المواطنون في إدلب لا يثقون بروسيا واتفاقيتها.. لكن في الوقت الحالي هي أفضل من النزوح أو القصف

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/19 الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/19 الساعة 16:24 بتوقيت غرينتش

تسعى جماعات المعارضة في إدلب الذين راودهم الارتياح نتيجة هدنة اتُّفِق عليها في اللحظات الأخيرة، لتحليل تفاصيل هذا الاتفاق الذي يستثني أغلب مناطق المحافظة،ذ الواقعة في شمالي سوريا من هجومٍ بقيادة روسيا مدة لا تقل عن شهر، ويقيم كذلك منطقة منزوعة السلاح بهدف حماية 3 ملايين مدني.    

وأسهمت هذه المبادرة المفاجئة، بوساطةٍ من روسيا وتركيا يوم الإثنين 17 سبتمبر/أيلول 2018، وفق تقرير نشرته  صحيفة The Guardian البريطانية، في تهدئة المخاوف من وقوع كارثة إنسانية فورية على نطاقٍ واسع، وتُمهِّد الطريق أيضاً لأن تظل مساحةٌ شاسعة من شمالي سوريا خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية لأجلٍ غير مسمى.    

ويُعزِّز الاتفاق دور جماعات المعارضة المدعومة من تركيا، التي تتمركز في المحافظة الشمالية، ويُحتمل أن تدفع بالجماعات المُتشدِّدة لانسحاب تكتيكي إلى جنوب إدلب، حيث سيبقون -للوقت الحالي- بعيداً عن مرمى النيران الروسية والسورية.

اتفاق روسيا وتركيا بخصوص إدلب يعتبر متنفَساً للمعارضة السورية التي كانت تخشى القصف الروسي

تعد هذه الخطوة بمثابة مُتَنَفَّس مُرحَّب به لجماعات المعارضة السورية، التي كان يعتريها الخوف من هجومٍ هائل تهدف الحكومة المركزية من ورائه إلى استعادة آخر المحافظات الواقعة تحت سيطرة المعارضة؛ ومن ثم يظفر بشار الأسد بالنصر في الحرب الدائرة منذ 7 أعوام.        

ومع تصاعد الزخم حول شنِّ هجومٍ على إدلب، بدأ خوف حليفي الأسد، روسيا وإيران، يتفاقم حول التكلفة السياسية التي ستتكبدانها جراء التسبُّب في كارثةٍ إنسانية لم يسبق أن شهدت الحرب السورية مثلها.    

خلال الأيام الأخيرة، هدأ الخطاب العدائي الذي ظلَّت تُردِّده طهران وموسكو أسابيع، ليحل محله نقاط مشتركة مع أنقرة، الداعم الأساسي لما تبقى من المعارضة المناهضة للأسد، والتي عزَّزت بشكل متزايد من نفوذها في شمال سوريا، ورأت أنَّ مصالحها هناك ستنهار إذا اندلعت الفوضى على طول الحدود.        

محمد العبي، مُتحدِّثٌ باسم شرطة إدلب الحرة، وهي قوة شرطة محلية مدعومة من المعارضة، قال تعليقاً على هذا الأمر: "يرى المدنيون في إدلب أنَّ هذه اتفاقية جيدة، ويشعرون بالأمل والسعادة نحوها. نحن ممتنون لتركيا؛ لما بذلته من جهود لمنع روسيا والأسد من شنِّ هجومٍ على إدلب، إلا أنن لا نثق بروسيا ولا الاتفاق. لكن للوقت الحالي، هي أفضل من النزوح أو القصف".     

وأضاف: "يستهدف الاتفاق في المقام الأول تحقيق أمن تركيا، لكنه يعد كذلك بمثابة وسيلة لحفظ ماء وجه بوتين وبالتبعية الأسد؛ إذ رفضت إيران المشاركة في هذا الهجوم؛ بسبب وضعها العسكري والاقتصادي السيئ، ونظام الأسد ضعيف وليس لديه القدرة على الهجوم دون مساعدةٍ من الميليشيات الإيرانية".       

