يرتبط مصير الاتفاق الروسي التركي لتلافي هجوم الحكومة السورية على محافظة إدلب برد فعل المعارضة المسلحة في المنطقة، وقد ينهار سريعاً إذا لم تستطع جهود موسكو وأنقرة المشتركة أن تفرض الخطة على الجماعات الإسلامية، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.
وأبرمت تركيا، التي تحرص بشدة على تفادي صراع شامل وأزمة إنسانية على حدودها الجنوبية، الاتفاق المفاجئ مع روسيا، الإثنين 17 سبتمبر/أيلول 2018، لإقامة منطقة منزوعة السلاح حول إدلب بهدف تلافي هجوم وشيك.
ودعت أنقرة، منذ شهور، لحملة محددة تستهدف الجهاديين الذين يسيطرون على مناطق من إدلب، بدلاً من هجوم واسع النطاق على منطقة يسكنها أيضاً نحو 3 ملايين مدني وعشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا.
التحدي يكمن في تحويل المقترح لأمر واقع
ويمنح الاتفاق، الذي أُعلن في سوتشي بعد محادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أحد داعمي حكومة دمشق، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تركيا فرصة تحويل هذا المقترح إلى أمر واقع.
لكن الوقت ضيق، إذ يريد الزعيمان إقامة المنطقة منزوعة السلاح بحلول منتصف أكتوبر/تشرين الأول لكن من غير الواضح كيف سيطبقان خطتهما لنزع سلاح المقاتلين وإخراجهم من المنطقة.
وقال بوتين عند إعلانه عن الاتفاق، إن المنطقة ستمتد على طول الخطوط الأمامية التي تفصل إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة عن قوات الحكومة السورية. وقال: "إن المتشددين سينسحبون وسيتم سحب الأسلحة الثقيلة منهم ومن غيرهم من الجماعات المعارضة".
ولم يحدد الرئيس الروسي كيف سيجري إقناع الجماعات المسلحة بالتعاون أو أين قد يتم إرسالها.
ولتركيا 12 موقعاً عسكرياً في منطقة إدلب وأعلنت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنها ستعزل "الجماعات الإرهابية" عن "مقاتلي المعارضة المعتدلين" هناك. لكن بعد مرور نحو عام لم يتحقق تقدم يذكر في هذا الصدد، ويقول محللون إنه لم يتضح كيف سيغير اتفاق (الإثنين) الصورة.
اتفاق إدلب، حل جذري أم تأجيل للمعركة؟
وقال متين جورجان، وهو محلل أمني وضابط تركي متقاعد "هذا احتمال ضئيل للغاية"، مضيفاً أن الجهاديين لن يقتنعوا إلا من خلال استعراض القوة وليس الحوار.
وأقوى مجموعة معارضة في إدلب هي تحالف تحرير الشام الذي يضم جماعات إسلامية مؤلفة من مقاتلين سوريين وأجانب، وتهيمن عليه جبهة النصرة التي كانت تابعة للقاعدة.
وحدد بوتين جبهة النصرة باعتبارها واحدة من الجماعات التي ستستهدفها الإجراءات، لكنه وأردوغان لم يحددا ما هي الجماعات الإسلامية الأخرى التي ستطبق عليها الإجراءات.
وقالت تركيا، الثلاثاء، إنها ستبحث المسألة مع روسيا في إشارة إلى عدم التوصل لاتفاق.
وقال دبلوماسي يتابع الشأن السوري، إن اتفاق سوتشي لن يسهم سوى في استقرار الوضع في إدلب لبضعة شهور. وقال: "الأمر لا يعدو كونه تأجيلاً للمسألة التي لا يوجد لها حل واضح".
"لا مكان يلجأون إليه"
بالنسبة للمسلحين الأجانب، فإن إدلب هي آخر ملاذ في سوريا، بعد أن تمكن الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة حليفتيه روسيا وإيران، من قلب دفة الحرب لصالحه، وطرد معارضيه من الجيوب المتبقية في المناطق الجنوبية والغربية من البلاد.
وقال سنان أولجن، وهو دبلوماسي تركي سابق ومحلل لدى مركز كارنيغي في أوروبا: "المشكلة الأساسية هي المقاتلون الأجانب؛ لأنه لم يعد لديهم مكان يلجأون إليه".
وذكر أولجن أن تركيا تعلق آمالها فيما يبدو على الانقسامات المحتملة بين الجهاديين، وتتوقع أن المقاتلين السوريين سيكونون أكثر ميلاً لتسليم سلاحهم من الأجانب.
وقال: "المبدأ الأساسي هو فرِّق تسُد… محاولة التفرقة على مستوى جذري… قد يكونون جميعهم جهاديين لكن ربما تكون ميولهم مختلفة فيما يتعلق بنزع السلاح".
وقال مصدر بالمعارضة في إدلب، إن هناك وجهات نظر مختلفة داخل تحالف تحرير الشام بشأن إمكانية التعاون.
مفتاح الحل بيد "تحرير الشام"
ويقول المصدر، إن موقف تحرير الشام مهم؛ لأن التحالف يملك ما يكفي من النفوذ لفرض إرادته على مقاتلين جهاديين آخرين في إدلب، بمن فيهم الأجانب إذا توصل مجلسه للشورى لقرار بشأن المسألة.
وقال المصدر: "إذا أبرم اتفاق بين تحرير الشام وتركيا فستمضي المسألة بسهولة".
وصنفت تركيا تحالف تحرير الشام منظمة إرهابية الشهر الماضي، لكن المصدر قال إن ثمة مؤشرات على أن تركيا وتحرير الشام قد يتعاونان على الأرض، مشيراً إلى السهولة التي تمر بها القوافل التركية عبر إدلب.
وقال مبعوث الأمم المتحدة في سوريا إنه يعتقد أن هناك نحو 10 آلاف من مقاتلي النصرة في إدلب. وهناك جماعات إسلامية وفصائل تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر. وبدعم من تركيا انضوت هذه المجموعات تحت لواء "الجبهة الوطنية للتحرير".
وذكر جورجان أن اتفاق سوتشي ضمن لتركيا متنفساً حتى 15 أكتوبر/تشرين الأول، وهو موعد تنفيذ الاتفاق، لكن روسيا لن تحجم إلى الأبد عن التعامل مع منطقة سبق أن وصفتها بأنها "وكر للإرهابيين".
وقال: "اشترت أنقرة شهراً من الوقت وروسيا منحتها هذه المهلة. لكن موسكو تقوم بذلك للمرة الأخيرة. كيف ستستغل أنقرة هذا الشهر؟".