ربما شغلت شركة أرامكو، عملاق النفط، مساحات كبيرة من النقاش في الفترة الأخيرة، لكنَّ الاكتتاب العام الأولي المؤجَّل ليس سوى آخر علامة على تباطؤ السعودية في برنامج الخصخصة.
يُذكَر أنَّ البرنامج جزءٌ من "رؤية السعودية 2030″، التي أعلنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتحويل الاقتصاد، ويضع البرنامج تصوُّراً لبيع أسهم الموانئ والسكك الحديدية والمرافق العامة والمطارات، وفق وكالة Bloomberg الأميركية.
حين بدأت الحكومة تضع الخطط في عين الاعتبار منذ 3 سنوات تقريباً، كان سعر خام برنت النفطي أقل من 40 دولاراً للبرميل. لكن مع ارتفاع أسعار النفط إلى الضعف، يبدو أنَّ الأمر قد صار أقل إلحاحاً، مع أنَّ صندوق النقد الدولي قد أوصى في يوليو/تموز 2018، بتسريع عملية الخصخصة.
ومع الإعلان عن وضع "أرامكو" قيد الانتظار، فهذا كان معناه أن السلطات السعودية بدأت تتراجع
كانت الأنباء، التي انتشرت في أغسطس/آب 2018، عن أنَّ بيع الأسهم في شركة أرامكو قد وُضع قيد الانتظار، هي الإشارة الأبرز إلى أنَّ المسؤولين قد بدأوا يتباطأون.
وقال جان بول بيغات، رئيس قسم البحوث بمركز لايت هاوس للأبحاث في دبي: "لا يمكن إنكار أنَّ برنامج الخصخصة متأخرٌ عن الجدول الزمني المقترح مبدئياً. لست متيقناً ممَّا إذا كانت هناك استراتيجية متسقة طويلة الأمد تحقِّق التوازن المطلوب بين دورَي القطاعين العام والخاص في الاقتصاد، وحتى تُشكَّل هذه الاستراتيجية، فإنَّ تأجيل برنامج الخصخصة في الواقع ربما يكون في مصلحتهم".
ترغب السعودية في أن ترفع إيراداتها غير النفطية ببيع أصول الدولة، وضمن ذلك أرامكو، وسوق الأسهم، وأندية كرة القدم. وقد أسَّست المركز الوطني للتخصيص في العام الماضي 2017.
في أغسطس/آب من عام 2017، قال إلياس الجاسر، الرئيس المشارك لمجموعة ميتسوبيشي المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إنَّ إيرادات الخصخصة قد تتجاوز 350 مليار دولار في 5 سنين تقريباً. وفي أبريل/نيسان، حدَّدت السلطات هدفاً يتمثَّل في جني إيرادات تصل إلى 40 مليار ريال (11 مليار دولار) بحلول عام 2020.
لم تكن "أرامكو" وحدها قيد الانتظار بل هناك مطار الملك خالد الدولي وحقل طاقة رأس الخير أيضاً
من ضمن المعاملات المقترحة -التي لم تتم بعد- خطط بيع حصة من أسهم مطار الملك خالد الدولي موضوعة قيد الانتظار، وذلك حسبما أفاد شخصان مطَّلعان على العملية. ولم ترد الهيئة السعودية العامة للطيران المدني يوم الأربعاء 19 سبتمبر/أيلول 2018، على رسالة بريد إلكتروني لطلب تعليقها.
لم يتم بعدُ بيع حقل طاقة رأس الخير، البالغة قيمته 7.2 مليار دولار. يُذكَر أنَّ السعودية استعانت بمجموعة بي إن بي باريبا المصرفية لإسداء المشورة بشأن الصفقة في سبتمبر/أيلول 2017.
ليس من المحتمل أن تضر هذه التأجيلات بالاقتصاد على المدى القريب، لكنَّها تثير تساؤلات حول التزام الحكومة بالإصلاحات، وعمَّا إذا كانت الأهداف واقعية.
بالإضافة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، كان بيع ممتلكات الدولة يُعدُّ خطوةً مفصليةً لتقليل هيمنة الدولة على الاقتصاد الذي اعتمد طويلاً على الإنفاق الحكومي لخلق الوظائف وتحقيق النمو.
قال تركي الحقيل، الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للتخصيص، إنَّ المركز "أتمَّ عدداً كبيراً من المراحل البارزة" في الشهور الـ14 الأخيرة، وإنَّ إدماج البرنامج في "رؤية السعودية 2030″، ودعمه السياسي والمؤسسي والتنظيمي قد أظهرا التزام الحكومة بتنفيذ الخطط. وإجابةً عن الأسئلة المطروحة عليه يوم 12 سبتمبر/أيلول 2018، قال إنَّ ثمة 10 مشروعات على الأقل قيد التنفيذ.
إحدى المبادرات التي تحقق تقدماً هي عرض المؤسسة العامة للحبوب 4 مطاحن دقيق للبيع، وقد أعلنت يوم 5 سبتمبر/أيلول 2018، أنَّ 30 نوفمبر/تشرين الثاني هو الموعد النهائي لتقديم طلبات التأهيل. لكنَّ ذلك يأتي بعد 3 سنوات من إعلان الفكرة، وفي وقت متأخر جداً عن موعد الانتهاء المبدئي، الذي كان من المقرر أن يكون بنهاية عام 2016.
لذلك فالوضع يقول إن عملية الخصخصة باتت معقدة في السعودية
قالت شركة Moody's Investors Service، في تقرير نشرته في وقتٍ سابق من العام الجاري (2018)، إنَّ تأجيل الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو يعكس تعقيدات تواجهها الحكومة في طريقها لتحقيق انفتاح القطاع العام، وهو ما يشير إلى أنَّ تقدُّم استراتيجية الخصخصة سيكون تدريجياً.
وقال ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد، إنَّ التقدم قد أبطأه الحجم الكبير للبرنامج، إضافةً إلى وجود ثغرات في الإطار القانوني، وأنَّ بعض الأهداف تنقصها الهياكل المؤسسية أو الميزانيات المنفصلة أو نماذج الإيرادات الواضحة.
وأضاف هيرتوغ: "عملية الخصخصة تزداد تعقيداً أيضاً؛ لأنَّ حقوق الموظفين السعوديين الحاليين ستحتاج إلى أن تُحمَى، وأنَّ هناك مفاضلات بين معايير الفاعلية والربح والمعايير الاجتماعية. يُعَد التوظيف الحكومي دعامة أساسية في العقد الاجتماعي السعودي، وسيكون أمراً صعباً على المستوى السياسي أن تبدأ الكيانات المخصصة فجأةً في التخلِّي عن العمال".
وقال بيغات، من مركز لايت هاوس، إنَّ بطء عملية الخصخصة ربما يرجع إلى مجموعة من الأسباب، تتمثل في القيود الدستورية والقلق إزاء المعارضة الشعبية لبيع أصول الدولة وإعادة تقييم الأرباح المحتملة من العملية.
وأضاف بيغات: "معظم الافتراضات بشأن وتيرة عملية الإصلاح برمَّتها، ونطاقها كانت أكثر تفاؤلاً ممَّا ينبغي أن تكون عليه التوقعات الأولية. لقد حدث التغيير في السعودية تاريخياً بوتيرة فاترة، وصحيحٌ أنَّ السنوات الأخيرة شهدت تحوُّلاً وتقدُّماً مدهشين لا شك، لكن لا بد من إعادة تقييم التوقعات للوقوف على أساس أوقع".