روسيا نشرت أسطول سفن استعداداً للحرب.. لكن لماذا تراجعت ووافقت على إعلان إدلب منطقةً منزوعة السلاح؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/18 الساعة 18:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/18 الساعة 18:10 بتوقيت غرينتش
مدينة إدلب السورية/ رويترز

أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي كوجوغيتوفيتش شويغو يوم أمس الإثنين 17 سبتمبر/أيلول أنَّ نظام الأسد توقف عن مهاجمة آخر معاقل المقاومة السورية، بعدما اتفق الرئيسان الروسي والتركي على إعلان إدلب منطقة منزوعة السلاح لتجنُّب احتمالية نشوب مواجهة عسكرية كارثية.

لكن صحيفة The New York Times الأميركية قالت أن الاتفاق الروسي التركي لم يلغ الهجوم الدموي الذي تنبَّأ المتابعون بأن تشنُّه قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه -الذين يشملون روسيا وإيران- على إدلب بل على الأغلب، قد أجله.

وكانت المخاوف من حدوث ذلك الهجوم على إدلب قد بدأت تتنامى في الأسابيع الأخيرة، في ظل استعادة الأسد -الذي قلَّلت قوَّى غربية وخصوم آخرون من شأنه- السيطرة على معظم أجزاء البلاد، واستعداده لشنِّ هجوم عسكري أخير لهزيمة أعدائه المسلَّحين.

يُذكر أنَّ سوريا وقعت فريسةً لصراع وحشي منذ عام 2011، بعدما تحوَّلت تظاهرت سلمية ضد حُكم الأسد الديكتاتوري إلى حرب أهلية مروِّعة، شهدت هجمات كيماوية وجرائم حرب، أدَّت إلى مقتل مئات الآلاف، وتشريد نصف السكان.

لا أحد يعرف بنود الاتفاق بين روسيا وتركيا، ولم يتضح إن كان نظام الأسد سيلتزم بذلك أم لا؟

الصحيفة الأميركية أشارت إلى أنه، لم يُكشف عن تفاصيل الاتفاق المعقود بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الداعم الأجنبي الأساسي للنظام السوري، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي يدعم المعارضة، ولم يتضح على الفور ما إذا كانت سوريا مستعدةً لتنفيذ خطَّتهما.

لكنَّ موجة من التصريحات من جانب الرئيسين، ووزير الدفاع الروسي، بعد اجتماعٍ عُقد في مدينة سوتشي الروسية المطلة على البحر الأسود، بعثت الآمال في أنَّ الأسد سيتراجع عن شهور من التحضير لما كان المتابعون يعتقدون بأنها ستكون ضربة عسكرية أخيرة ضد قوَّات المعارضة ومؤيديها المدنيين في إدلب، التي تقع على الحدود التركية شمال غرب سوريا.

جديرٌ بالذكر أنَّ هناك 3 ملايين مدني سوري و30 ألف مقاتل معارض على الأقل مُحاصرين في محافظة إدلب، من بينهم جهاديون على صلة بتنظيم القاعدة، وتُعدُّ إدلب آخر منطقة مهمة غير خاضعة لسيطرة الأسد.

لكن الأمم المتحدة رحبت بالاتفاق واعتبرته إنقاذاً لأرواح المواطنين

ورحَّبت الأمم المتحدة، التي كانت قد حذَّرت من أنَّ الهجوم على إدلب سيُزهق عدداً ضخماً من الأرواح، ترحيباً حذراً بالاتفاق الذي عُقد في سوتشي.

يُذكر أنَّ أردوغان يناشد روسيا منذ وقت طويل ألَّا تهجم على المحافظة المكتظة بالسكان، مُحذِّراً من حدوث كارثة إنسانية سينتج عنها طوفانٌ من اللاجئين الذين سيتجهون إلى بلده، الذي يؤوي بالفعل ملايين السوريين الذين فرُّوا من الحرب.

وكانت روسيا، التي أرسلت طائرات حربية وجنوداً لدعم الأسد، قد أيَّدت سابقاً أن تشنَّ حكومة الأسد هجوماً لهزيمة ما تبقى من المعارضين، وإنهاء الصراع المستمر منذ 7 أعوام ونصف.

