طهران ترفض مقترحاً جديداً من ترمب، وتقول إنها لا تثق به.. الرئيس الأميركي يتخوف من الرضوخ لشروط إيران

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/21 الساعة 17:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/21 الساعة 17:25 بتوقيت غرينتش
الرئيس حسن روحاني-رويترز

عند وصول جون بولتون إلى البيت الأبيض، رحَّب به الرئيس دونالد ترمب برسالةٍ مازحةٍ ولكنها صريحةٌ: "لن أدعك تبدأ حرباً مع إيران". وذلك في إشارة إلى سياسات أميركا بخصوص النووي الإيراني

وكان مَن نقل هذا الحديث شخصاً دبلوماسياً سابقاً شعر بالارتياح من تثبيط الزعيم الغرائز الجامحة لمستشاره الأمنيِّ الجديد من اليوم الأول، وذلك وفق موقع The Daily Beast الأميركي.

لكنَّ مسؤولاً كبيراً في البيت الأبيض لم يذكر أن الحوار جرى على هذا النسق؛ بل زعم أن الحديث جرى على النحو التالي: "أعرف أنك في منصبك السابق قد أردت شنَّ بعض الحروب. فلن أسمح لك بذلك".

الذاكرة لا يُعتَمَد عليها، ويرفض مكتب بولتون الإعلامي تأكيد هذا التصريح أو نفيه. لكن عدَّة مسؤولين قد صرَّحوا بأن البيت الأبيض لا يسعى إلى مواجهةٍ مسلَّحةٍ مع إيران، وإنما إلى مناقضة نصيحة ثيودور روزفلت بأن "تتحدَّث بلينٍ وتحمل عصاً كبيرةً". فالشعار الآن هو "ارفع صوتك، وتمنَّ ألا يصل الأمر إلى العنف"، في ظلِّ استغلال الإدارة الأميركية وسيلة ضغطها المالية ضد إيران.

ووصف مستشارون غير رسميين لإدارة ترمب الوضع هكذا: كان الرئيس بحاجةٍ إلى الوفاء بأحد وعود حملته الانتخابية وهو الانسحاب من الاتفاق مع إيران، المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهو اتفاقٌ من فرط صعوبة التوصُّل إليه، لم يستطع أطرافه حتى الاتفاق على أن يُسَمُّوه اتفاقاً.

تحاول الإدارة الأميركية الحفاظ على الجانب الإيجابي في اتفاق ايران

يحاول مجلس الأمن القومي تحت قيادة ترمب المحافظة على الأجزاء الإيجابية من اتفاق إيران، من خلال العمل مع الحلفاء الأوروبيين بأسلوب "الشرطي الطيب، والشرطي الشرس"؛ لأجل منع إيران من العودة إلى صنع الأسلحة النووية بينما تعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات التي أدَّت بالفعل إلى انهيار الريال الإيراني وتسبَّبت في انخفاض صادرات النفط بنسبة 35%.

وستتفاقم الأضرار المالية بعدما يضرب فريق ترمب طهران بدفعةٍ جديدةٍ من العقوبات في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

الهدف هو إحداث كثيرٍ من البلبلة حتى تُلقِي الاحتجاجات في شوارع إيران باللوم على أعلى مستويات الحكومة، بالإضافة إلى رفع التكاليف المالية للحملات العسكرية والإرهابية في سوريا واليمن وما وراءهما، الحملات التي لا يستحسنها الشعب الإيراني بالفعل.

وتشتكي الولايات المتحدة على الملأ من أن الأطراف الأخرى في اتفاق إيران تحاول وضع ثغراتٍ تُمكِّن إيران من الحفاظ على سلامتها المالية، ومع ذلك تستمر الولايات المتحدة في العمل مع تلك الدول وراء الكواليس.

ويخشى دبلوماسيو تلك الدول أن تكون لحيلة ترمب نتيجةٌ عكسيةٌ وتمنح القادة الإيرانيين طرفاً خارجياً يمكن لومه على الأزمة الاقتصادية الإيرانية والاحتجاجات المستمرة ضد الحكومة.

لكن هناك مخاوف من تنفيذ إيران تهديدها بغلق مضيق هرمز أمام شحنات النفط

ويخشون أيضاً أن تنفِّذ إيران تهديداتها بغلق مضيق هرمز أمام شحنات النفط، الأمر الذي قد يُرغِم الولايات المتحدة على استدعاء سفن قواتها البحرية التي تدور الآن في المحيط الأطلسي كإنذارٍ لروسيا العدوانية بالتراجع، وفي المحيط الهادئ، كإنذارٍ للصين العدوانية بأن المياه الدولية ستظل مفتوحةً.

