طيلة أسابيع ماضية، حام شبح هجومٍ مدعوم من روسيا على آخر أكبر معاقل فصائل المعارضة السورية في إدلب، الأمر الذي دفع المدنيين في المحافظة للاستعداد للأسوأ، كتخزين ما تبقى من طعام، وتصميم أقنعة واقية من الغاز تحسباً لهجمات النظام بأسلحة كيميائية.
لكن في الوقت الراهن، انتصرت الدبلوماسية، إذ وافقت تركيا وروسيا في 17 سبتمبر/أيلول 2018 على إقامة منطقة عازلة حول إدلب، تفصل قوات النظام عن قوات المعارضة، وبموجب هذا الاتفاق من المفترض تجنيب المحافظة سيناريو كارثياً، لكن هذا الاتفاق يواجه تحديات كبيرة، قد تؤدي إلى تعطيله، بحسب ما جاء في تقرير نشرته مجلة Economist البريطانية، أمس الخميس.
وسيرسل البلدان قوات الشرطة العسكرية وطائرات بدون طيار لتسيير دوريات عبر شريطٍ يتراوح عرضه بين 14–19 كيلومتراً، فيما ستتخلى المعارضة في المنطقة منزوعة السلاح عن أسلحتها الثقيلة بحلول 10 أكتوبر/تشرين الثاني المقبل.
ومن المفترض أن ينسحب مقاتلو هيئة "تحرير الشام" تماماً، وهي أقوى الفصائل في إدلب ومرتبطة بتنظيم القاعدة. ورغم قلة التفاصيل، فإنَّ الهجوم قد توقَّف، في الوقت الراهن.
أهداف مشتركة لتجنب معركة إدلب
ولكلا البلدين مصلحة في تجنب هجومٍ شامل على المحافظة الواقعة شمال غرب سوريا. إذ تخشى تركيا من أنَّ حملة قصفٍ دموية قد تدفع حوالي 2-3 مليون شخص من سكان المحافظة إلى عبور حدودها مع المحافظة، هذا بالإضافة إلى اللاجئين الموجودين في تركيا بالفعل والبالغ عددهم 3.5 مليون.
وبما أنَّ روسيا تحاول إقناع الغرب بتمويل إعادة إعمار سوريا، فإنَّ دعمها لهجومٍ يتسبَّب بقتل آلاف المدنيين قد يضعف حجّتها بأنَّ النظام السوري جادٌ في سعيه للتوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب.
وأشار تقرير المجلة البريطانية إلى أن الأمور قد تسوء في إدلب، فأمام تركيا أقل من شهر لإقناع هيئة "تحرير الشام" بالانسحاب من المنطقة العازلة، وفي حال فشلت تركيا في ذلك، ستشعر روسيا وحليفها نظام بشار الأسد أنَّ لديهما مبرراً كافياً لشن هجوم شامل النطاق.
ولم تسفر جهود تركيا السابقة لإضعاف هيئة "تحرير الشام" إلا عن القليل. ولا تزال الطائرات دون طيار التابعة للمعارضة في المحافظة تزعج القاعدة الجوية الروسية الرئيسية.
وكان قائد هيئة "تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، قال لأتباعه في مناسبات سابقة إنَّ تسليم أسلحتهم أقرب إلى الخيانة.
وتعتزم تركيا إرسال المزيد من القوات إلى إدلب، لكن مواجهة الهيئة سيزيد من مخاطر شن هجمات إرهابية على أراضيها.
وبالنسبة للمسلحين الأجانب، فإن إدلب هي آخر ملاذ في سوريا، وقال سنان أولجن، وهو دبلوماسي تركي سابق ومحلل لدى مركز كارنيغي في أوروبا: "المشكلة الأساسية هي المقاتلون الأجانب؛ لأنه لم يعد لديهم مكان يلجأون إليه".
وذكر أولجن أن تركيا تعلق آمالها فيما يبدو على الانقسامات المحتملة بين الجهاديين، وتتوقع أن المقاتلين السوريين سيكونون أكثر ميلاً لتسليم سلاحهم من الأجانب، مضيفاً: "المبدأ الأساسي هو فرِّق تسُد. محاولة التفرقة على مستوى جذري. قد يكونون جميعهم جهاديين لكن ربما تكون ميولهم مختلفة فيما يتعلق بنزع السلاح".
وقال مصدر بالمعارضة في إدلب، إن هناك وجهات نظر مختلفة داخل تحالف تحرير الشام بشأن إمكانية التعاون، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز.
المعارضة السورية غير مطمئنة
ويسعى نظام الأسد من جانبه إلى إفساد الاتفاق، لا سيما وأنه تعهد مراراً باستعادة كامل البلاد، حيث تُعد إدلب غنيمة مغرية، ومن شأن سقوطها أن يؤشِّر على نهاية التمرُّد ضد النظام.
وبينما يُرحِّب قادة مجموعات المعارضة المعتدلة في إدلب على نطاقٍ واسع بالاتفاق، يقولون إنَّهم يخشون من عدم التزام روسيا والنظام بجانبهم من الصفقة.
ورأى تقرير المجلة البريطانية أن المعارضة مُحقة في ذلك، إذ خرق النظام، بمباركةٍ روسية، اتفاقات وقف إطلاق نار سابقة، وهو مشغول بالقبض على المقاتلين الذين سلَّموا أسلحتهم مقابل العفو في مناطق أخرى بالبلاد.
وحتى إن صمد الاتفاق، ستجد روسيا صعوبة لتنسيق المصالح المتعارضة للقوى الأجنبية في سوريا في الوقت الذي تحاول فيه إنهاء الحرب، إذ قصفت إسرائيل منشأة عسكرية بعد ساعات من إعلان الاتفاق.
ونفذت إسرائيل 200 ضربة ونيف خلال العامين الماضيين لمنع إيران من تأسيس حضور عسكري دائم في سوريا. لكن هذه المرة كان الهدف قريباً على غير العادة من القاعدة الجوية الروسية الرئيسية، قاعدة حميميم، على الساحل السوري.
وأطلقت بطاريات الدفاع الجوي السورية وابلاً من الصواريخ على طائرات إسرائيلية، لكنَّها أسقطت طائرة تجسس روسية بالخطأ، ما أسفر عن مقتل 15 من طاقمها.
واتهم وزير الدفاع الروسي إسرائيل بأنَّها تصرفت باستهتار، وقال إنَّ الطائرات الإسرائيلية استخدمت الطائرات الروسية كدرع لها. وبعد ساعات، بدت نبرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هادئة أكثر.
وقال إنَّ الطائرة أُسقِطَت خلال "سلسلة من الملابسات المأساوية"، وليس بسبب إسرائيل. وبالتالي يبدو أنَّ اتفاق "تفادي الصدام" مع إسرائيل لم يتأثَّر، والذي يتضمَّن عدم تدخُّل إسرائيل في حملة روسيا لإنقاذ النظام السوري، مقابل منح روسيا إسرائيل حرية التصرف بشكل أو بآخر لقصف الأهداف التابعة لإيران وحليفها اللبناني، حزب الله.
لكن في ظل تحليق طائرات من ست دول على الأقل -أميركا، وبريطانيا، وإسرائيل، وروسيا، وسوريا، وتركيا- في سماء سوريا، تبقى مخاطر سوء التقدير عالية على نحوٍ خطير.