حسناً، أسهم قرار البنك المركزي الذي طالما عارضه أردوغان في تحسين الليرة، لكن هل يتصادمان إذا تباطأ النمو الذي ينشده الرئيس؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/14 الساعة 15:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/14 الساعة 15:22 بتوقيت غرينتش
Turkish President Erdogan makes a speech during a meeting in Ankara

في محاولةٍ لاحتواء أزمة العملة التركية التي هزَّت الأسواق العالمية، رفع البنك المركزي التركي معدلات الفائدة بصورة كبيرة الخميس 13 سبتمبر/أيلول 2018، متحدياً نداءً وجَّهه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل ذلك بساعات فقط، داعياً لتخفيض نفقات الاقتراض.

وحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية، سرعان ما عزَّزت هذه الخطوة، التي رفعت معدل الفائدة الأساسي في تركيا إلى 24% بعد أن كان 17.75%، قيمة الليرة بنسبة 3% مقابل الدولار. وكانت قيمة العملة التركية قد تراجعت مُسجِّلةً رقماً قياسياً، في شهر أغسطس/آب 2018، بفعل قلق المستثمرين من تسارُع التضخُّم في البلاد، إلى جانب مخاوف من أنَّ أردوغان كان يتولَّى دوراً أنشط مما يجب في إدارة الاقتصاد التركي.

هكذا كشف انهيار الليرة عيوباً في النمو الاقتصادي التركي

تفاقَم انهيار الليرة بفعل سلسلةٍ من الخلافات الدبلوماسية والتجارية التي نشبت بين تركيا والولايات المتحدة. وكشفت هذه الفترة المضطربة عن العيوب الموجودة في النمو الاقتصادي التركي المدفوع بالديون.

قال بيتر ديكسون، وهو خبير اقتصادي يعمل لدى بنك Commerzbank الألماني: "تحاول السلطات التركية استعادة زمام المبادرة. لكن نجاحهم في ذلك من عدمه مسألة أخرى".

وقال خبراء اقتصاد إنَّ المصاعب الاقتصادية الأخيرة التي واجهتها تركيا كانت شديدة، لدرجة أنَّ وحدها الإجراءات الجذرية قادرة على تحقيق استقرار قيمة الليرة وعكس المسار التصاعدي الصادم للتضخُّم الذي وصل إلى 18%.

لكنَّ أردوغان، الذي ينظر إليه كثيرون باعتبار أنه يحاول التأثير على البنك المركزي المستقل، لمَّح إلى عدم رغبة من جانبه في السماح رفع البنك المركزي التركي معدلات الفائدة مهما كان متواضعاً، أو بضبط الإنفاق الحكومي الذي نتَج عنه ازدهار في النمو الاقتصادي حظي بشعبيةٍ كبيرة، ونتج عنه كذلك تلك الزيادة  الكبيرة في الأسعار.

فهل اضطر أردوغان إلى التغاضي عن "مقاومة" قرار البنك المركزي؟

قبل ساعاتٍ من إعلان البنك المركزي قراره، قال أردوغان إنَّه يحترم استقلالية البنك، قبل أن ينتقده مجدداً فور الإعلان؛ إذ انتقد الرئيس التركي، متحدثاً أمام اتحاد التجار التركي في أنقرة، معدلات الفائدة، بصفتها "أداةً استغلالية"، مضيفاً: "أرى أن نلغي معدلات الفائدة المرتفعة تلك. الفائدة هي السبب، والتضخُّم هو النتيجة".

وقَّع أردوغان أيضاً مرسوماً، الخميس 13 سبتمبر/أيلول 2018، يفرض حظراً على ممارسة أية أعمال تجارية داخل تركيا باليورو أو الدولار.

جعل هذا قرار رفع البنك المركزي التركي معدلات الفائدة مفاجئاً أكثر. وقال المحللون إنَّ هذه الخطوة قد تساعد أخيراً في استقرار الليرة وكبح التضخُّم، في حين تُعيد للمستثمرين ثقتهم باستقلالية البنك المركزي. لكنَّها كذلك قد تضع البنك المركزي في صدامٍ مع أردوغان إذا ما أدَّت زيادة نفقات الاقتراض إلى تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي السريع الذي كان ينشده أردوغان في سبيل تعزيز معدلات تأييده الشعبي.

