صحيح أن الذعر المالي يسيطر على الأسواق النامية حول العالم.. لكن الاضطراب الحالي لا يُقلق أميركا

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/12 الساعة 21:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/13 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
A TV news program shows the U.S. dollar exchange rates at a bar in Buenos Aires' financial district, Argentina August 30, 2018. REUTERS/Marcos Brindicci

تشير مؤشرات سوق المال العالمي ،إلى أنَّ التراجع في عملات الأسواق الناشئة وأسهمها وسنداتها لا يؤثر مباشرة على الاقتصاد الأميركي، حيث يعيش اقتصاد أميركا ، حالة من الانتعاش منذ عقدٍ زمني

لكن صحيفة The New York Times الأميركية، في تقريرها بخصوص الأسواق العالمية ، أكدت على انها مازالت تعاني من أزمات ويسيطر الذعر المالي على بعض الاقتصادات النامية في أنحاء العالم.  

فأسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة، وقيمة الدولار القوية يعيدان التوازن بين المخاطر  ويعملان كمغناطيسٍ مالي، مما يخرجهما من الاستثمارات التي تنطوي على مخاطر أعلى.

نستعرض هنا المشكلات الرئيسية التي يواجهها كل اقتصادٍ من اقتصادات الدول النامية:

1- الأرجنتين

 المستثمرون كانوا قلقين بالفعل بسبب أزماتٍ سابقة

يُعَد الاقتصاد الأرجنتيني أحد أكبر الاقتصادات في قارة أميركا الجنوبية، لكنَّ الأرجنتين أمضت فتراتٍ كثيرة في العقدين الأخيرين خارج الأسواق العالمية في أعقاب الانهيار المالي الذي أصابها في عام 2001.

بيد أنَّ انتخاب ماوريسيو ماكري رئيساً للبلاد في عام 2015، كان نقطة تحول، إذ ركَّز على إعادة البلاد لتكون وجهةً جاذبة للمستثمرين الدوليين بإزالة القيود المفروضة على تدفُّق رأس المال داخل البلاد وخارجها، والتوصُّل إلى تسوياتٍ مع الدائنين الذين كانت لهم أموال مستحقة منذ الانهيار الذي وقع في عام 2001.

ثم تمكَّنت الأرجنتين من دخول سوق السندات مرةً أخرى، في شهر أبريل/نيسان من 2016، حين جمعت 16.5 مليار دولار من مستثمرين دوليين. وحالما فعلت ذلك، لجأت مراراً وتكراراً إلى مستثمرين عالميين، مُغريةً إيَّاهم بعائدات سندات عالية، وتعهَّدت بالسيطرة تدريجياً على مشكلات الإنفاق في البلاد.

لكن بعد ذلك، انتهى شهر العسل بين الأرجنتين والمستثمرين العالميين في العام الجاري على نحوٍ مفاجئ تقريباً كما بدأ، وذلك لعدة أسباب: إذ أصاب الجفافُ إنتاج فول الصويا والذرة، الذي يُعَد أمراً في غاية الأهمية للاقتصاد. وأظهرت الحكومة تقدماً ضعيفاً في كبح العجز. وخفَّض البنك المركزي الأرجنتيني أسعارَ الفائدة حتى مع ارتفاع التضخم بسرعة، وهو ما اعتُبِر علامةً أنَّ البنك لم يكن جاداً بشأن الحفاظ على استقرار البيزو الأرجنتيني.

وبالنظر إلى تاريخ الأرجنتين، الذي يشمل أزماتٍ في أعوام 1980 و1982 و1984 و1987 و1989 و2001، لم يكن المستثمرون مستعدين للانتظار لمعرفة النتائج.

إذ بدأت قيمة البيزو في الانخفاض، في شهر أبريل/نيسان، ووصلت النسبة التي خسرها البيزو من قيمته حالياً أمام الدولار إلى أكثر من 50% في العام الحالي. واستمرَّ الانخفاض حتى بعدما رفع البنك المركزي سعر الفائدة إلى 60%، ووافق صندوق النقد الدولي على منح الأرجنتين قرضاً بقيمة 50 مليار دولار.