يأتي ضمن الاتفاق مناقشة مصير الجماعات المعارضة في سوريا

لم يحضر ممثلٌ عن النظام السوري القمة الثنائية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، التي عُقِدَت بمنتجع سوتشي في روسيا، ولم يشارك كذلك في القمة الثلاثية مع إيران التي عُقِدت في طهران منذ أسبوع مضى. ولم تدلِ الحكومة السورية برَدٍّ مباشر على هذا التطور في الأحداث، والذي يُرجَّح أن يُعزِّز من الوجود التركي في الشمال السوري؛ ومن ثم يمنح أردوغان النفوذ الأكبر في إدارة المراحل الأخيرة من الحرب وفترة ما بعد الحرب.   

ويأتي في محور هذه الهدنة انسحاب تحالف مُتشدِّد من منطقة نزع السلاح التي نص الاتفاق على إقامتها، والتي لم تتحدد الأبعاد النهائية لها بعد.

زمن المُقرَّر أن يجتمع مسؤولون استخباراتيون روس وأتراك قريباً لمناقشة التفاصيل حول الجماعات المعارضة التي يُشترَط رحيلها عن المحافظة. ويقترح الاتفاق فتح معبر آمن يوصل للمنطقة الصحراوية شرق حماة لمن يرغب منهم في الرحيل.    

جواد عبد الكريم، البالغ من العمر 40 عاماً، ومتحدث باسم ^هيئة تحرير الشام"، الجماعة الأم للمقاتلين المُتشدِّدين، قال إنه يُتوَقع -إلى الآن- أن ينسحب تنظيمه لمسافة 7 آلاف كم بعيداً عن النقطة الفاصلة المُتفَق عليها، في حين ستتراجع قوات الأسد لمسافة 10 كم بعيداً عن هذه النقطة. وأوضح: "ستصبح المسافة بين المعارضة والنظام أكثر أو أقل قليلاً من 15 كم".    

وزير الخارجية الإيراني، محمد ظريف، من جانبه، رحب بهذا الإنجاز الواضح، معتبراً أنه يُرجِّح كفة الاعتقاد المتزايد بأنَّ الاتفاق، أو أي نسخة بديلة عنه، سيصمد.

غرَّد ظريف على "تويتر"، قائلاً: "إنَّ الدبلوماسية المسؤولة، المكثفة على مدى الأسابيع القليلة الماضية، والتي أُجرِيت خلال زياراتي إلى أنقرة ودمشق، وكذلك خلال القمة الإيرانية-الروسية-التركية اللاحقة في طهران والاجتماع في سوتشي- تنجح في منع اندلاع حرب بإدلب، مع الإبقاء على الالتزام الحازم بمحاربة الإرهاب المُتطرِّف. الدبلوماسية تنجح".

كان لـ"هيئة تحرير الشام"، ومختلف هيئاتها السابقة، وجود بارز في إدلب على مدى السنوات الثلاث الماضية. وكان وجودها في الجنوب بصفة خاصة قوياً، حيث سعت لفرض نظام حكم ثيوقراطي متقشف في الكثير من البلدات والمدن.

كان من الصعب تحديد عدد المقاتلين المدفوعين أيديولوجياً من بين صفوفها. وانضم آلاف الرجال إلى هذا التنظيم؛ بسبب ما تتمتَّع به من قوة، ولكن مع تلاشي هذا الزخم بدأت الجماعة القوية تخسر الحافز في بعض مناطق إدلب.    

    وبسبب مخاوف من اندلاع الحرب، شهدت إدلب مظاهرات حاشدة الأيام الماضية

شهدت المدن الشمالية وقوع مظاهرات حاشدة تشبه بدايات الاحتجاجات السورية، ولم يتصدَّ لها التنظيم. وفي هذا الصدد، علّق أبي: "نكره النظام الوحشي وكذلك هيئة تحرير الشام. سنضغط من أجل تفكيك هيئة تحرير الشام وزوالها، وهو ما سيجعل اتفاقية المنطقة منزوعة السلاح أكثر أماناً. سنواصل التظاهر ضد الجماعات المُتشدِّدة كافة، وسنوحد صفوف المدنيين والجيش السوري الحر ضدهم".       