الخوف الآخر هو من أن تنجح إيران في تنفيذ هجومٍ إرهابيٍّ يستهدف المصالح الأميركية أو الغربية، ويترك وراءه أدلةً كافيةً لإدانة طهران وإحداث عاصفةٍ من الاتهامات الأخلاقية.

يُذكر أن الولايات المتحدة قد لامت إيران بالفعل على التواطؤ في شن هجماتٍ نفَّذتها حديثاً ميليشيات شيعية على السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية الأميركية في البصرة. ولام المسؤولون الأميركيون إيران كذلك على محاولة تفجيرٍ فاشلةٍ في باريس حدثت في يوليو/تموز 2018، ويُزعَم أنها كانت تستهدف جماعة معارضة إيرانية.

يحثُّ المسؤولون الأوروبيون إيران على الالتزام باتفاق إيران، وتحمُّل أية عقوباتٍ قادمةٍ وانتظار رحيل إدارة ترمب في نهاية فترته الانتخابية. وفي أثناء ذلك، ستستغل إيران الجمعية العمومية السنوية للأمم المتحدة لأجل لعب دور الطرف الدولي العقلاني الذي يواجه تنمُّر ترمب، إلى جانب السعي بجدٍّ نحو تأسيس علاقاتٍ تجاريةٍ بديلةٍ مع روسيا والصين وحتى الهند حليفة الولايات المتحدة، بغية اتِّقاء الانهيار الاقتصادي.

لذلك طرح فريق ترمب مقترحاً جديداً للتعامل مع الوضع في إيران

وطرح فريق ترمب حلاً؛ إذ اقترح المبعوث الخاص للولايات المتحدة، براين هوك، التفاوض على معاهدةٍ تروِّض برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني واندلاع حربٍ خبيثةٍ بالوكالة. وحتى الآن، رفض الإيرانيون ذلك الاقتراح، مُعلِّلين ذلك بأنهم ما عادوا يأتمنون كلمة واشنطن بعد انسحاب ترمب من "خطة العمل الشاملة المشتركة".

لذا يبدو أن الطرفين قد وصلا إلى طريقٍ مسدودٍ، ما ينذر بنزاعٍ خطابيٍّ في الأمم المتحدة لاستمالة القاعدة الوطنية لكل دولةٍ، وانعدام فرص إقامة أية محادثاتٍ دبلوماسيةٍ في المستقبل.

ولكن يخشى البعض في دائرة الأمن القومي لترمب أمراً آخر: أن يدرك القادة الإيرانيون أنَّ الموافقة على مقابلة ترمب ستؤدِّي في الحال إلى إعفاء إيران من العقوبات، وإلى إبرام اتفاقٍ غير صارمٍ.

لا يريد ترمب الحرب، ولا تهتم قاعدته الجماهيرية حقاً بالتدخل الإيراني في سوريا واليمن ولا هدفها الأسمى المزعوم بتأسيس هلال شيعيٍّ من الجماعات المسلَّحة التي تخدم مصالحها من لبنان حتى إيران. وإنما يسعى ترمب ببساطةٍ إلى التفوق على سلفه باراك أوباما باتِّفاقٍ يستطيع إقناع جمهوره بأنه اتفاقٌ أفضل.

وربما كان ترمب سيعقد ذلك الاتفاق منذ عامٍ، لو قَبِل المسؤولون الإيرانيون فحسب بالتماساته العديدة لأجل الاجتماع به، والتي من كثرتها ظن الإيرانيون أنها "دعابةٌ"، كما وصف أحد أطراف المباحثات الأمر؛ إذ لم يكن الإيرانيون، والعالم أجمع، على درايةٍ بعدُ بقدرة ترمب على الانتقال من السب والقذف إلى الرغبة في المصالحة بسرعة تغريدةٍ واحدةٍ.

ولذلك، يتهامس مستشارو ترمب بقلقهم من أن الإيرانيين إذا كانوا أذكياء بما يكفي ليحذوا حذو كيم جونغ أون، ويوافقوا على مقابلة ترمب، ثم يعرضوا عليه بعض التنازلات الطفيفة -ولو حتى تعديلاً بسيطاً لتحسين اتفاق إيران الأصلي- فمن المرجَّح أن يقبل ترمب بذلك، قبل أن تشتدَّ وطأة موجة العقوبات القادمة بما يكفي لتغيير سلوك إيران وربما قيادتها. ولكن من شأن ذلك أيضاً أن يحدَّ من خطر الخطأ في التقدير واندلاع أزمةٍ عَرَضيةٍ، ولن يكون هذا شيئاً سيئاً.