وليس واضحاً ما النفع الذي سيعود على روسيا من وراء تأسيس المنطقة منزوعة السلاح، التي ستشكِّل حاجزاً يفصل بين مُعارضي الأسد المسلحين وقوات النظام السوري وحلفائه. ومع أنَّ المنطقة قد تقلِّص من تهديد شنِّ هجمات على مواقع الجيش الروسي قرب إدلب، فهي تؤجَّل المواجهة ليس إلا.

لكنَّ بعض الخبراء يقولون إنَّ روسيا وافقت على تأجيل الهجوم على إدلب لأنَّها ربما تنظر بعيداً إلى الوقت الذي تريد فيه أن تقدِّم الأسد إلى العالم بصفته المنتصر في الحرب الذي يجب دعمه في إعادة إعمار البلاد. وستضعُف حُجَّة روسيا لو أرادت فعل ذلك بعد شنِّ الأسد هجوماً دموياً لإخضاع إدلب.

يُذكَر أنَّ لموسكو أسطولاً كبيراً من السفن الحربية شرقي البحر المتوسط، ويُعدُّ هذا أوسع انتشار بحري لها في المنطقة منذ اشتراكها في الصراع السوري في سبتمبر/أيلول من عام 2015.

فضلاً عن تحذير الغرب من هذه الحرب لما لها من تداعيات كارثية على المواطنين في إدلب

وحذَّرت روسيا تحذيرات شديدة ومتكررة في الأسابيع الأخيرة من أنَّ المعارضين في إدلب، الذين تزعم أنهم مدعومون من الغرب، يُحضِّرون لتزييف هجوم بالأسلحة الكيماوية من شأنه أن يلقي باللوم على النظام السوري.

وألمحت التحذيرات إلى أنَّ سوريا نفسها كانت تخطط لاستخدام أسلحة كيماوية، وذلك جزء من هجومها لاستعادة إدلب، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى رد فعل عسكري من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، الذين حذَّروا الأسد تحذيرات متكررة من أنهم لن يقبلوا باستخدامه أسلحة كيماوية، الذي يُعدُّ جريمة حرب.

وبينما ترى سوريا وروسيا وإيران حليفتهما الهجوم فرصةً للقضاء على ما تبقى من المعارضة، يحذِّر قادة الغرب من حدوث كارثة إنسانية في إدلب.

ونقلت شبكة أخبار Interfax الروسية تصريحاً لبوتين، يقول فيه إنه اتفق مع أردوغان يوم أمس على إقامة منطقة منزوعة السلاح، تشكِّل حاجزاً عرضه 12 ميلاً (19 كيلومتراً)، بحلول يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، للفصل بين القوات السورية الموالية للأسد ومعارضيه.

وأضاف بوتين أنَّ كل الأسلحة الثقيلة و"الميليشيات المتطرفة" -بما في ذلك المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة في سوريا، الذي كان يُعرف سابقاً باسم "جبهة النصرة"- يجب أن "تنسحب" من المنطقة منزوعة السلاح قبل يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول.

ولم يتضح ما تنوي سوريا وروسيا فعله حال لم يُنفَّذ ذلك الانسحاب.

وقد فتحت تلك الاحتمالية الباب للتخمينات بأنَّ روسيا وافقت على فكرة المنطقة منزوعة السلاح لكي توجِّه للأمم المتحدة وغيرها تحذيراً من أنَّ المعارضين لا يريدون الوصول إلى تسوية سلمية، ومن ثَمَّ تجب إزالتهم بالقوة، وهو ما كان النظام السوري يرغب فيه منذ البداية.

وحين سأل صحافيون وزير الدفاع الروسي عمَّا إذا كانت سوريا قد وافقت على الاتفاق المعقود بين بوتين وأردوغان، أجاب شويغو بغموض قائلاً: "في الساعات القليلة المقبلة، سننتهي من كل المواقف الموجودة في هذا الملف".

ونقلت وكالة Interfax عنه تصريحاً يقول فيه إنَّ قوات النظام السوري وحلفاءها لن يشنوا هجوماً عسكرياً جديداً على إدلب. لكنَّه لم يوضِّح ما إذا كان يقصد بذلك أنَّ هذا وضعٌ مؤقت، أم أنه تعليق إلى أجل غير مسمى للهجوم المُنتظَر منذ وقت طويل.