وفي بيان إعلان هذه الخطوة، قال البنك المركزي التركي إنَّ هناك "مخاطر إيجابية" للتضخُّم، برغم ما يجلبه من "ظروف طلب محلي أضعف". وأضاف البنك المركزي أنَّه نتيجة لذلك "قرَّر تطبيق قيود محكمة على السياسة النقدية بهدف دعم استقرار الأسعار".

وحظيت تركيا، قرابة 20 عاماً، بنموٍ اقتصادي متواصل ساعد على خفض معدلات الفقر، وتوسع الطبقة المتوسطة، وجعل البلاد -حتى وقتٍ قريب- وجهةً أثيرة للمستثمرين الدوليين.

لكنَّ ذاك النمو كان مبنيّاً بالأساس على ازدهارٍ شهده مجال البناء، عزَّزه الائتمان الرخيص، إلى جانب سيلٍ من الإنفاق الحكومي، ضخَّه أردوغان في الاقتصاد التركي لتحفيز مزيدٍ من النشاط. لكن شيئاً فشيئاً، أصبحت قصة النجاح تلك غير قابلة للاستمرار.

خاصة أنَّ أزمة العملة التركية بدأ ينعكس على الحياة اليومية للمواطنين

على أرض الواقع، كان لتراجُع الليرة التركية آثار على الحياة اليومية في كثير من المناحي، حتى إنَّه أثَّر على توافر الإمدادات الدوائية؛ إذ يُشارف مخزون كبار تجار الأدوية بالجملة النفاد، ووفقاً لما قاله رئيس غرفة الصيادلة في أنقرة فيدال بولوت، قريباً ستنتهي صلاحية العديد من المضادات الحيوية، وكذلك أدوية علاج الأورام، ومعها عقارات علاج أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الأعصاب.

وقال بولوت: "سيتأثر بذلك مئات الآلاف من الأشخاص. فتأخُّر العلاج بضعة أيامٍ فحسب، بالأخص لمرضى السرطان، قد يسبِّب تفشياً للمرض في أجسادهم".

وعكست تقلُّبات الليرة المربكة واقع التحدِّيات الكثيرة التي تواجهها عملات الأسواق الناشئة. ففي حين بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يرفع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة، وفي حين يبحث البنك المركزي الأوروبي سحب الحافز النقدي لديه هو الآخر- بات المستثمرون أقل تقبُّلاً للمخاطر الماثلة في العديد من الدول النامية الأصغر، وبدأوا يسحبون أموالهم منها. فخسر الراند الجنوب إفريقي قرابة خُمس قيمته منذ بداية العام الجاري (2018)، في حين هبطت الروبية الإندونيسية بنحو 10%، ونظيرتها الروبية الهندية بـ13% في الفترة ذاتها.

كما أن رفع البنك المركزي التركي معدلات الفائدة كان له تأثير إيجابي

استعادت الليرة التركية الكثير من خسائرها منذ ذلك الحين. وفي أضعف حالاتها بمنتصف أغسطس/آب 2018، بلغ سعر صرف الليرة 7.2 مقابل الدولار الواحد، لكن في مرحلةٍ ما من يوم الخميس 13 سبتمبر/أيلول 2018، تعزَّزت العملة التركية حتى وصلت إلى 6 ليرات مقابل الدولار.

وفي حين يظل الاقتصاد التركي صغيراً نسبياً على الصعيد العالمي -ناتجه السنوي يماثل تقريباً ناتج دولة مثل هولندا- فإنَّ عدة بنوكٍ أوروبية تملك استثمارات أو فروعاً هناك في تركيا. وهذا يُعرِّض المنطقة الأوروبية لتهديد أي مخاطر تتبدَّى من تركيا، في الوقت نفسه الذي يواجه فيه الاتحاد الأوروبي تحدياته الخاصة، وضمنها الخلاف التجاري مع الولايات المتحدة والمخاوف المتعلقة بتباطؤ النمو الاقتصادي.

تحميل المزيد