لماذا قد يؤجَّل الهجوم على إدلب؟ كان هناك حديث عن أسوأ مذبحة وآخرون توقعوا ضربة مؤلمة وبطيئة

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/11 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/11 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: Girls queue to buy bread at the only bakery serving the outskirts of Idlib province, Syria August 1, 2012. REUTERS/Zohra Bensemra/File Photo

وفقاً لتصريحات قادة عسكريين في المعارضة السورية، أُجِّلَ الهجوم النهائي الذي كان النظام السوري ينوي شنَّه للسيطرة على محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو الهجوم الذي خشيت الأمم المتحدة من أن يتسبَّب في مقتل الآلاف وتشريد مليون مواطن مدني. والسبب وفقاً لتصريحاتهم هو عدم وجود قوات برية كافية للتنسيق مع القوات الجوية الروسية.

تتكون قوات النظام السوري وفق موقع The Daily Beast الأميركي، من 25 ألف جندي على أقصى تقدير، متمركزين في المنطقة، بما في ذلك حوالي 5000 جندي مخصصين لقوات الدعم، بعضهم مجندون من مناطق المعارضة التي استسلمت للنظام، ولا تزال إمكانية الاعتماد عليهم في ميدان المعركة قيد الاختبار. ستواجه تلك القوات أكثر من 100 ألف مقاتل متحفزين للدفاع عن المدينة، أُرغم معظمهم على النزوح للمدينة من مناطق أخرى، ولا يملكون مكاناً آخر للذهاب إليه.

لكنَّ العنصر الحاسم المفقود هو حزب الله اللبناني والميليشيات المدعومة من إيران، الذين كانوا بمثابة القوة البرية لبشار الأسد في حلب ومنطقة دمشق، بعد انهيار جيشه إلى حدٍّ كبير بسبب الفرار من الخدمة. وحتى الآن، ليس هناك ما يشير إلى أنَّ هذه الميليشيات تستعد للمعركة، في حين تبدو إيران غير مهتمة بالمشاركة في مواجهةٍ دموية ستتضمن الكثير من الخسائر.

من جانبه قال العقيد فاتح حسون، ضابط الجيش السوري المنشق الذي مثل المعارضة في المحادثات بين تركيا وروسيا وإيران، فيما يُسمَّى بمحادثات أستانا: "يمكننا القول إنَّ معركة إدلب قد أُجِّلَت. إذ تحتاج روسيا إلى شريكٍ بري لطائراتها الحربية".

هل يدخل الأكراد في الخط

وفي ظلّ عجز النظام عن توفير القوات، وعدم اهتمام إيران الواضح بالقتال، ربما يصبح الأكراد هم المصدر الآخر الوحيد للمقاتلين، لكنَّ وحدات حماية الشعب الكردية تعمل كقواتٍ برية أميركية في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) شرقي سوريا.

من جانبٍ آخر، أبدى كولومب ستراك، المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط في شركة HIS Market (الشركة الأم لمجلة Jane للشؤون الدفاعية)، اتفاقه مع فكرة أنَّ الهجوم ربما يكون قد أُجِّل. إذ صرّح لموقع Daily Beast الأميركي قائلاً: "على الأرجح سيكون هناك هجوم. إنَّها فقط مسألة وقت"، مؤكداً أنَّه عندما يحدث ذلك "سيكون الأمر بطيئاً ومؤلماً"، نظراً إلى التفاوت في حجم القوات. وأضاف أنَّ الهجوم "سيكون تدريجياً، بدءاً من استعادة القرى، واحدةً تلو الأخرى، من خلال الاعتماد على الغارات الجوية العشوائية، لتهجير أو إجبار الخصوم على الاستسلام".

من المحتمل أن يكون الاستيلاء على إدلب هو الفصل الرئيسي الأخير في الحرب السورية، التي بدأت بانتفاضة شعبية تزامناً مع الربيع العربي ضد بشار الأسد، في مارس/آذار 2011. وربما تصبح المعركة أسوأ مذبحة تشهدها تلك الحرب، التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص، وتسبَّبت في تدفقات هجرة جماعية زعزعت استقرار المنطقة وخلقت مشاكل سياسية كبيرة في أوروبا الغربية.

يُذكَر أنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب ناشد سوريا وروسيا وإيران عبر منصة تويتر، الأسبوع الماضي، بعدم المضي في الهجوم. إذ قال: "لا ينبغي للرئيس السوري بشار الأسد مهاجمة مقاطعة إدلب على نحو متهور. والروس والإيرانيون سيرتكبون خطأً إنسانياً جسيماً بالمشاركة في هذه المأساة الإنسانية المحتملة. قد يودي ذلك الهجوم بحياة مئات الآلاف من الناس، فلا تسمحوا بحدوث ذلك!"

الرئيس التركي يحذر: سنرى "بحراً من الدماء" 

ومن جانبه، حذَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من أنَّ الهجوم يمكن أن ينتج "بحراً من الدماء".

هناك حوالي 3.3 مليون شخص في المحافظة، حوالي نصفهم نازحون من أماكن أخرى في سوريا، وتعتمد نسبة هائلة منهم على المساعدات الإنسانية الخارجية. وهناك ما لا يقل عن 100 ألف من المقاتلين المعارضين للحكومة في إدلب.

