هكذا تلاعبت روسيا بالغرب في ملف إدلب.. ستخرج منتصرةً وترغم الجميع على قبول استمرار الأسد

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/12 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/12 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش
Russian President Vladimir Putin (R) and Syrian President Bashar al-Assad enter a hall during a meeting at the Kremlin in Moscow, Russia, October 20, 2015. To match INSIGHT MIDEAST-CRISIS/SYRIA-ALEPPO-FALL Alexei Druzhinin/RIA Novosti/Kremlin/via REUTERS/File Photo ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD PARTY.

قال الكاتب روجر بويز، مراسل صحيفة The Times في ألمانيا وأوروبا الشرقية أن الحرب السورية لا تبدو لها نهاية بالأفق في ظل تعقُّد الأمر بإدلب، معتبراً إياها آخر المجازر الكبرى حرب السورية.

وقال الكاتب البريطاني، في مقالة له إن الرهان هو أنَّ هذه المعركة سوف تبدأ جدياً بعد جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في وقتٍ لاحق من هذا الشهر حسب ما نشرت صحيفة The Times البريطانية، بعد دفعةٍ أخيرة من الجهود الدبلوماسية التي تذهب سدى.

وسيمثل الحدث عالَماً مُصغراً لجميع الأشياء التي حدثت قبل ذلك: سيكون هناك قصف جوي روسي على المحافظة الواقعة في الشمال، وقصف مدفعي من قوات نظام الأسد، وقصف بالبراميل المتفجرة على الأسواق، بل وربما سوف تُستخدم غازات الأعصاب والغازات السامة.

وستعمل الميليشيات المدعومة من إيران على تمشيط المنطقة حول المحافظة. وسوف يقاتل الأكراد السوريون وهم يشعرون بالضيق بجوار جنود النظام ضد المعارضة المسلحة والجهاديين الممولين من تركيا.

هناك تحركات للقوات ونقل للمعدات في حلب والغوطة تمهيداً لمعركة إدلب خلال أيام

شوهدت أنواع مختلفة لمزيج القوات والتحركات هذا في حلب والغوطة الشرقية وحمص. ونُقل أفراد المعارضة المسلحة الذين استسلموا بهذه المواجهات في أغلب الأحوال إلى محافظة إدلب، وهو ما حدث أيضاً مع المدنيين النازحين من هذه المناطق.

والآن حان الدور على إدلب. يتحصن 3 ملايين شخص بهذه المحافظة، أي ضعف عدد السكان في 2011. ويبلغ عدد المقاتلين بين هؤلاء نحو 30-70 ألف مقاتل. ونعرف بالفعل أنَّ مجزرةً ستحدث.

وعندما قصفت الولايات المتحدة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة الموصل العراقية، ورغم استخدام قنابل ذكية ذات تقنية عالية، تسببت بخسائر في الأرواح بأكثر من 1000 شخص.

أما هذه المرة، فسوف تضطلع بالمهمة قنابل روسية "غبية"، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد ينتفضان من أجل إتمام المهمة. يعيش الناس متكدسين في أماكن صغيرة داخل الأحياء. ويقول الباحث السوري مروان قبلان: "أطلِق رصاصةً واحدة، وعلى الأرجح ستقتل اثنين".

وقد بدأت روسيا طليعة الهجوم على إدلب باستهداف المستشفيات الواقعة على حدود المحافظة

واستهدفت بالفعل طليعة الهجوم المستشفيات الواقعة على حدود المحافظة. ويكمن الهدف وراء ذلك في إقناع المدنيين بالتبرؤ من المقاتلين الموجودين بينهم وإلقاء اللوم عليهم بالتسبب في الجحيم الذي سيشهدونه.

وهناك دليلٌ آخر على استعدادات ما قبل المواجهة: يحاول الروس الدفع بـ"هيئة تحرير الشام"، التي تعود جذورها إلى تنظيم القاعدة ووُضعت على القائمة الأميركية السوداء للإرهاب، لخوض مواجهةٍ ضد مجموعات المعارضة المسلحة الأخرى المعتدلة بإدلب، في حين يُصنَّفون جميعاً في سلة واحدة باعتبارهم إرهابيين.

تتعلق المعركة الوشيكة برغبة جميع القوى الخارجية في المضي قدماً، وإعلان انتهاء الحرب، والقبول على مضضٍ بتمكن الأسد من البقاء على رأس السلطة واستعادة الهدوء في هذه الزاوية بالشرق الأوسط.

يرى كثيرون أنَّ السماح بحدوث هذا سوف يبدو مثل تقديم فوزٍ كبير لبوتين، في حين يُنظر إليه باعتباره خيانةً لهؤلاء الذين أُعدوا ليكونوا شركاء محتملين في حكومة مستقبلية تُتقاسَم فيها السلطة.

