صحيفة أميركية تتساءل: لماذا ندفع معونات لمصر من أموال دافعي الضرائب، فالقاهرة لن تولِّي وجهها نحو موسكو، وعلاقتها بتل أبيب أصبحت ممتازة

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/18 الساعة 17:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/18 الساعة 18:03 بتوقيت غرينتش

إن الشراكة الأميركية الدفاعية مع مصر لم تعد تستحق كل هذه التكاليف التي يمولها دافعو الضرائب الأميركيين، رغم أنها من التحالفات الأميركية القليلة المستمرة منذ أمد طويل.

هكذا وصف دانيال ديبتريس الزميل بمؤسسة أولويات الدفاع الأميركية المعونة العسكرية الأميركية لمصر في تقرير نشرته صحيفة The Hill الأميركية.

تجدر الإشارة إلى أنه عندما خفضت الولايات المتحدة في وقت سابق المعونة العسكرية والاقتصادية لمصر، حذرت الخارجية المصرية بأنّ القرار يُعدّ "خلطاً للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأميركية".

لم يحصل أحد على ما نالته مصر إلا هذه الدولة

ومنذ ابتعدت مصر عن الرعاية السوفييتية في السبعينيات ووقَّعت معاهدة للسلام مع إسرائيل، باتت القاهرة في المعسكر الأميركي تماماً، حسب وصف المحلل الأميركي.

ويلتحق الضباط المصريون بالأكاديميات العسكرية الأميركية للحصول على التدريب والتعليم؛ وتحصل الولايات المتحدة على عبورٍ تفضيلي في قناة السويس، وعيَّنت الولايات المتحدة مصر حليفاً أساسياً لها من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي مكانة مميزة تُوفِّر للحكومة المصرية إمكانية أكبر للحصول على أفضل التقنيات العسكرية ومنصات الأسلحة التي يجب يمكن للولايات المتحدة تقديمها.

منحت الولايات المتحدة مصر نحو 47 مليار دولار من المساعدات الأمنية منذ معاهدة سلام كامب ديفيد التي وُقِّعَت في عام 1979، وفقاً لدائرة الأبحاث في الكونغرس.

ولم تحصل أي دولة أخرى في العالم، باستثناء إسرائيل، على هذا القدر الكبير من السخاء من الشعب الأميركي.

لكن لماذا لم تعد هذه الشراكة مُجدية كما كانت في السابق؟

هذه الشراكة التي كانت سابقاً مُتجذِّرة في مبادئ أساسية -تحافظ القاهرة على السلام مع إسرائيل وتُوفِّر لواشنطن شريكاً استراتيجياً في المنطقة، في حين تُقدِّم الولايات المتحدة للمصريين 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية في المقابل- باتت الآن زواجاً مُعقَّداً على نحوٍ متزايد، وفقاً للمحلل الأميركي.

مصر وإسرائيل أكثر حرصاً على معاهد السلام بينهما من اميركا
مصر وإسرائيل أكثر حرصاً على معاهد السلام بينهما من اميركا

فحتى بالنسبة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، أصبح الجانبان أشد التزاماً بها من واشنطن، حسب وصف العميد المصري المتقاعد بالجيش المصري صفوت الزيات.

وبدلاً من مواصلة العلاقة كما لو أنَّ شيئاً لم يتغيَّر على مدار السنوات الأربعين الماضية، على الولايات المتحدة أن تكون أذكى في ما يتعلَّق باستراتيجية أمنها القومي وأن تكون أكثر اقتصاداً في التعامل مع أموال دافعي الضرائب الأميركيين، حسبما يقول دانيال ديبتريس.

الكاتب يزعم أن مخاطر الإرهاب تبريرات مبتذلة

وأصبح التبرير الذي تُقدِّمه مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية للإبقاء على حزمة المساعدات الحالية لمصر كليشيهاً مبتذلاً، حسب تعبير المحلل الأميركي.

إذ يُقال للشعب الأميركي إنَّ دولارات ضرائبهم تُوفِّر للولايات المتحدة نفوذاً قيِّماً لدى شريك ضروري في منطقة مضطربة، بدءاً من علاقة راسخة في مكافحة الإرهاب ضد المتطرفين الإسلاميين، وحتى حقوق استخدام الأجواء المصرية لاختصار قدر الوقت الذي يحتاجه سلاح الجو الأميركي للتنقل.

لكن بترك السياسة جانباً وتقييم عوائد الاستثمار، هل تستحق هذه الفوائد التكلفة البالغة عشرات المليارات من الدولارات على مدى عقود؟ الأدلة تشير بقوة إلى أنَّ الجواب هو لا.

إذ يُنظَر غالباً داخل واشنطن إلى المؤسسة الدفاعية المصرية كشريكٍ فعَّال للولايات المتحدة ضد المجموعات الإرهابية في المنطقة. وأشارت إدارة ترمب إلى التعاون المصري الأكبر بخصوص مشكلة الإرهاب باعتباره عاملاً رئيسياً للإفراج عن ما مجموعه 390 مليون دولار من المساعدات الأمنية في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2018، وهي المساعدات التي جُمِّدت في وقتٍ سابق على خلفية مخاوف بشأن حقوق الإنسان.

فلولا المساعدات الأميركية لكان هذا وضع القوات المصرية

لكن ما يرفض المسؤولون الأميركيون عادةً الاعتراف به هو أنَّ الشراكة مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب حيوية للأمن المصري بنفس القدر، بل وربما أكثر.

في الواقع، تعتمد القاهرة على العتاد العسكري الأميركي، بدءاً من الطائرات المقاتلة وحتى الدبابات والمدفعية، في عمليتها المستمرة لمحاربة تمرُّدٍ إسلامي في شبه جزيرة سيناء مستمر منذ سنوات.