وأصبحت تركيا، التي تقع على مسافة 60 ميلاً على الحدود من إدلب، ضامناً لمنطقة "فض النزاع" فيها، بناءً على اتفاقٍ مع روسيا وإيران أُجري منذ عام، ولها محاولات مستمرة في التفاوض مع المتشددين، للحدِّ من نشاطهم بشكلٍ كبير، وبالتالي القضاء على الحجة الرئيسية للتدخل العسكري في المنطقة.

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              تمتع تركيا، التي كانت من المؤيدين الأساسيين للمعارضة المناهضة للحكومة السورية، بسجلٍ قوي كجهة مانحة للمساعدات الإنسانية، وتستضيف حالياً 3.5 مليون لاجئ في أراضيها. وتخشى من أنَّ شن هجومٍ شامل سيدفع ملايين آخرين إلى حدودها.

يُطلق أقوى فصيل إسلامي في إدلب على نفسه لقب "هيئة تحرير الشام"، ويقول إنَّه لم يعد تابعاً للقاعدة، ورغم ذلك لا يزال مدرجاً كجماعة إرهابية، ونحو نصف عدد المقاتلين في صفوفه البالغ عددهم 10 آلاف مقاتل، هم من المتطوعين الأجانب. واليوم تعتبر جماعة حراس الدين هي التابع الرئيسي لتنظيم القاعدة، وهي مجموعة صغيرة للغاية من المقاتلين المنفصلين عن هيئة تحرير الشام، التي تخوض الآن مجابهةً مريرة معها.

من جانبها، رفضت هيئة تحرير الشام نداء الأتراك بحل نفسها، والأمل الوحيد الآن للتخلص من حراس الدين سلمياً، هو بمنح أعضائها خروجاً آمناً من المقاطعة.

على جانب آخر، ناشد أردوغان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محادثات القمة التي عقدت في طهران، الجمعة الماضية، الإعلان عن وقف إطلاق نار لإتاحة مزيدٍ من الوقت للمسؤولين الأتراك لإقناع هيئة تحرير الشام بحل نفسها وترتيب مخرج لحراس الدين. إلا أنَّ بوتين قابل مناشدته بالرفض، وبالتعاون مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، أطلق كلاً من أردوغان وبوتين دعوةً مشتركة للمتطرفين للاستسلام.

قتال الإرهابيين ذريعة لاستئصال المعارضين للأسد!

لكنَّ ادعاء روسيا بأنها تقاتل "الإرهاب" قد يكون ذريعةً لشنّ حملة تهدف إلى استئصال كلّ قوات المعارضة المسلحة المناهضة لعميلها الأسد. فتقريباً منذ اليوم الذي أرسل فيه بوتين قواته الجوية إلى سوريا، في سبتمبر/أيلول 2015، والأهداف مقتصرة بشكلٍ أساسي على قوات المعارضة المعتدلة والمستشفيات والمدارس وسكن المدنيين.

تجدر الإشارة إلى أنَّ بوتين أقرّ في محادثات طهران، بأنَّ "الكثير من المدنيين" يعيشون في إدلب، لكنّه قال إنَّ مقاتلين من جماعاتٍ إرهابية فرّوا أثناء استرداد روسيا والنظام للأراضي التي كانت تسيطر عليها المعارضة بالقرب من دمشق وفي جنوبي سوريا، ويعيشون الآن "كلهم في إدلب" وبحوزتهم "العديد من الأسلحة". وقال إنَّ "أصعب مهمة أمامنا هي تحييدهم"، وإنَّ "الجماعات الإرهابية تستخدم المدنيين كدروع بشرية… دائماً ما يفعلون ذلك". وتعهّد بأنَّ روسيا ستحرص على وجود طريق هروب للمدنيين، لكنَّ المكان الوحيد الذي يستطيع سكان إدلب الفرار إليه هو تركيا.

وأشار المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا، يوم الجمعة، إلى أنَّ "98.8% من سكان إدلب" مدنيون، وحمايتهم "هي أهم أولوياتنا".

نادراً ما كانت الهجمات الجوية التي يشنُّها نظام الأسد على مدن وبلدات محافظة إدلب بشكلٍ شبه يومي خلال الأيام العشرة الماضية تصيب الجماعات الإرهابية المدرجة. ووفقاً لراميش راجا سنغهام، المسؤول في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: "ففي 4 أيام، وفقاً للتقارير، قُصِفَت 4 من المرافق وفجرت بالبراميل، مما أخرج العديد من سيارات الإسعاف وأحد المستشفيات من الخدمة بالكامل". وذكَّر راجا سينغهام في تغريدةٍ له، الإثنين الماضي، أطرافَ النزاع بالحفاظ على القانون الإنساني الدولي، مشيراً إلى أنَّ هذه التفجيرات هي جرائم حرب محتملة.

كان تدمير المستشفيات والمرافق الطبية هو السمة المميزة لنظام الأسد والتكتيكات الروسية، خلال استرداد حلب في عام 2016، وفي العديد من المواقع الأخرى. والهدف الظاهر هو إضعاف وتدمير فصائل المعارضة المعتدلة وإثارة الذعر بين المدنيين، الذين يدركون أنَّه من دون الحصول على الرعاية الطبية الطارئة، يقل أملهم في النجاة من وابل القنابل والصواريخ والقذائف التي تُمطرهم.

تحميل المزيد