حلفاء مُتعِبون: النظام السوري يدمج الميليشيات الموالية.. إليك تشكيلاتها  الجديدة والقوى المستفيدة من هذا التغيير

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/12 الساعة 15:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/12 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش

بدأ النظام السوري، الذي يشعر بالتجرُّؤ بعد مكاسبه العسكرية، يعيد تأكيد سلطته على الميليشيات، بغية استعادة احتكار الدولة لاستخدام القوة، ولكن هل تنجح هذه المحاولة في إنهاء حالة التعدد الميليشاوي والانحرافات المصاحبة لها، أم تتكون مراكز قوى جديدة بالبلاد.

 واتَّخذت دمشق عدداً من الإجراءات لإدماج المجموعات الموالية للنظام في هيكلٍ مُوحَّد تحت قيادة الجيش السوري، وانحلَّت بعض الميليشيات الموالية، في حين أُجبِرَت أخرى على الانضمام للقوات المساعدة.

تقرير للكاتب السوري حايد حايد، الزميل المساعد بمعهد تشاتام هاوس، نشر بموقع Middle East Eye البريطاني، يحاول تحليل تفاصيل آليات إعادة الإدماج من جانب النظام.

ويشير التقرير إلى أن هذه الآليات لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة، ولذا من المهم تقييم قدرة مثل هذه الجهود لدعم الاستقرار طويل الأجل في سوريا.

التعفيش مهنة ميليشيات النظام الأثيرة

تورَّطت الميليشيات الموالية للنظام في أعمال النهب التي صارت اعتياديةً بعد الانتصارات الحكومية في الحرب السورية المتواصلة منذ 7 سنوات.

إذ يُفرّغ رجال الميليشيات الموالية للحكومة معاقل المعارضة المهزومة من أي شيء لم تدمره الغارات الجوية والمدافع والاشتباكات النارية المدنية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Los Angeles Times الأميركية.

ومن كثرة أعمال النهب اكتسبت كلمة "تعفيش"، التي تعني عادةً "تجهيز البيوت بالأثاث" تعريفاً جديداً مرتبطاً بـ "سرقة الأثاث". فظهرت على مرّ السنين أسواق مثل سوق جرمانا، إحدى ضواحي العاصمة السورية دمشق، قرب المناطق التي مزَّقتها الحرب مثل حلب وغوطة ودرعا.
يقول كثير من السكان والشهود، إن الموالين للحكومة يتعاملون مع النهب على أنه حقٌّ لهم عند الانتصار على قوات المعارضة، وإن الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاءه يسمحون له بالاستمرار دون رقابة، حسب الصحيفة الأميركية.

خريطة الميليشيات.. تشكيلات متعددة وولاء متوزع بين النظام وإيران  

تقع الكثير من المجموعات تحت عنوان الميليشيات الموالية. وذلك يتضمَّن المجموعات المُموَّلة من إيران، مثل قوات الدفاع الوطني، والمجموعات التي أسَّسها رجال الأعمال، مثل جمعية البستان التابعة لرامي مخلوف.

تعدد الولاءات أحدى سمات الميلشيات في سوريا
تعدد الولاءات أحدى سمات الميلشيات في سوريا

وهناك المجموعات المُموَّلة من جانب المنظمات الدينية، مثل قوات الغضب المسيحية، والميليشيات التي أسَّسها حزب البعث، والميليشيات القبلية مثل صقور الفرات، والمجموعات التابعة لوحدات الجيش أو المخابرات.

وبالطبع هناك الميليشيات الأجنبية مثل حزب الله. وهذه التصنيفات ليست تصنيفات متعارضة، لأنَّ المقاتلين يمكن أن ينتموا لأكثر من تصنيفٍ في الوقت نفسه، حسب كاتب التقرير.

نعم لقد أنقذت النظام، ولكن هكذا أصبحت تمثل مراكز سلطة منافسة

على الرغم من الدور الحاسم للميليشيات الموالية في إنقاذ النظام من الانهيار، فإنَّها بدأت تُشكِّل تحدياتٍ كبرى لسلطة واستقرار الدولة.

وحدَّت أعدادها الكبيرة وافتقارها إلى هيكلٍ إداري مُوحَّد من قدرة النظام على السيطرة عليها.

وجعلت قدرتها على العمل بصورةٍ مستقلة من الممكن لهذه الميليشيات أن تنخرط في أنشطة إجرامية لجمع الأموال، مثل التهريب والخطف والابتزاز والنهب.

إضافة إلى أنَّها تمكَّنت من إقامة مراكز سلطة موازية، ما أدَّى إلى صراعات على السلطة وصدامات مُتكرِّرة بين الميليشيات الموالية وقوات النظام.

ولكن النظام يستغل تنافسها لتنفيذ عملية الإدماج.. وهذا ما يحدث لمن يرفض

أعداد قتلى الميلشيات الشيعة في سوريا عام 2016
أعداد قتلى الميلشيات الشيعة في سوريا عام 2016

طُبِّقَت تكتيكات إعادة الإدماج بصورةٍ واعية للغاية، واعتمدت على ديناميات الصراع والتنافسات على الأرض.

غير أنه تظل المعايير المستخدمة لمنح مجموعات مستهدفة بعينها الأولوية على حساب المجموعات الأخرى غير واضحة، حسب كاتب التقرير.