2- تركيا

الوضع الاقتصادي غير مستقر

كان الاقتصاد التركي يتمتع بانتعاشةٍ في معظم فترات العقد الماضي؛ إذ بلغ متوسط ​​النمو 6.8% تقريباً منذ عام 2010، متغلباً على متوسط نمو الاقتصاد العالمي، الذي بلغ 3.9% وأسواق ناشئة أخرى، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.

لكنَّ معظم ذلك الانتعاش الاقتصادي كان يعتمد على فُقَّاعةٍ تغذيها الديون، إذ أفرطت  الشركات التركية في استخدام سنداتٍ معظمها ذات قيمة مُقدَّرة بالدولار واليورو.

وأنفقت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كذلك على دعم مشروعاتٍ مُكلِّفة خاصة بالبنية التحتية.

كل تلك الأموال المستحقة بعملاتٍ أخرى تجعل انهيار الليرة التركية مشكلةً كبيرة؛ إذ كانت قيمة العملة تتدهور بثبات على مرِّ سنوات، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم باستمرار.

جديرٌ بالذكر أنَّ أردوغان انتقد أسعار الفائدة المرتفعة مراراً وتكراراً، في ظل ظهور علامات تباطؤ على الاقتصاد. وبدا قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في شهر أغسطس/آب، بمضاعفة التعريفات الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم التركية محفزاً للمستثمرين على الانسحاب السريع من تركيا.

وحالياً في ظل خسارة الليرة التركية نحو 40% من قيمتها أمام الدولار  ثمة صعوبة بالغة تواجه الشركات التي تجني أرباحاً بالليرة، لكنَّها تضطر إلى سداد ديونها بالدولار. ومن المتوقع أن تزداد نسبة إفلاس الشركات التركية، ويعتقد العديد من الاقتصاديين حالياً أنَّ تركيا ستسقط قريباً في حالة ركود.

3- جنوب إفريقيا

الركود وانهيار قيمة العملة خلقا وضعاً تنعدم فيه المكاسب

كان اقتصاد جنوب إفريقيا من أبرز الاقتصادات غير المستقرة في العالم على الدوام؛ إذ وصل عدد سكان البلاد الذين يعيشون في فقرٍ مدقع إلى 25%، وزادت نسبة البطالة عن 27%.

لكنَّها استفادت في السنوات الأخيرة من تدفُّق أموال المستثمرين الأجانب. وذهب الكثير من هذه الأموال إلى الحكومة، التي حاولت الموازنة في عدم المساواة الصارخ في توزيع الدخل بالبلاد، بتوسيع نطاق الإنفاق الاجتماعي، إذ تُعد جنوب إفريقيا واحدةً من أبرز البلاد التي تعاني عدم المساواة.

بيد أنَّ ذلك أسفر عن ازدياد الديون الخارجية للبلاد من 37% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013، إلى نحو 50% في العام الماضي 2017. وكان الكثير من هذه الديون المقترضة يحدث عن طريق الأسواق، مما يجعل من السهل التخلص من هذه الاستثمارات حين يتأزم الوضع، وهو ما فعله المستثمرون بالفعل.

وانخفضت قيمة الراند الجنوب إفريقي بنحو 18% في العام الجاري، وأظهرت بيانات الربع الثاني، التي صدرت في الشهر الجاري سبتمبر/أيلول، أنَّ جنوب إفريقيا واقعةٌ في حالة ركود بالفعل. وهذا يزيد الأمور تعقيداً، لأنَّ علاج انخفاض قيمة الراند المتمثل في اتخاذ البنك المركزي قراراً برفع أسعار الفائدة يمكن أن يزيد الطين بلة.

4- روسيا

السياسات العالمية تعزل الاقتصاد الروسي

تتسم مشكلات روسيا في الأسواق العالمية بطبيعةٍ فريدةٍ من نوعها.

فمنذ يناير/كانون الثاني من العام الماضي 2017، واصلت إدارة ترمب تطبيق أغلب سياسات سابقتها، المتمثلة في فرض عقوباتٍ على الأفراد المرتبطين بعلاقاتٍ مع روسيا، مستشهدةً ببعض القضايا مثل العدوان الروسي على أوكرانيا، والتدخُّل الروسي في الانتخابات الأميركية، ودعم نظام الأسد السوري، وتسميم جاسوس سابق وابنته بسلاحٍ كيميائي في إنكلترا، والتجارة مع كوريا الشمالية.

