يثق به البشير وينتمي للحركة الإسلامية ولا تكرهه المعارضة.. مَن هو رئيس وزراء السودان الجديد؟

قرَّر عمر البشير إقالة حكومة الفريق بكري حسن صالح، المنبثقة عن الحوار الوطني، وتكليف وزير الموارد المائية والسدود، السيد معتز موسى عبدالله، بتشكيل حكومة  جديدة، وتقليص عدد الوزارات من 31 وزارة إلى 21 فقط

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/12 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/12 الساعة 13:42 بتوقيت غرينتش

بعد طول انتظار، قرَّر الرئيس السوداني عمر البشير إقالة حكومة الفريق بكري حسن صالح، المنبثقة عن الحوار الوطني، وتكليف وزير الموارد المائية والسدود، السيد معتز موسى عبدالله، بتشكيل حكومة  جديدة، وتقليص عدد الوزارات من 31 وزارة إلى 21 فقط، وهي الخطوة التي باركها  خبراء اقتصاديون، باعتبارها تخفض من الإنفاق الحكومي على جيوش الدستوريين، وتخلص الجهاز التنفيذي للدولة من الترهل، وهي أمور باركها الشارع السوداني الغارق في أزمات متلاحقة، من أزمة الوقود، ثم الخبز والسيول، وأخيراً تحجيم السيولة النقدية.

بينما يعيش السودان أسوأ حالاته الاقتصادية.. البشير يقرر حل الحكومة وتخفيض عدد الوزارات

تغيير له ما وراءه

لكن هذا التغيير الذي تم للحكومة بشعارات اقتصادية يخفي طيَّه بكل تأكيد تغييراً سياسياً أكبر في توجهات الدولة في المرحلة المقبلة، فالسياسة والاقتصاد قرينان لا يفترقان، وكل منهما يؤثر على الآخر، وللنفاذ إلى هذا التغيير، يجب أن نتحدث عن رئيس الوزراء الجديد الدكتور معتز موسى عبدالله، مَن هو؟ ولماذا اختاره الرئيس البشير بالتحديد ليقود المشهد التنفيذي في السودان في الفترة المقبلة؟

 معتز موسى عبدالله، وُلد في قرية صراصر في منطقة الجزيرة، وسط البلاد، عام 1967م،  وتدرج في المراحل التعليمية حتى دخل إلى جامعة الخرطوم؛ حيث تخرج في كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية عام 1989م، ثم حصل على الماجستير في الدراسات الاستراتيجية، بالإضافة إلى ماجستير آخر في العلوم السياسية،  ودبلوم عالٍ وماجستير آخر في الترجمة من جامعة الخرطوم، وعمل مديراً للمركز القومي للإنتاج الإعلامي، وهي مؤسسة إعلامية تابعة للدولة، ثم اتجه إلى وزارة الخارجية؛ حيث تنقَّل في أقسامها، حتى وصل إلى منصب القنصل في السفارة السودانية في ألمانيا، ثم عمل في وحدة تنفيذ السدود؛ حيث تنقل فيها حتى وصل إلى منصب الإدارة العامة للمشروعات بالوحدة، قبل أن يعينه رئيس الجمهورية وزيراً للموارد المائية والكهرباء في 2013م، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى جاء التكليف الأخير له.

يعرف عن السيد معتز موسى انتماؤه العميق للحركة الإسلامية السودانية منذ أن كان طالباً في جامعة الخرطوم، لدرجة حمله للسلاح والقتال في جنوب البلاد، ويُجيد اللغتين الألمانية والإنكليزية.

