البطالة والهجرة وحتى القضية الفلسطينية حاضرة في شعارات مباريات كرة القدم.. شباب الجزائر يحوِّلون مدرجات الملاعب إلى منبر لبثِّ رسائلهم

لا تكاد تخلو أي مباراة من الغناء للسياسة والمجتمع، خاصة في اللقاءات الكبرى، سواء أكان في البطولة الوطنية، أو منافسات كأس الجمهورية

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/20 الساعة 17:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/20 الساعة 18:41 بتوقيت غرينتش

في زاوية بساحة قريبة من حي القصبة العريق غرباً، وزرقة المتوسط من الشمال، وتسمى الشهداء، نسبة إلى الأعداد الكبيرة للشهداء الذين سقطوا إبان حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، وليس بعيداً عن مقر المجلس الشعبي الوطني الجزائري، يجلس حسام وعبداللطيف وعدد من أصدقائهما كل مساء، على درج حجري يؤدي إلى نقطة لبيع الأسماك تقابل ميناء الجزائر العاصمة.

هذا المجلس الشبابي الذي يراقب عن كثب تحرك السفن نحو عرض البحر، وحاويات بالآلاف تدخل الميناء من مختلف دول العالم، ليعيشوا في بطالة كبيرة، جعلت منهم كتاب كلمات وملحنين، ينقلون واقع السياسة والطبقة الشعبية بطريقتهم الخاصة.

لا توجد مسارح خاصة بهذا النوع من الفن في الجزائر، لذا فالأغاني التي يكتبها ويلحنها هؤلاء، يتم عرضها في مباريات كرة القدم، يؤدون فيها دور الفنان والجمهور، والجوق بأكمله.   

ويؤكد حسام الذي يناصر فريق "اتحاد العاصمة الجزائري"، أن الأغاني التي يكتبها تعكس ما يحدث في البلاد من انهيار في القدرة الشرائية، والمشاكل الاجتماعية، مع التركيز على واقع السياسة والحكومة في البلاد.

ويضيف في حديث له مع عربي بوست "أن مدرجات الملاعب خاصة ملعب الشهيد عمر حمادي، الذي يعد معقل أنصار الاتحاد، وكذا ملعب 5 يوليو/تموز، هو الفضاء الوحيد لنقل انشغالات ورأي الشباب".

كما يعتبر حسام أيضاً "أن تلك اللقاءات التي تجمعه بأقرانه من المناصرين والمشجعين تكون عفوية، ومن غير سابق مواعيد، وتكلل بأعمال تعبر عن الواقع المعاش في الجزائر ليتم عرضها في مدرجات كرة القدم".

وهناك يضيف "بعض الهتافات والشعارات السياسية والاجتماعية، تكون وليدة المباراة، أي أنها تكون إبداعاً فوق المدرجات ومن غير تحضير مسبق".

#عودة-المدرسة-مزور-القلعة.وقالكم سمحونا كي رانا نتنفسو

Geplaatst door Oussama Benaissa op Woensdag 5 september 2018

المنافسة في التشجيع ونقل الرسائل

عبداللطيف من حي باب الواد بالعاصمة، هو الآخر من المولعين بكتابة الشعارات والهتافات التي تترجم كأغاني تشجيع في مدرجات كرة القدم، يتحدث عن تجربته في نقل رسائل المجتمع من خلال المباريات.

ويصرح لـ "عربي بوست" بأن جماهير مختلف الفرق الجزائرية، خاصة في الدوري المحترف الأول، هم على كفتي التنافس الرياضي، من خلال تشجيع الفرق التي تحبها، وكذا الإبداع في نقل رسائل الشباب والمجتمع الجزائري.

وفي الآونة الأخيرة، لا تكاد تخلو أي مباراة من الغناء للسياسة والمجتمع، خاصة في اللقاءات الكبرى، سواء أكان في البطولة الوطنية، أو منافسات كأس الجمهورية التي يرعاها رسمياً الرئيس بوتفليقة.

وهو ما يذهب إليه صديقه حسام، الذي يؤكد أنه يعرف أحد مشجعي فريق مولودية الجزائر، وأحد أعضاء لجنة الأنصار بها، وهو يعمل دائماً رفقة عدد من الأنصار للتحضير لمختلف المنافسات، من خلال كتابة هتافات للفريق، وأخرى لنقل انشغالات الشباب والمجتمع.

عارضوا الولاية الخامسة لبوتفليقة

تبرز بعض مقاطع الفيديو، التي تم تصويرها عبر مدرجات مختلف الملاعب، أغاني وهتافات يعارض فيها المشجعون ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة، تكون الخامسة إن تحققت.

ويؤدي المشجعون هذه الأغاني بصورة جماعية منسقة، تكون أحياناً بقائد أوركسترا تتبعه الجماهير بالترديد، ومرات أخرى تكون بأداء مشترك.

حسام يؤكد أن بثَّ الرسائل السياسية والاجتماعية يكون في غالب الأحيان قبيل انطلاق المباراة، أو بين الشوطين، أو عند نهاية اللقاء.  

وانتقدوا واقع الاقتصاد في البلاد

واقع الاقتصاد الجزائري هو الآخر أخذ حصة الأسد في مدرجات كرة القدم، كما يشرح الشاب عبداللطيف في حديث لـ "عربي بوست": "دولة بترولية مثل الجزائر، وشبابها لا يزالون يحلمون بالهجرة نحو أوروبا عبر قوارب الموت"، وتساءل في نفس السياق: "كيف لا يكتب المناصر ويغني وحالته من السيئ إلى الأسوأ رغم خيرات بلاده".