ومع أخذ المستثمرين العالميين في اعتبارهم عُزلة روسيا المتزايدة عن الاقتصاد العالمي، انخفض الروبل الروسي بنسبة 18% في العام الجاري. (انخفاض التجارة مع روسيا وتقييد مشاركتها في الأسواق العالمية يعني انخفاض الطلب على الروبل الروسي، الذي يحتاج إليه المستثمرون لشراء السلع الروسية).

فضلاً عن أنَّ ضعف العملة يجعل الواردات أكثر تكلفة. وارتفع التضخم الروسي، وإن كان الارتفاع طفيفاً، وترتفع أسعار الفائدة كذلك، وكلاهما قد يُشكِّل عبئاً على النمو.

وتخطط الحكومة الروسية لزيادة الإنفاق الحكومي، سعياً للحفاظ على استمرار تقدُّم الاقتصاد. ومن الناحية النظرية، يُتيح مستوى الدين المنخفض نسبياً في روسيا -إذ يقل الدين الحكومي عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي- مُتنفَّساً كبيراً لإنفاق المزيد على الطرق والرعاية الصحية والرفاهية الاجتماعية، ما دام يمكنها الحصول على المال من مصدرٍ ما.

لكن هنا تكمن الصعوبة، فمع قلق المستثمرين الدوليين تجاه الاستثمار في روسيا، اضطرت إلى الاعتماد جزئياً على تعديل بنود الإنفاق المحلي. وقد يعني السعي لتوفير تلك الأموال اتخاذ بعض القرارات التي لا تحظى بشعبية، مثل رفع سن التقاعد. ويقول البعض إنَّ مجرد اقتراح ذلك قد تسبَّب في انخفاضٍ ملحوظ في شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واندلاع احتجاجاتٍ عامة نادراً ما تحدث في روسيا، وظهور أضعف من المتوقع لحزب روسيا الموحدة الحاكم في الانتخابات المحلية الأخيرة.

لكن وماذا بعد؟

الإحصاءات الجيدة لا تعني شيئاً من دون مصداقية

لا أحد متيقناً ممَّا سيؤول إليه هذا الوضع.

ربما يكون كل ما في الأمر أنَّ البلدان التي تواجه اضطراباتٍ تعاني نقاط ضعف فريدة من نوعها أمام ضغوط السوق.

ومن المحتمل كذلك أن تدخل دولٌ أخرى في بؤرة تركيز المستثمرين القلقين، الحريصين على تجنب الخسائر، لكنَّ التنبؤ الدقيق بالأماكن التي ستمتد إليها هذه الاضطرابات ليس بسيطاً.

لكن لا شكَّ أنَّ هناك بعض الدلائل على ما ينبغي البحث عنه لتحديد الأسواق التي قد تتضرَّر مستقبلاً، فعلى سبيل المثال، يبحث المستثمرون بالفعل عن البلاد التي تدين بأموالٍ طائلة بعملاتٍ أجنبية. ومن شأن البحث عن هذا النوع من نقاط الضعف أن يُدرج تركيا ضمن الأسواق التي قد تُمثِّل مشكلات.

ومع ذلك، فمقدار الديون التي يتعين سدادها بالعملة الصعبة ليس سوى غيضٍ من فيض، لأنَّ مستوى أسعار الفائدة، والاعتماد على المقترضين الأجانب، واحتياجات إعادة التمويل، وحجم العجز الحكومي، واحتياطات العملات الأجنبية التي يمكن استخدامها في التصدي للضغوط السوقية، كل هذه الأمور تؤدي دوراً مهماً.

ولعل الأهم والأصعب في قياسه هو مصداقية البلد في الأسواق المالية. فإذا ضمن المستثمرون أنَّ الدولة ستستمر في دفع مستحقات حاملي سنداتها بعملةٍ ذات قيمة مستقرة، من الممكن أن يتحمَّلوا الوضع حتى إذا وصلت الديون إلى أبشع مستوياتها. أمَّا إذا بدأت هذه الثقة بالتلاشي، فسيحتاط المستثمرون من التعامل مع الدولة

علامات:
تحميل المزيد