ولولا هذه المساعدة، لسقط من قوات الأمن المصرية ضحايا أكبر مما تعانيه الآن.

ولكن ماذا تستفيد الولايات المتحدة من هذا الدعم؟

ومع ذلك تتعامل إدارة ترمب مع مصر كما لو أنَّ الأمن القومي الأميركي سيكون في خطرٍ داهم دون تعاون القاهرة.

هذا التفسير بالطبع يلائم الحكومة المصرية السعيدة للغاية بالحصول على مقاتلات F-16 دونما أن تدفع قرشاً من مواردها المالية في حين تتجاهل النصائح العسكرية الأميركية في كثيرٍ من الأحيان.

ولكن هذا لتمرُّد في سيناء لا قدرة لديه لمهاجمة الولايات المتحدة بأي شكل، حسب المحلل الأميركي.

وتظل هناك المخاوف الأميركية من أن تولي القاهرة وجهها شطر موسكو

ويستغل داعمو استمرار المساعدات الأميركية لمصر حجَّة أخرى، وفي حين أنَّ هذه الحجة تبدو للوهلة الأولى مقنعة، لكنَّها مُضللة، حسب وصف الكاتب.

ويلعب هذا المنطق على وتر خوف مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية من كل ما يخص روسيا.

ويرى هذا المنطق أنَّ واشنطن في حال خفَّضت علاقاتها مع مصر أو أصلحتها بأي شكل، فلن يكون أمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خيار إلا الرد بالتواصل مع الكرملين وإحلال روسيا محل الولايات المتحدة باعتبارها الحليف الأجنبي الذي يُمثِّل الملاذ الأول لمصر.

ولم يُسهِم توقيع اتفاق مبدئي في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 يسمح للطائرات الروسية باستخدام مطارات مصرية إلا في ترسيخ هذه المخاوف بشأن انسياق القاهرة إلى الفلك الروسي.

ولكن روسيا لن تكون بديلاً لواشنطن.. ولهذه الأسباب القاهرة لن تخضع لها

غير أن هذه الحجَّة أيضاً تستند إلى نيَّاتٍ باطنية أكثر من استنادها إلى الأدلة. فمصر لا يُرجَّح أن تصبح دولة تابعة لروسيا في الشرق الأوسط مثلما اعتادت أن تكون للولايات المتحدة، حسب وصف الكاتب.

مصر لن تخضع لروسيا حتى لو ازداد التقارب بين البلدين
مصر لن تخضع لروسيا حتى لو ازداد التقارب بين البلدين

فربما تكون مصر راغبة في الحصول على أموال مجانية من القوى الأجنبية دون ارتباطها بشروط، غير أنها تتصرف باستقلالية صارمة بعيداً عن الامتيازات التي تحصل عليها، ولديها مجموعة مصالحها القومية الخاصة التي تُوجِّه تحرُّكاتها. فما تراه موسكو مهماً، قد ترفضه القاهرة باعتباره هامشياً.

وهذه الأساليب التي يتبعها الروس تجعل صفقاتهم أسوأ من الأميركيين

إضافةً إلى استبعاد أن يكون الروسي كريمين بنفس القدر الذي كان عليه الأميركيون على مدار الأربعين سنةً الماضية.

فبخلاف واشنطن، التي أبقت على علاقة مساعدات غير متوازنة تصبّ في مصلحة القاهرة على حساب دافعي الضرائب الأميركيين، يُعَد الكرملين أكثر تركيزاً بكثير على المصالح في صفقاته.

والقلق من أنَّ مصر ستهجر الولايات المتحدة تماماً لصالح روسيا هو أمرٌ مضلل وخادع. بل وأسوأ من ذلك، فمثل هذا الاعتقاد لن يُوفِّر إلا قوة دافعة لأولئك الذين يعتقدون أنَّ على علاقات المساعدات الأميركية المصرية يجب أن تستمر كما هي، الأمر الذي يُكرِّس هذا الوضع الراهن غير المقبول الذي يستمر فيه سلب أموال الشعب الأميركي مقابل القليل من النتائج الملموسة.

وإذا التزم ترمب بهذه العهود فإنه سينهي الصفقة السيئة مع مصر

أقام الرئيس ترمب معظم برنامجه المتعلق بالسياسة الخارجية على إعادة التفاوض على الاتفاقات لصالح الولايات المتحدة. وتمكَّن على الأرجح من الفوز بالرئاسة بسبب رسالته المتعلقة بالدفاع عن الشعب الأميركي وإنهاء الاتفاقات التي لا تعزز الأمن والرخاء الأميركيين.

وإن كان الرئيس ترمب يرغب في الوفاء بأحد أكبر وعوده الانتخابية، فعليه إعادة تقييم المساعدات العسكرية لمصر وتخفيضها لمستوى يتلاءم مع المنافع التي توفرها القاهرة للولايات المتحدة.

إنَّ الطريقة التي تتصرف بها مصر هي ببساطة صفقة سيئة بالنسبة لواشنطن لا يتعين معها أن تواصل فتح محفظة نقودها دون تفكير في عائد الاستثمار. المساعدات الخارجية أمرٌ يجب أن يُكتَسب، لا أن يُعامَل كما لو كان استحقاقاً لا جدال فيه. وقبل أي شيء، سخاء واشنطن يجب أن يخدم مصالح الولايات المتحدة ويفيد الشعب الأميركي، خصوصاً دافعي الضرائب الذين يُموِّلون هذا السخاء.

 

تحميل المزيد