايلاند، وظل يمدها بمعلومات هامة لمدة حتى تم اعتقاله بعدها بـ7 سنوات.

أسماء عملاء آخرين لم تكشف سوى في عام 2016، بعدما أفرجت بريطانيا عن وثائق من KGB حصلت عليها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، بعضهم كانوا أعضاء في الكنيست الإسرائيلي، وبعضهم كانوا صحافيين، وأهمهم هو جنرال في الجيش الإسرائيلي كان أحد كبار المسؤولين في قسم جهاز الأمن الداخلي المسؤول عن مكافحة العملاء.

في 2006 حزب الله يتسبب في أزمة بسبب الأسلحة الروسية

اتّسمت العلاقات الروسية – الإسرائيلية منذ عودتها عام 1991 حتى مطلع الألفية الجديدة بالاستقرار، ثم تطورت منذ عام 2000، أي منذ صعود الرئيس فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم، إلى تعاون شامل في أغلب المجالات.

استمرت العلاقة على هذا المنوال حتى عام 2006، عندما عثرت إسرائيل على أدلة تفيد امتلاك حزب الله اللبناني أنظمة مضادة للدبابات من طراز Kornet-E وMetis-M وRPG-29 الروسية، والتي تسببت في تكبيد القوات الإسرائيلية خسائر كبيرة.

اتُّهمت روسيا بأنها تمد حزب الله بالأسلحة، لكنها ردت بأنها باعت الأسلحة لسوريا، التي قامت بإرسالها إلى حزب الله.

كانت إسرائيل تعلم أن ما قالته روسيا صحيح، لكن ذلك لم يمنع توتر العلاقات بين البلدين، وهو توتر تفاقم عام 2007، بسبب تقارير عن صفقات أسلحة جديدة محتملة بين روسيا وسوريا، أتبعها اغتيال الصحافي الروسي إيفان سافرونوف، الذي قال إنه يمتلك أدلة على نية بلاده بيع أنظمة حديثة مضادة للطائرات، وطائرات مقاتلة طراز ميج 29، وصواريخ إسكندر أرض جو إلى سوريا وإيران عبر روسيا البيضاء.

مؤخراً ضوءٌ أخضر لقصف أهداف إيرانية

مثلما اعتادت اللوبيات اليهودية أن تكون جهات ضغط على الكيانات السياسية الكبرى، لم يختلف كذلك الوضع في روسيا، حيث يوجد اللوبي اليهودي الروسي، الذي بدأ نشاطه في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، وعمل بقوة للتأثير بشكلٍ أو بآخر في دوائر صنع القرار الروسي، وعلى توطيد العلاقات بين البلدين مؤخراً بعد عقود من ازدياد نشاطه، وعمله على تمهيد الطريق لتخطي الخلافات بين البلدين.

وفي أعقاب الأزمة الأخيرة على الأراضي السورية وفي ظل التواجد العسكري الروسي بها؛ شهدت العلاقات تنسيقاً، وترتيباً بين البلدين بدا للمجتمع الدولي على أنه تعاون إيجابي روسي مؤيد لإسرائيل؛ إلى حد سماح الإدارة الروسية للقوات الإسرائيلية بقصف أهداف إيرانية عبر مجال تواجدها الدولي في سوريا.

وهو ما وصفته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأنه كان بمثابة "الضوء الأخضر" للقصف الإسرائيلي الذي جاء في الأول من يونيو/حزيران من العام الحالي 2018، وهو ما قد يؤكد أن الأمور بين البلدين قد تكون أكثر ترابطاً من فقدانها؛ حتى وإن بدت اهتزازاً لهيبة التواجد العسكري الروسي في المنطقة.

فهل ستقدم روسيا على أي خطوة تصعيدية تجاه إسرائيل؟ أمّ أنّ التاريخ يقول إنهما صديقين متصارعين أحياناً ومتحابين أغلب الأحيان؟

علامات:
تحميل المزيد