لماذا اختاره البشير تحديداً؟

يرجع السر وراء اختيار السيد معتز موسى عبدالله، حسب خبراء، لعدة أمور، أهمها هي ثقة الرئيس المطلقة به، والسمعة الطيبة التي يتمتع بها شعبياً، ووجود صلات قرابة بينه وبين الرئيس، بالإضافة لذكائه وخبراته في التعامل مع الإعلام، وخلفياته الأكاديمية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وهي ما تحتاجه الدولة خلال المرحلة التي تواجه فيها الآن تحدياً اقتصادياً، والمجيء بالوزير معتز رئيساً للوزراء هو خطوة إسعافية، وهذه النقطة جاء على ذكرها خطاب الرئيس البشير، بعد تكليف الوزير معتز رئيساً لمجلس الوزراء.

إن إبراز الوزير معتز موسى لمهارات تفاوضية كبيرة في الملف الذي كان يمسك به، وهو ملف سد النهضة، وتحقيق نقاط لصالح الخرطوم على حساب القاهرة انتهت بالاتفاق الأخير بين البلدين، الذي وضع الهموم الأمنية والمائية والاقتصادية على الطاولة، رفع كثيراً من أسهمه عند الرئيس في الفترة الماضية، التي شهدت توتراً في العلاقات بين الجارين.

أبرز معتز موسى مهارات تفاوضية كبيرة في ملف سد النهضة
أبرز معتز موسى مهارات تفاوضية كبيرة في ملف سد النهضة

إن تعيين الوزير معتز موسى كرئيس للوزراء يؤكد مُضي الدولة في سياسة النظر في مصالح البلاد، قبل أي اعتبار أيديولوجي، وبالتالي فإنه يرسل رسالة قوية للقاهرة بأن المواقف التي كان يظهرها لهم السيد معتز عبدالله، عندما كان وزيراً قد حملها معه، وهي الآن موقف لمجلس الوزراء السوداني، وستصبح سياسة عامة للدولة للتعامل مع الأشقاء والأصدقاء.

ما العقبات التي سيُواجهها رئيس الحكومة الجديد؟

يقول الباحث السوداني عباس محمد صالح، في تصريحات لـ"عربي بوست": "مهما تحلّى رئيس الوزراء الجديد برؤى إصلاحية أو إرادة سياسية لإنجاز انتقال سياسي حقيقي وجذري في البلاد، فإنه سيصطدم بالواقع المعقّد داخل دولاب العمل العام".

ويضيف صالح أن رئيس الوزراء الجديد سيواجه تحديات، أبرزها تراكم للفشل على أكثر من صعيد، وهو ما يجعل من تحديد نقطة الانطلاق أمراً معقداً أمام رئيس الوزراء، خاصة إعادة هيكلة أجهزة الدولة. ثانياً، يعتقد صالح أن تجذّر المحاصصات يجعل من الصعب المس بثوابت العملية السياسية القائمة، أو بمصالح مجموعات كبيرة أخرى حققت مكاسب عبر اتفاقيات ملزمة للدولة، والتراجع عنها بات صعباً كخيار على الأقل. ثالثاً، انخفاض هامش المناورة أمام رئيس الوزراء، حيث سيواجَه بتحديات داخلية معقدة، وأخرى خارجية أكثر تعقيداً تشلّ من قدرته على الفعل.

ويؤكد صالح أن رئيس الوزراء إما يتبنى سياسات منحازة لصالح الغالبية العظمى من الشعب في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، أو ينحاز لصالح طبقة السلطة المحكومة بالمحاصصات.

التحدي الأكبر والأهم الذي سيكون الاختبار الحقيقي أمام رئيس الوزراء الجديد هو وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية ومكافحة الفساد، وكلاهما بات معقداً وعصيّاً على الإصلاح في المدى المنظور. وبالتالي حكومة معتز موسى لن تختلف عن سابقاتها، بل التحدي أمامها سيكون كبيراً وصعباً للغاية، لا سيما إذا كان هدف هذه الحكومة مشروعاً سياسياً كانتخابات 2020، وليس أي أجندة إصلاحية. وبالنظر لخبرة رئيس الوزراء السابقة في التعاطي مع قنوات التمويل والاقتراض، خاصة الصين ودول الخليج، وفي ضوء مستجدات إقليمية وعوامل أخرى سيكون التعاطي مع هذه الدوائر مقياساً حقيقياً للرجل.

