أرجأت الخلافات بين تركيا وروسيا هجوماً للنظام السوري من أجل استعادة إدلب، آخر معقل للفصائل الجهادية والمعارضة في سوريا، لكن تأجيل الهجوم على إدلب قد يكون قصيراً إذا تم التوصل لاتفاق حول مصير الفصائل التي تسيطر على المحافظة، بحسب محللين.
وعندما عُقدت قمة طهران الثلاثية في 7 سبتمبر/أيلول 2018، بين الرؤساء الإيراني حسن روحاني، والروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، كان قد بدأ العد العكسي لهجوم واسع النطاق للنظام السوري وحليفته روسيا.
الخلافات بين موسكو وأنقرة ترجئ الهجوم على إدلب
لكن القمة شهدت خلافات بين الرئيس التركي ونظيره الروسي، يبدو أنها دفعت روسيا إلى إرجاء الهجوم على إدلب ، الذي تعارضه أنقرة بشدة؛ تفادياً لقطيعة معها.
وتركيا، الداعمة لفصائل سورية معارضة، ترعى إلى جانب روسيا وإيران، حليفتي النظام السوري، محادثات أستانا التي انطلقت في يناير/كانون الثاني 2017، وأرست مناطق خفض توتر في سوريا، بينها إدلب.
وتسيطر "هيئة تحرير الشام" -جبهة النصرة سابقاً قبل إعلانها فك ارتباطها بتنظيم القاعدة- على نحو 60% من محافظة إدلب، آخر معقل للفصائل المعارضة للرئيس بشار الأسد.
ومنذ فشل قمة طهران، سُجّلت عدة اتصالات بين مسؤولين أتراك وروس، لمحاولة التوصل إلى تسوية تسمح بالقضاء على "هيئة تحرير الشام"، التي تعتبرها أنقرة "إرهابية"، من دون إطلاق هجوم واسع النطاق.
في انتظار البحث عن تسوية لتفادي الهجوم "الواسع"
وقال مسؤول تركي رفيع، لوكالة الأنباء الفرنسية: "أعتقد أن أي هجوم لن يحصل قبل بضعة أسابيع". وتخشى تركيا أن يؤدي هجوم واسع النطاق على إدلب، المحاذية لحدودها والتي تضم نحو 3 ملايين نسمة، إلى موجة نزوح جديدة.
كذلك، تريد تركيا حماية مئات من جنودها المنتشرين في 12 مركز مراقبة لإدلب لضمان الالتزام بـ"خفض التوتر"، كما حماية فصائل معارضة "معتدلة" تدعمها، تنتشر خاصة في جنوب المحافظة.
ويقول عبد الوهاب عاصي، المحلل بمركز جسور المتخصص في الشؤون السورية، إن الخلافات التي شهدتها قمة طهران "تدفع إلى استبعاد حصول هجوم وشيك، أقلّه حتى نهاية العام (2018)".
وبحسب عاصي، فإن المحادثات الروسية-التركية قد تفضي إلى تسوية باستبدال الهجوم على إدلب بـ"عملية عسكرية محدودة أو ضربات محددة الأهداف" ضد "هيئة تحرير الشام"، وتعديل حدود منطقة خفض التوتر، بهدف إبعاد الفصائل المعارضة عن بعض المناطق فيها.
ويعتبر عاصي أن روسيا قد توافق على تسوية تقضي بالسيطرة على المناطق الواقعة على أطراف إدلب والقريبة من الطريق الدولية التي تربط بين دمشق وحلب لتأمين هذه الطريق، وبوضع حد للهجمات بواسطة طائرات مسيّرة انطلاقاً من إدلب ضد قاعدة حميميم الروسية بمحافظة اللاذقية.
وصعّد النظام السوري وسلاح الجو الروسي القصف على إدلب عدة أيام في سبتمبر/أيلول 2018، لكن حدَّة الضربات تراجعت هذا الأسبوع.
ولقاء مرتقب بين أردوغان وبوتين بشأن الهجوم على إدلب
قالت وكالة رويترز، الجمعة 14 سبتمبر/أيلول 2018، إن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سيجتمع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية يوم الإثنين 17 سبتمبر/أيلول 2018.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في وقت سابق، إن أردوغان وبوتين سيجريان محادثات بشأن الأزمة السورية يوم الإثنين، دون أن يخوض في التفاصيل.
ويبدو أن هذا اللقاء يهدف إلى محاولة الطرفين التوصل إلى اتفاق يجنِّب المدينة معركة كارثية، حذرت منها الأمم المتحدة.
وقال جاويش أوغلو إن تركيا تنتهج السياسة الأكثر وضوحاً في سوريا على وجه العموم ومحافظة "إدلب" بشكل خاص، وهي تريد السلام والحل السياسي في سوريا.
وأوضح أن بلاده تبذل جهوداً حثيثة على مستويات مختلفة من أجل وقف الهجوم على إدلب وأنها تناقش هذه المسألة مع جهات أخرى.
وأضاف: "مستعدون للتعاون مع الجميع في مكافحة المنظمات الإرهابية، ولكن ليس من الإنسانية والصواب أن يُقتل المدنيون والنساء والأطفال دون أي تمييز، تحت ستار مكافحة المنظمات الإرهابية؛ لأنه لا يمكننا إحلال الأمن والسلام بهذا الشكل".
وتابع: "يوم الإثنين 17 سبتمبر/أيلول 2018، سيُجري الرئيس أردوغان لقاء آخر مع بوتين، وسنواصل جهودنا في الأمم المتحدة". وشدّد جاويش أوغلو على أن هذه الجهود التركية تتلقى دعماً دولياً ملحوظاً.
في حين تواصل تركيا تعزيزاتها العسكرية على الحدود السورية
تفيد تقارير إعلامية بأن تركيا أرسلت مؤخراً تعزيزات، خاصة مدرعات، إلى الحدود مع سوريا وإلى مراكز المراقبة التي تقيمها في إدلب.
لكن بالنسبة للمحلل العسكري التركي متين غوركان، فإن هذه التعزيزات "دفاعية"، وتهدف إلى حماية مراكز المراقبة التركية من أي تهديدات محتملة.
ويعتبر غوركان أن عدم التوصل لاتفاق مع تركيا قد يدفع روسيا، ومن خلفها النظام السوري، إلى "الاستعاضة عن هجوم واسع النطاق يمكن أن ينتهي خلال بضعة أسابيع، بشن هجمات على مراحل قد تستغرق أشهراً".
ويقول المحلل العسكري التركي إن "روسيا تسعى لإبقاء تركيا في المعادلة"، مضيفاً أن "احتمال حصول مواجهة بين البلدين مستبعد للغاية".
ويعتبر غوركان أن حرص موسكو على مصالح أنقرة يكشف تحفُّظ روسيا على ميليشيات شيعية موالية لإيران، على الرغم من أنها حليفة للنظام.
ويؤكد المحلل أن "روسيا بحاجة إلى تركيا كقوة سُنية لتحقيق توازن مقابل وجود ميليشيات شيعية في شمال سوريا".