بعد ثلاثة أيام من طرد إدارة ترمب منظمة التحرير الفلسطينية من مكاتبها في واشنطن، دافع جاريد كوشنر عن آخر الإجراءات التي اتُّخِذَت ضمن سلسلة من الإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين، وأصرَّ على أنَّ أياً منها لم يقلل فرص التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
هذا الأمر أثار غضب السلطة الفلسطينية التي وصفت التصريحات التي أدلى بها كوشنر، لصحيفة نيويورك تايمز، بأنها تنم عن جهل بواقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول.
وقال كوشنر لصحيفة The New York Times الأميركية، مُتحدِّثاً أمس الخميس 13 سبتمبر/أيلول، في الذكرى الخامسة والعشرين لتوقيع اتفاقيات أوسلو للسلام في حديقة البيت الأبيض التي لا تبعد كثيراً عن مكتبه في الجناح الغربي بالبيت الأبيض، إنَّ الرئيس ترمب في الواقع حسَّن فرص السلام من خلال إزالة "الحقائق الزائفة" المحيطة بعملية صنع السلام في الشرق الأوسط.
وصرَّح في مقابلة: "هناك كثيرٌ للغاية من الحقائق الزائفة -التي يقدسها الناس- والتي أعتقد أنَّها بحاجة إلى التغيير. كل ما نفعله هو أنَّنا نتعامل مع الأشياء كما نراها دون الخوف من فعل الصواب. ونتيجة لذلك، أعتقد أنَّ لديكم في الواقع فرصة أكبر لتحقيق سلام حقيقي".
وقال كوشنر إنَّه لا يرغب في الإفراط في انتقاد اتفاقيات أوسلو، التي شكَّلت الإطار لمفاوضات السلام على مدار العقود الثلاثة الماضية. لكنَّه يُصوِّر جهوده الخاصة التي يبذلها باعتبارها قطيعة مع الماضي، ولم يظهر الكثير من الحنين إلى الصور التاريخية لبيل كلينتون التي يُقرِّب فيها بين ياسر عرفات وإسحاق رابين في سبتمبر/أيلول 1993.
أتت ثقته هذه في لحظة قاتمة في مسعاه القائم منذ 19 شهراً بهدف التوصل إلى اتفاق. وجاء أمر إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في أعقاب سلسلة من خفض التمويل الأميركي للجماعات الفلسطينية، إضافة إلى قرار الاعتراف رسمياً بالقدس عاصمةً لإسرائيل، والتي تسبَّبت جميعها في نفور الفلسطينيين تماماً من الإدارة.
الفلسطينيون يستحقون الخسارة من وجهة نظر كوشنر
قال جاريد إنَّ قرار القدس قد أكَّد مصداقية ترمب من خلال الوفاء بأحد وعوده التي قطعها في حملته الانتخابية. وقال إنَّ القادة الفلسطينيين استحقوا خسارة المساعدة بعد تشويههم للإدارة، وإنَّ معظم الأموال التي أغدقت بها الولايات المتحدة على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وغيرها من القضايا الفلسطينية أسيء التصرف فيها على أية حال.
وقال: "لا أحد يحق له الحصول على المساعدات الأميركية".
وأضاف إنَّه يجب استغلال تلك المساعدات لتعزيز المصالح القومية ومساعدة المحتاجين. وفي حالة الفلسطينيين، جادل بأنَّ التمويل تحول إلى برنامج استحقاق مستمرة منذ عقود دون خطة تجعلهم يعتمدون على أنفسهم.
مع ذلك، أصرَّ كوشنر، صهر الرئيس ومستشاره البارز، على أنَّ الخلاف بين الفلسطينيين وواشنطن لم يكن مستعصياً على الحل، بالرغم من تصريحات كبار المسؤولين الفلسطينيين بأنَّهم لن يتعاملوا مع ترمب أبداً.
وقال: "في كل المفاوضات التي شاركتُ بها، كانت إجابتهم هي 'لا' قبل أن يقول أحدهم 'نعم'".
موقف السلطة الرافق لصفقة القرن لم يفاجئ واشنطن
وقال كوشنر، مستشهداً بخبرته كعاقد للصفقات، إنَّه لم يتفاجأ بموقف رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الذي أرجعه كوشنر جزئياً إلى الوضع السياسي الداخلي لعباس. وأردف كوشنر أنَّه إذا كان عباس قائداً جاداً، فإنَّه سيدرس خطة الإدارة للسلام بعناية بعد طرحها.