كما أدى الجوارح وهو لقب أنصار اتحاد الحراش، في أكثر من لقاء أغنيتهم المشهورة "شكون سبابنا" أي من هو سببنا؟ وهي أغنية تنقل واقع الجزائر الاقتصادي ومعاناة الشباب.

"بابور اللوح".. الهروب من المعاناة

الجزائر من البلدان التي تشهد هجرة مكثفة لشبابها نحو أوروبا عبر المتوسط، ومن خلال قوارب الموت كما تسمى، كانت أغنية "بابور اللوح" أو قارب اللوح، من أشهر ما غنى أنصار اتحاد العاصمة في 2018.

وتصور هذه الأغنية معاناة الشباب في الجزائر، لارتفاع معدلات البطالة، وأزمة السكن وتأخر الزواج، وربطها بواقع السياسة والحكومة.

ويستهل الأنصار أغنيتهم بعبارة "خليني نروح، قلبي مجروح، خليني نروح في بابور اللوح"، (اتركني أرحل، فقلبي مجروح، اتركني أرحل في قارب اللوح).

القضايا العربية والدولية حاضرة أيضاً

يؤكد مسعود بن وادفل باحث جزائري في علم الاجتماع، أن الملاعب الجزائرية، أصبحت تعكس مدى اطلاع الشباب الجزائري على ما يحدث في العالم، ويترجم ذلك الاطلاع إلى أغان وهتافات بالملاعب.

ويرى بن وادفل في حديثه لـ "عربي بوست"، "أن ملاعب كرة القدم بالجزائر ورغم كل ما يقال عنها، بسبب العنف أحياناً، ومشاكل المخدرات والخمور أحياناً أخرى، فإن المناصر بها ينقل بأمانة الواقع المعاش".

ولم يكتفِ مشجع كرة القدم بالجزائر، من نقل واقعه الاجتماعي والسياسي فحسب بنظر مسعود بن وادفل "بل امتدّ لينقل المشهد العربي والدولي في صورة من التشجيع والهتافات والصور".

ويؤكد عبداللطيف مناصر فريق اتحاد العاصمة الجزائري "بأن الكلمات التي تكتب لتترجم إلى أغان بالمدرجات، تهتم أيضاً بالقضايا العربية والإسلامية وبعض الأحداث الدولية".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، وفي الوقت الذي كان الجميع في العالم يتابع قرار الرئيس الأميركي بنقل سفارة بلاده إلى القدس، اندلعت أزمة دبلوماسية بين الجزائر والسعودية بسبب صورة بمدرجات الملعب.

فقد قام مشجعون بمدينة عين مليلة 400 كلم شرق العاصمة الجزائر، خلال مباراة جمعت فريقهم مع نادي غالي معسكر، 350 كلم غرب الجزائر، بعرض "لافتة كبيرة"، حملت صورة لوجه بنصفين، الأول للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، والثاني للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وإلى جانبهما مجسم للمسجد الأقصى مرفق بعبارة "وجهان لعملة واحدة".

السعوديون اعتبروا الراية مساساً بسمعة الملك، وتشويها لشخص خادم الحرمين الشريفين، وطالبوا في تعليقاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي سلطات بلادهم الرد على هذا السلوك الصادر من مشجعين لكرة القدم في الجزائر.

فيما اعتبرها الجزائريون صورةً عاديةً وترجمة لما قاله إمام الحرم المكي عبدالرحمن السديس، حينما أكد "أن سلمان وترمب هما قائدا السلام في العالم"، واستغرب بعض المعلقين "كيف تحرك السعوديون لهذه الراية ولم يتحركوا لتصريح السديس؟"

وكان السفير السعودي بالجزائر، سامي بن عبدالله الصالح، قد أكد أن بلاده منزعجة من الصورة التي ظهرت بأحد الملاعب المحلية في الجزائر، وأن بلاده ستفتح تحقيقاً في صحة الراية والغرض منها، مهدداً الأنصار باتخاذ إجراءات عقابية.

صدام حسين يزلزل العلاقة الجزائرية العراقية

وفي 10 سبتمبر/أيلول 2018، استدعت وزارة الخارجية العراقية، السفير الجزائري في بغداد، وأخبرته بأسف بلادها من تصرفات بعض المشجعين في المباراة، التي جمعت فريقي "اتحاد العاصمة" الجزائري، و "القوة الجوية" العراقي، ضمن مباريات كأس العرب للأندية الأبطال.

وتوقّفت في الدقيقة الـ70، بعد انسحاب نادي "القوة الجوية" من الميدان بسبب ترديد الأنصار لعبارة "الله أكبر صدام حسين".

واعتبر وليد الزيدي، رئيس البعثة العراقية إلى الجزائر، في إطار مباراة كأس العرب للأندية الأبطال، أن ما حدث في اللقاء غير مقبول.

وبدا الزيدي في قمة الغضب، من خلال فيديو تم تصويره عقب نهاية المقابلة. وفوق ذلك، وصف طريقة تشجيع الجماهير ناديهم "اتحاد العاصمة" الجزائري بــ "البربرية وانعدام الثقافة فيها".

"فلسطين الشهداء".. الشعار الحاضر في كل المباريات

وتبقى القضية الفلسطينية، من أكبر القضايا تشجيعاً من قبل أنصار كرة القدم في الجزائر، ولا تكاد تخلو لقاءات كرة القدم من هتافات الجماهير بعبارة "فلسطين الشهداء".

وهو تعبير صريح عن حب الشعبين، وتوحد العلاقات والمصائر بينهما كما يقول الباحث في علم الاجتماع مسعود بن وادفل، الذي اعتبر وجود هذا الشعار في ملاعب الجمهورية، هو امتداد للقول الشهير للرئيس الراحل هواري بومدين "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".

تحميل المزيد