 

وتساءل الكاتب: "هل سنفعل أي شيء لمنع حدوث الأعمال الوحشية المحتملة؟ كلا؛ فالغرب انسحب لتخفيف خسائره؛ إذ قلصت الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأوروبية الأخرى الدعم الموجه إلى المعارضة المعتدلة، في سلوكٍ يمكن وصفه بأنَّه نابع من الإرهاق الأخلاقي".

حيث قررت أميركا فعلياً، خلال عهد أوباما، أنَّه ليس لديها مصالح قومية مهمة بسوريا، وأنَّ روسيا يمكنها كذلك الاستمرار في أعمالها القذرة. وما دام بوتين يضمن أنَّ الأسد لا يستخدم الأسلحة الكيماوية، فلن يتدخل ترمب.

لدى الولايات المتحدة شواغل أخرى، من ضمنها الحاميات العسكرية الإيرانية في سوريا وهزيمة فلول داعش بالجنوب، لكنَّ مصلحتها في إدلب لا تختلف كثيراً عن مصلحة بوتين.

ومثلما تعاونت مع روسيا في دحر تنظيم داعش بالرقة واستعادتها من قبضة التنظيم، فإنَّها على استعداد لمشاهدة روسيا وهي تسحق فرعاً من فروع "القاعدة"، مثل "هيئة تحرير الشام".

وبريطانيا، التي ليس لديها أي نفوذ على الأسد أو بوتين أو إيران، تبدو أكثر ضعفاً. وقد تشعر بالرضا إذا قُضي على الجهاديين البريطانيين في إدلب، لكنَّها تبقى مجرد مُشاهد للأحداث.

لكن هناك بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لوقف كارثة استهداف إدلب منها المساومة بورقة إعادة إعمار سوريا

ويمكن أن تكون ورقة المساومة الوحيدة لدى بريطانيا والاتحاد الأوروبي هي حرمان الأسد من تمويل إعادة إعمار سوريا إذا تصرف بالوحشية المتوقعة في إدلب. غير أنَّ ذلك قد يكون عقاباً مضاعفاً للشعب السوري.

ويمكن أن تتحقق استفادة أكبر من تكثيف الجهود لإقناع الأردن ولبنان بعدم طرد العديد من اللاجئين السوريين الذين تؤويهم. فبسبب الضغوط الكبيرة التي تقع على كاهلهما، تتلهف الدولتان لإرسال اللاجئين إلى بلادهم في أقرب وقت مع إعلان سوريا بلداً "آمناً". ولا يمكنني التفكير الآن في وجهة أفضل للمساعدات البريطانية.

وينبغي أن ينصبَّ تركيزنا على تورط تركيا في إدلب وشمال سوريا. تعتبر تركيا عضواً بمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي تتعاون بحذر مع روسيا وإيران.

 

والآن، يحذر الزعيم التركي رجب طيب أردوغان موسكو من أنَّه إذا لم يكن هناك وقفٌ لإطلاق النار بإدلب، فسوف تصير المحافظة "بِركة دماء". ويقول بوتين إنَّه لا يمكن أن يحدث وقفٌ لإطلاق النار.

لعلنا عاجزون عن إنقاذ إدلب، لكنَّنا قادرون على الأقل على دفع أردوغان بعيداً عن الدخول في حربٍ مع روسيا. وينتاب تركيا التوتر من اللاجئين البالغ عددهم 700 ألف لاجئ، والذين قد يفرّون قريباً من إدلب متجهين نحو حدودها.

ويجب أن نقنع تركيا بأن تضمن الأمان لهؤلاء الأشخاص في شمال سوريا. وإذا كانت تركيا على استعداد للتحرك باعتبارها جارة مسؤولة، فيجب إذاً أن نشجعها على ذلك.

وإذا كانت جادةً فيما يتعلق بعضوية "الناتو"، فيجب أن تستمع إلى ما نقوله، وألا تستخدم الفوضى كي تمضي في حربها الجانبية مع الأكراد.

ثمة درس وحيد وواضح نتعلمه من هذه الحرب البائسة، ومن قبولنا القسري والمُذِل لبقاء نظام الأسد: التعاطف ليس بديلاً للواقعية السياسية في الشرق الأوسط. ويملي ذلك علينا نوعاً من الانسجام مع أردوغان، الذي سمح لبلاده رغم النهج المتعرج غير المنتظم الذي يتبعه، بأن تُستخدم كمأوى للإبقاء على 3.5 مليون لاجئ سوري.

ومثلما يقولون في صقلية، "علينا أن نبتلع الضفدع"؛ تعبيراً عن قبول ما لا نرغب في قبوله؛ إذ حُكم علينا بالواقع، نتيجةً لـ7 سنواتٍ عجاف خالية من أي سياسة ناجعة، أن نتبع الآن حِميةً غذائية خالية من كل الأصناف عدا الضفادع.

علامات:
تحميل المزيد