وبحسب الصحيفة الأميركية فإن كوشنر وشريكه في شؤون الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، يواصلان تحسين لغة الخطة التي انتهت تقريباً. وقد وسَّعا الفريق القائم على هذا المشروع، جزئياً من أجل التركيز على تقوية المكون الاقتصادي، وهو محور تركيز خاص من جانب كوشنر.
واشنطن فقدت الأمل ببن سلمان
لكن مع رفض الفلسطينيين للخطة باعتبارها "ميتة قبل وصولها"، يتساءل بعض المحللين حول ما إن كانت سترى النور يوماً. يرفض كوشنر وغرينبلات هذا، قائلين إنَّهما مشغولان بالتشاور مع المسؤولين في المنطقة. ولم يُقدِّما جدولاً زمنياً، ولو أنَّه يُستبعَد طرح الخطة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
كان البيت الأبيض يأمل في السابق أن يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي بنى كوشنر علاقةً معه، مناصراً قوياً للخطة. لكن في ظل معاناة الأمير بن سلمان مع جهود الإصلاح في الداخل السعودي، لم تعد الإدارة تعتمد عليه للاضطلاع بهذا الدور بحسب الصحيفة الأميركية.
كل تركيز واشنطن هو معاقبة الفلسطينين لرفضهم الصفقة
وتركز الإدارة في الوقت الراهن على معاقبة الفلسطينيين. ففي يوم الإثنين 10 سبتمبر/أيلول، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنَّها وافقت أواخر العام الماضي على السماح بإبقاء المكتب التمثيلي التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية مفتوحاً فقط في حال ساهمت المنظمة في تعزيز مفاوضات السلام.
وقالت الوزارة في بيان: "لكن المنظمة لم تتخذ خطوات لتعزيز بدء مفاوضات مباشرة وبنَّاءة مع إسرائيل. بل على العكس، أدانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية خطة السلام الأميركية التي لم ترها بعد، ورفضت الانخراط مع الحكومة الأميركية بخصوص جهود السلام وغيرها".
ربطت الإدارة قرارها أيضاً بما قالت إنَّها جهودٌ من جانب الفلسطينيين لدفع محكمة الجنايات الدولية للتحقيق مع إسرائيل بسبب عملياتها العسكرية في الضفة الغربية وغزة، وكذلك لبناء مستوطنات يهودية في الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
فقال جون بولتون، مستشار الأمن القومي لترمب، في خطابٍ ألقاه الإثنين انتقد فيه المحكمة: "في حين ترحب المحكمة بعضوية ما تُسمَّى بدولة فلسطين، فإنَّها تهدد إسرائيل، الدولة الليبرالية الديمقراطية".
مخاطر العقوبات الأميركية على الفلسطينيين
ويحذر بعض المحللين من أنَّ حرمان الوكالة الأممية التي ترعى اللاجئين الفلسطينيين من التمويل لن يسهم إلا في تطرُّف الأجيال المستقبلية من الفلسطينيين، لأنَّها الجهة الأساسية التي تُقدِّم تعليماً علمانياً للأطفال هناك.
ووفقاً لخبراء، قد يؤدي اقتطاع 25 مليون دولار من المساعدات المخصصة لست مستشفيات تخدم الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى أزمة صحية. وأدانت السلطة الفلسطينية الخطوة باعتبارها عملاً من أعمال "الابتزاز السياسي". وقد يرتد ذلك على إسرائيل، لأنَّها قد تضطر للتدخل لسد الفجوة وتقديم مزيد من الخدمات في الضفة الغربية.
قال روبرت مالي، الذي شارك في المباحثات الإسرائيلية الفلسطينية بكامب ديفيد إبَّان إدارة الرئيس كلينتون: "إنَّ الإدارة، بمعاقبتها الفلسطينيين، تُحرِّرهم دون قصد من القيود السابقة التي عملوا في ظلها منذ أوسلو كي يسترضوا الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأضاف: "ليس واضحاً ما ستؤدي إليه إزالة هذه القيود تدريجياً عن الفلسطينيين في المستقبل. لكن الواضح هو أنَّ المستقبل سيكون مختلفاً".