لكن يبدو أنَّ معظم الميليشيات تُحَلّ بسبب رفضها الانتشار في مناطق أخرى، أو التنافس مع مجموعات أو شخصيات أكثر نفوذاً، أو الانخراط في أنشطةٍ إجرامية.

وهذه أبرز المناطق التي انتهى وجود الميليشيات بها

يبدو أنَّ هذه الجهود تتم في المناطق التي جرى تأمينها، ما يجعل وجود المجموعات المُسلَّحة فيها بلا داع.

على سبيل المثال، حُلَّت الكثير من الميليشيات الموالية في الأحياء المُؤمَّنة في برزة وعش الورور وضاحية الأسد شمالي دمشق، خصوصاً تلك التابعة لقوات الدفاع الوطني وكتائب البعث.

وبالمثل، يبدو أنَّ النظام يحلّ نصيب الأسد من ميليشياته في محافظة حماة بعد انخفاض التصعيد في القتال هناك.

وهذا مصير أفرادها بعد الحل

وبمجرد اتخاذ قرار حل ميليشيا ما، يُعامَل أعضاؤها وفقاً لوضعيتهم القانونية. فأولئك المؤهلون للتجنيد (الذكور بين 18 و42 سنة) الذين لم يؤدوا واجبات خدمتهم العسكرية بعد، يكونون مطالبين بالالتحاق بالجيش. وعادةً ما يُمنَحون بضعة أشهر للتسجيل في أفرع التجنيد المحلية التابعين لها.

طلب النظام السوري من الميليشيات الموالية في بعض الحالات إرسال الأعضاء المؤهلين للتجنيد، دون أن يطلب تسريح البقية. وبالمثل، طُلِب من بعض موظفي الحكومة الذين انضموا للميليشيات الموالية العودة إلى أعمالهم العادية أو مواجهة الفصل من العمل.

وفيما يتعلَّق بالأعضاء المدنيين، فهم مُجبَرون إما على العودة إلى حياتهم المدنية، وإما الانضمام لقوات النظام المساعدة.

ولكن تجربة تشكيل وحدات جديدة فشلت إلى أن جاء الإنقاذ الخارجي.. الفيلق الخامس نموذجاً

وكي يدمج النظام عشرات الآلاف من المقاتلين الموالين ضمن القوات المُسلَّحة السورية، أنشأ هياكل عسكرية تعتمد على التطوُّع، مثل الفيلق الرابع اقتحام.

وتقول مصادر محلية إنَّ هذه التجربة لم تكن ناجحة، لأنَّ عدداً قليلاً من الميليشيات انضم -بالتحديد في منطقتي حماة واللاذقية- في حين واصلت البقية العمل بصورةٍ مستقلة.

ولتجاوز هذا الإخفاق، تولَّت روسيا زمام المبادرة في إنشاء الفيلق الخامس اقتحام، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016. ونجح هذا جزئياً في زيادة نفوذ النظام على تلك القوات، التي تتراوح بين 10 و15 ألفاً. وبالمثل، توسَّط النظام في اتفاقٍ مع إيران لإدخال عدد كبير من الميليشيات العاملة تحت مظلة قوات الدفاع الشعبي إلى قوات الطوارئ التابعة للنظام.

وأدمج النظام أيضاً بعض الميليشيات في الأجهزة الأمنية أو الوحدات المُسلَّحة السورية. وعلى سبيل المثال، طُلِب من كافة الميليشيات في منطقتيّ الهامّة وقدسيا بريف دمشق الانضمام إلى الفوج 101 حرس جمهوري.

المشكلة أن آليات الإدماج سطحية لأنها تقوم على نهج خطير

سمحت هذه الآليات للنظام بإدماج عدد كبير من الميليشيات الموالية داخل القوات المساعدة التابعة للدولة.

غير أنَّ هذه الجهود تعتمد على آلياتٍ سطحية قصيرة الأجل لتغيير صورة الميليشيات المستهدفة، حسب التقرير.

إذ أُدمِجَ معظم مقاتلي الميليشيات ضمن القوات المساعدة وقوات الطوارئ، وليس القوات النظامية، دون وجود أي خطط متابعة ملموسة في المستقبل.

وبالمثل، فقد تمت عملية الإدماج على مستوى الوحدة، بدلاً من مستوى الأفراد، الأمر الذي أدى إلى فشل في تحويل ولائها من داعميها إلى الدولة السورية.

وإيران وروسيا تحاولان الاستفادة من الوضع الجديد

محاوف من توزع ولاء الميلشيات بين روسيا وإيران
محاوف من توزع ولاء الميلشيات بين روسيا وإيران

تُقَاد جهود إعادة الإدماج إلى حدٍّ كبير من جانب الدول الأجنبية، أي إيران وروسيا، حسب ما يذكر تقرير الموقع البريطاني .

وهذا الوضع سيستمر في زعزعة استقرار سوريا، عن طريق تحويل قواتها المُسلَّحة إلى مجالٍ آخر للتنافس.

ويرى كاتب التقرير أنه دون إصلاحٍ انتقالي سياسي ومُؤسَّسي، ستستمر جهود ضم الميليشيات الموالية -التي اضطلعت بدورٍ مهم في خلق الصراع السوري- من جانب قوات النظام في تقويض استقرار سوريا بدلاً من تعزيزه.

 

 

علامات:
تحميل المزيد