في التاسع من سبتمبر/أيلول 2018، نشرت صحيفة The New York Times افتتاحية بعنوان: "نهاية قاتمة تلوح في الأفق" خلال حديثها عما يجري في إدلب السورية، وأثارت الافتتاحية رداً من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بعثه كرسالة إلى الصحيفة الأميركية.
ونشرت الصحيفة رسالة أوغلو، أمس الخميس 13 سبتمبر/أيلول 2018، وقال متوجهاً للصحيفة إن افتتاحيتكم محقة بشأن ما هو على المحك، في الوقت الذي تطلق فيه قوات بشار الأسد هجوماً دموياً على آخر معاقل المعارضة في سوريا.
وأشار أوغلو الذي تقود بلاده جهوداً لمحاولة منع الهجوم على إدلب، أن هنالك كارثة إنسانية تلوح في الأفق. في وقت توقع فيه مسؤول بالأمم المتحدة "أكبر خسارة في الأرواح بالقرن الواحد والعشرين"، ما يترك الآلاف بلا مكانٍ يقصدونه.
ورأى وزير الخارجية التركي، أن افتتاحية The New York Times غفلت عن تطور آخر مزعج (بالنسبة لأنقرة)، وهو ما قال الوزير إنها مشاركة محتملة من قوات كردية مدعومة من أميركا مع الأسد في الهجوم على إدلب.
وتحدث أوغلو عن "تقارير نُشِرَت مؤخراً، تحدثت عن تشكيل وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، وهي جماعة إرهابية تعمل من سوريا وتلقت أسلحة ومساعدات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، تحالفاً مع الأسد وإرسالها قواتٍ كجزءٍ من اتفاق جرى التوصل إليه في يوليو/تموز الماضي لمساعدته على استعادة إدلب من المعارضة".
وأشار الوزير التركي أيضاً إلى أن التحالف بين القوات الكردية ونظام الأسد، تعمق أكثر منذ عَقَدَ قادة بارزون ضمن ما يُسمَّى بقوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، مباحثات رسمية مع النظام لإيجاد مكانٍ لأنفسهم في سوريا الجديدة.
وأكد في رسالته للصحيفة الأميركية، على أن "وحدات حماية الشعب الكردية هي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يقود حملة إرهاب عنيفة داخل تركيا منذ أكثر من ثلاثة عقود. وتصنِّف كلٌ من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الحزب باعتباره تنظيماً إرهابياً".
وختم أوغلو رسالته بالتأكيد على عدم إمكانية الدفاع عن نشاط القوات الكردية على بعد كيلومترات قليلة من الحدود التركية، وقال إن "الوقت حان بالنسبة إلى واشنطن كي تقرر من هو حليفها الحقيقي في المنطقة".
إدلب أمام المجهول
وتواصل قوات النظام حشودها العسكرية في شمال غربي سوريا؛ لشن ما يمكن أن يكون آخر أكبر معركة بين النظام والمعارضة، لا سيما وأن إدلب تُعد آخر أكبر معقل للمناهضين للنظام.
وتعد إدلب محوريةً في نتيجة الحرب الدائرة بسوريا ومصير المنطقة على نطاقٍ أوسع، إذ أشار تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إلى أنه مع قرب انتهاء الحرب الدائرة منذ 7 سنوات، تسعى جميع الأطراف المشاركة فيها من السوريين وغير السوريين إلى تأمين مصالحها، التي تمر العديد منها من خلال إدلب. لكنَّ التعارض في مصالح تلك الأطراف هو سيد الموقف.
وتسعى كل من روسيا وإيران وتركيا إلى تثبيت نفوذها في شمال سوريا. ويدين بشار الأسد لروسيا وإيران بما حققه من نجاحاتٍ حتى الآن، في حين تعلق المعارضة آمالها على تركيا. وهناك أيضاً ما تبقى من قوات المعارضة المنقسمة على نفسها، والجماعات الجهادية، ونظامٌ يستميت لإعلان النصر.
والأهم من ذلك كله، هناك 3 ملايين مدني على الأقل تقطعت بهم السبل في شمال غربي سوريا. يعيش العديد منهم بملاجئ بائسة في قرى وبلدات مزدحمة، في حين فرَّ بعضهم إلى المزارع والحقول؛ خوفاً من القصف الروسي المنتشر في أرجاء أخرى بسوريا.
وتتوقع المنظمات غير الحكومية فرار 700 ألف شخص من منازلهم أو من الملاجئ في حال وقوع الهجوم على إدلب. ومن المتوقع ألا تكون لدى الأغلبية العظمى منهم رغبةٌ أو استعداد للعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري؛ خوفاً من انتقام الحكومة التي فروا منها من الأساس.
وتعتقد الأمم المتحدة أيضاً أنَّ 700 ألف نازح جدد سيتوجهون إلى الحدود التركية أو المناطق شرق إدلب في غضون 48 ساعة. وفي حين تظل إمدادات الغذاء والماء بإدلب مستقرةً حتى الآن، فإنَّ نزوحاً جماعياً بهذا الحجم سيضع مسألة وصول المساعدات إليهم تحت اختبارٍ صعب.
وقالت تركيا إنَّها لن تسمح لأعدادٍ كبيرة من اللاجئين الجدد بعبور حدودها التي باتت محصنةً. ويترك ذلك منطقةً في شمال سوريا تُعرَف باسم منطقة درع الفرات تتحكم فيها تركيا. ومن المرجح أن تكون هذه المنطقة وجهةً للمعارضة، التي تبحث عن ملاذٍ أخير على الأراضي السورية.
وتخطط أنقرة لاستخدام منطقة درع الفرات كورقة ضغط بسوريا في مرحلة ما بعد إدلب، لكنَّها قد تتعرض لضغوطٍ شديدة للسماح باستخدامها كملاذٍ أخير في حالة شن هجوم. وفي غضون ذلك، قالت إنَّها لن تسمح بتحويل محافظة إدلب إلى "بحيرة من الدماء".