ورغم أنَّ مناطق من إدلب بدت كأنها تصطف وراء الهدنة، لم يقتنع الجميع بأنها ستصمد؛ إذ تساءل أبو وسام، (32 عاماً): "رغم أننا نتفق مع النقاط المذكورة في الاتفاقية بين أردوغان وبوتين، هل توصلوا لنتائج من قبل؟ لا يزال المدنيون على الأرض يعيشون في خوفٍ وقلق. جميعنا مُتردِّدون وتملؤنا الشكوك. لم يعد هناك ما نقوله. نُحِرَت قلوبنا من كثرة المطالب، لكن لا يسمعنا أحد!".             

شخصٌ آخر من سكان إدلب، يُدعى أحمد حلق ويبلغ من العمر 34 عاماً، علَّقَ قائلاً: "كانت أحلامنا وأهدافنا أكبر من هذا الاتفاق. كان ينبغي أن تكون سوريا بأكملها آمنة من نظام الأسد وميليشياته، وليس فقط المناطق منزوعة السلاح. الكثير من أصدقائي هنا لديهم الاعتقاد ذاته. نحن لا نثق بالنظام، وليست لدينا أية ثقة بوعوده ومبادئه؛ إذ انتهكوا أغلب ما اتُّفِق عليه، إنَّ لم يكن جميعه".           

وهناك محاولات لصياغة اتفاق للفصل بين المعارضة المتطرفة والمعتدلة في إدلب

صحيفة The Times البريطانية ذكرت أنَّ مسؤولين روساً وأتراكاً بدأوا بصياغة تفاصيل اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح بإدلب، والمسارعة في الفصل بين المعارضة المُتطرِّفة والمعتدلة قبل الموعد النهائي الموافق 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018.    

ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قوله إنَّ مسؤولين أمنيين واستخباراتيين ناقشوا أي الجماعات يجب إجلاؤها من المنطقة منزوعة السلاح التي ستُقام على طول خط التماس بين المعارضة والنظام السوري.

ولم يتضح بعد كيف سيتمكَّن الطرفان من التوصُّل إلى حلٍّ لفوضى فصائل المعارضة. ففي حين توافق تركيا على أنَّ بعض جماعات المعارضة ينبغي تصنيفها على أنها جماعة إرهابية، تصادمت مع روسيا سابقاً بشأن آخرين منهم، مثل جماعة أحرار الشام السلفية.

وأوضح أحد قياديي الجماعة في جسر الشغور، وهي من المدن التي يُحتَمَل أن تقع في نطاق منطقة نزع السلاح، إنه لم يتلقَّ أية أوامر من تركيا للانسحاب أو تسليم الأسلحة.       

وقال علي العثمان، القيادي في تنظيم أحرار الشام: "نحن مستعدون للسيناريو الأسوأ، في حال لم تتمكن تركيا من إيجاد حل".    

وإذا حُدِّدَت المنطقة منزوعة السلاح بالكامل في منطقة المعارضة، فستبتلع ثلث مناطق سيطرة  المعارضة، وستشمل مدن جسر الشغور ومعرة النعمان وسراقب المهمة، إضافة إلى أحد امتدادات الطريق السريع "إم 5″، وهو شريان النقل الرئيسي في سوريا الذي يمتد من حلب إلى دمشق.     

وسيُسمَح لمقاتلي المعارضة هناك، التابعين لـ"جيش التحرير الوطني"، وهو ائتلافٌ وسطي أسَّسَته تركيا في شهر مايو/أيار 2018، بالبقاء في المنطقة منزوعة السلاح، إلى جانب المدنيين. وجاء ردُّ فعل هؤلاء المعارضين المدعومين من تركيا إيجابياً على اتفاق الهدنة، ويرونه على أنها نجاحٌ لأردوغان.

وتعتبر مدينة جسر الشغور أيضاً معقلاً لفصائل المعارضة المُتشدِّدة التي سيتم إخلاؤها بموجب خطة سوتشي. ومن غير المُرجَّح أن يرحلوا عن المنطقة دون قتالٍ، سيَعلق فيه آلاف المدنيين.

علامات:
تحميل المزيد