ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية الخميس 20 سبتمبر/أيلول 2018، أن روسيا قيّدت حرية الحركة في المجالين الجوي والبحري في مناطق محددة قبالة السواحل السورية، كرد -كما يبدو- على إسقاط طائرة عسكرية روسية يوم الإثنين الماضي بصواريخ أطلقها الجيش السوري خلال تصديه لغارات نفذتها طائرات إسرائيلية على مواقع عسكرية في مدينة اللاذقية الساحلية غرب سوريا.
في الوقت ذاته قالت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية إن حرية الطيران الإسرائيلي في المجال الجوي السوري، أحد أكثر الجبهات اضطراباً، ربما باتت مهددة الآن بعد حادث إسقاط الطائرةٍ الروسيةٍ .
إسرائيل في مأزق
وركّزت وسائل الإعلام العبرية اليوم على أن روسيا قد تتخذ خطوات ستضيّق على قدرات إسرائيل في شن هجمات على أهداف سورية وإيرانية في سوريا، وأن هناك حالة غضب في موسكو بعد مقتل 15 عسكريا روسيا في الطائرة الاستخبارية الروسية.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن روسيا عززت عملياتها شرق البحر المتوسط ونشرت أمس إعلانا عن تقييد لحركة الطيران والملاحة في مناطق بين قبرص وحتى السواحل السورية بسبب تدريبات عسكرية.
أما The Jerusalem Post فترى أن الحادثة التي وقعت يوم الإثنين 18 سبتمبر/أيلول الجاري وضعت إسرائيل في مأزق مع موسكو، في ظل مقتل 15 عسكرياً روسياً، إثر إصابة الطائرة الهجومية من طراز Ilyushin IL-20 بصاروخٍ مضادٍ للطائرات روسي الصنع أطلقته قواتٌ مواليةٌ لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
يُذكر أن روسيا تدخلت في الصراع السوري في سبتمبر/أيلول من عام 2015، وفي ظل وقوفها بجانب الأسد، وجدت نفسها شريكاً في تحالفٍ يضم دمشق وطهران، المناصرة لحزب الله.
ولطالما أشارت روسيا التي ترى إيران طرفاً مؤثراً أساسياً في حل الأزمة بسوريا إلى أهمية الدور الذي تؤديه الجمهورية الإسلامية في البلد الذي مزقته الحرب.
السياسة التي تتبعها كل من إسرائيل وروسيا في سوريا
وتنتهج إسرائيل وروسيا سياسة عدم النزاع في سوريا تجنُّباً لأي خلافٍ قد ينشأ بينهما. ومع ذلك، كانت إسرائيل تحظى بحرية كبيرة نوعاً ما في الأجواء السورية لشن هجماتٍ على أهدافٍ تشكّل تهديداً للدولة اليهودية.
جديرٌ بالذكر أنَّ إسرائيل اعترفت علناً على مرِّ الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ 7 سنوات ونصف بأنَّها شنت مئات الهجمات على قوافل تابعة لحزب الله وغيرها من الأهداف في سوريا -بلغت هذه العمليات أكثر من 200 عمليةٍ في آخر سنةٍ ونصف فقط- بينما التزمت الصمت حيال مئات العمليات التي تُنسَب لها.
وقد صدر بيانٌ عن الجيش الإسرائيلي في أعقاب حادثة يوم الإثنين يعترف فيه بالعملية الأخيرة، قائلاً إنَّها كانت تستهدف منشأة عسكريةٍ سوريةٍ معدةٍ لتهريب أنظمة تصنيع أسلحةٍ مدمرةٍ ودقيقةٍ قادمة من إيران إلى حزب الله في لبنان.
وانتقد مسؤولون روس إسرائيل عقب الحادثة، واصفين ما حدث بأنَّه عملٌ "استفزازي وعدائي". واتهموا إسرائيل باستخدام الطائرة الروسية المنكوبة غطاءً لتنفيذ هجمات على أهدافٍ في مدينة اللاذقية السورية، حيث تقع قاعدة حميميم الجوية الروسية.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف: "نتيجةً للتصرفات غير المسؤولة التي يفعلها الجيش الإسرائيلي فقد 15 عسكرياً روسياً أرواحهم. وهذا لا يتفق بأي حالٍ من الأحوال مع روح الشراكة الروسية-الإسرائيلية. نحتفظ بحقنا في الرد بما يتناسب مع ما حدث".
ولم تعترف روسيا إلا في ظهيرة يوم الثلاثاء 18 سبتمبر/أيلول بأن طائرتها قد أُسقطت من السماء بصاروخٍ روسي الصنع أُطلِق من بطارية دفاعٍ جوي سوريةٍ من طراز S-200.
وبرَّأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إسرائيل تقريباً من مسؤولية إسقاط الطائرة، قائلاً: "يبدو أن الأمر مردّه على الأرجح سلسلة ظروف عرضية مأساوية".
ما طبيعة الإجراءات التي قد تتخذها روسيا؟
وأضاف أنَّ روسيا ستتخذ إجراءات إضافيةً لحماية قواتها ومنشآتها العسكرية في سوريا.
وترى الصحيفة أن الإجراءات التي تحدث عنها بوتين قد تتنوع بين إعادة تقييم سياسة عدم النزاع، ووضع ممثلين عسكريين روس في أنظمة الدفاع الجوي السورية، أو حتى تزويد الجيش السوري بأنظمة دفاعٍ جوي أحدث وأدق.
وترجع الدفاعات الجوية السورية في أغلبها إلى أنظمة العصر السوفييتي، بما في ذلك أنظمة SA-2 وSA-5 وSA-6 بالإضافة إلى نظم الصواريخ الأرض-جو التكتيكية الأكثر تطوراً، مثل SA-17 وSA-22. ويتمثل أحدث الأنظمة التي زوّدت موسكو النظام السوري بها في نظام بانتسير s-1 قصير المدى، الذي يتولى إسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ بالمجال الجوي السوري.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قال الكولونيل سيرغي رودسكوي من القوات المسلحة الروسية: "خلال العام ونصف العام الماضي، أدخلت روسيا تحديثات على نظام الدفاع الجوي السوري بالكامل وتواصل إدخال المزيد من التطوير عليه".
وفي ذلك الوقت، كانت موسكو تفكر في تزويد سوريا بنظام الدفاع الجوي S-300 الأكثر تطوراً، وهي الفكرة التي رفضها بوتين في وقت لاحق بعد مناقشات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولكن في ظل تسبُّب نظام دفاعٍ جوي غير دقيق في إسقاط إحدى طائراتها العسكرية، ربما تُناقش روسيا الفكرة مرة أخرى مع دمشق.
وبينما من المرجح أن تواصل إسرائيل ضرب الأهداف التي تمثل "خطراً لا يحتمل" على إسرائيل، قال الصحيفة الإسرائيلة إنه ينبغي أن يتذكر طيارو إسرائيل التحذير الذي قاله وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لنظيره الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان: "مثل تلك الإجراءات لن تمر دون رد".