كيف ترى المعارضة السودانية تعيين رئيس الوزراء الجديد؟

المعارضة السودانية تتراوح مواقفها من تغيير رئيس الوزراء حسب موقفها الشامل من النظام، فبينما أيَّدت أحزاب المعارضة، الممثلة في الحوار الوطني، هذا التغيير، ورحبت به، بل وطالبت بأن يشمل الجهاز التشريعي ويتم التخلص من الترهل في المجالس الولائية والمجلس الوطني ومجلس الولايات، مثل حزب المؤتمر الشعبي وحزب الأمة الذي يقوده مبارك الفاضل، اختارت أحزاب أخرى الصمت أو التنديد بهذا التغيير باعتباره تدويراً للشخوص وبقاء للسياسات؛ لأن السلطات المطلقة ما زالت في يد رئيس الجمهورية.

يقول القيادي في المعارضة السودانية الأستاذ مجدي عبدالقيوم، عضو المكتب السياسي لحركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق): "المسألة الجوهرية تتصل بالسياسات لا بالأشخاص، فالمطلوب من الحكومة إجراء إصلاحات جذرية فيما يتعلق بالسياسات العامة التي أدخلت البلاد في هذا النفق الذي لا يتبدى في نهايته ضوء حتى الآن، من ناحية أخرى شكلية متصلة بصلاحيات وسلطات رئيس الوزراء، فالأمر يحتاج لإعادة نظر، فمعلوم أن المنصب الذي استحدث عقب حوار القاعة، دار حوله جدل كثيف حينها باعتبار أنه أُفرغ من محتواه حتى صار منصباً بروتوكولياً أقرب منه لمنصب تنفيذي في المقام الأول؛ إذ إن رئيس الوزراء لا يستطيع أن يشكل حكومته إلا بعد استشارة الرئيس، وبالتالي فهو لا يستطيع تعيين أو إعفاء أي من الوزراء وظلت هذه السلطة حكراً وحصراً على الرئيس، وهذا خلل في هيكل التراتبية القيادية، إذن فالمطلوب أولاً إعطاء الموقع وبموجب الدستور صلاحياته وتفويضه تفويضاً كاملاً فيما يتصل بتشكيل الحكومة، لا أعتقد وفي ظل ما ذكرته حول الصلاحيات أن بمقدور رئيس الوزراء الجديد إحداث نقلة نوعية في أداء الجهاز التنفيذي، سيما في ظل تعقيدات الوضع من ناحية الأزمة الاقتصادية الخانقة جراء السياسات الفاشلة التي ظلت السلطة تعيد إنتاجها بإعادة إنتاج الأزمة المطلوب تغييراً جذرياً في سياسات السلطة، وهذا يتطلب إرادة سياسية قوية، وحتى الآن لا يبدو أنها قد امتلكت هذه الإرادة القضية نفسها.

(تعيين رئيس وزراء) يرتبط ارتباطاً وثيقاً بترهل الجهاز الإداري على المستوى الدولة، من حيث النظام الفيدرالي المطبق بطريقته المشوهة والترهل الذي أفرزه على المستويين الاتحادي والولائي، فمن دون إجراء إصلاحات جذرية في هذا الجانب، لن يستطيع أي رئيس للوزراء، أياً كانت قدراته من حيث الكفاءة والخبرات، النجاح في مهمته. بالنسبة لرئيس الوزراء الذي عيّن، على مستوى الشخصية، لا أعتقد أنه مؤهل لموقع كهذا، لحداثة التجربة ولاعتبارات أخرى تتصل بالمنظومة الحاكمة، وسندها، أو مكونها الاجتماعي السياسي، وصراع التيارات والكتل بها".

علامات:
تحميل المزيد