مستشار الأمن القومي الأميركي يوجه سيلاً من اللعنات للجنائية الدولية: سنمنع قضاتها من دخول بلادنا ونوقف أرصدتهم المالية

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/11 الساعة 20:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/11 الساعة 20:06 بتوقيت غرينتش
National Security Adviser John Bolton discusses "Protecting American Constitutionalism and Sovereignty from International Threats," at a forum hosted by the Federalist Society for Law and Public Policy Studies in Washington, U.S. September 10, 2018. REUTERS/Eric Thayer

في أول خطاب سياسي له منذ انضمامه إلى البيت الأبيض، في أبريل/نيسان، قدَّم مستشار الأمن القومي جون بولتون استعراضاً عدائياً لأجندة "أميركا أولاً"، التي وضعها الرئيس ترمب. فقد هدَّد المحكمة الجنائية الدولية، وهي هيئة مفوضة من الأمم المتحدة ومقرها لاهاي، باتخاذ إجراءاتٍ عقابية في حالة إجراء تحقيق في جرائم الحرب الأميركية المزعومة في أفغانستان.

وحذَّر من أن الولايات المتحدة ستمنع قضاة المحكمة الجنائية الدولية والمدَّعين العموميين من دخول البلاد، وستفرض قيوداً على أرصدتهم في النظام المالي الأميركي، وستعاقب أي شركة أو حكومة تتعاون مع تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بشأن الأميركيين، وفق صحيفة The Washington Post الأميركية.

لكن المحكمة الجنائية الدولية لم تلتزم الصمت إزاء التهديد، وقالت إن واشنطن "لن تثنيها"، وكمحكمة قانون ستواصل أداء عملها دون أن يثنيها شيء وفقاً لمبادئ سيادة القانون.

وأكدت المحكمة أنها "تبقى متمسكة باستقلاليتها وحيادها"، كما أكدت أنها تحقق وتحاكم متهمين فقط حين تكون الدول عاجزة عن فعل ذلك، أو قرَّرت عدم فعل ذلك.

المحكمة الجنائية الدولية لا شيء بالنسبة لنا

بولتون أعلن أنَّ هؤلاء المسؤولين، ومن ضمنهم قانونيون بارزون ونشطاء حقوقيون، يمكن أن يتلقوا نفس المعاملة التي يتلقاها بعض الأوليغاركيين التابعين للكرملين أو الممولين المشبوهين للمجموعات المتطرفة.

وقال بولتون أثناء حضوره فعالية استضافتها الجمعية الفيدرالية، وهي جمعية قانونية محافظة: "لن نتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. لن نقدم أي مساعدة إلى المحكمة الجنائية الدولية. لن ننضم إلى المحكمة الجنائية الدولية. ففي كل الأحوال، وبكافة السبل، المحكمة الجنائية الدولية لا شيء بالنسبة لنا".

 عصبة من البيروقراطيين الأجانب!

وحثَّ بولتون على إلغاء المحكمة الجنائية الدولية، حيث وصفها بأنَّها عصبة من البيروقراطيين الأجانب غير الخاضعين للمساءلة، وهي صفات شبيهة بتلك التي يُطلقها الشعبويون في الجناح اليميني على مسؤولي الاتحاد الأوروبي. وهاجم بولتون مثلهم بفجاجة "عقيدة الحكم العالمي" التي يؤمن بها الاتحاد الأوروبي، وأشاد بقرار بريطانيا مغادرته.

عَكَس الخطاب القاسي عداء بولتون الأزلي للمحكمة الجنائية الدولية، وهي المؤسسة التي مارس ضغوطاً ضدها أثناء خدمته في إدارة جورج بوش الابن. يرى بولتون وبعض حلفائه من الجمهوريين أنَّ صلاحيات المحكمة الدولية هي انتهاك غير شرعي للسيادة الوطنية، وانتهاك مزعوم للحقوق الدستورية الأميركية.

في الحقيقة، المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بسلطة قضائية كبيرة على الولايات المتحدة، التي مثلها مثل غيرها من القوى الكبرى التي تضم الهند والصين، لم تُصدِّق على الاتفاقية التي أُسست المحكمة بموجبها. وأوضحت إيميلي تامكين في مقالٍ لها في موقع Buzzfeed: "الرئيس بيل كلينتون وقَّع على الاتفاقية في عام 2000، لكنَّه لم يعرضها على الكونغرس للتصديق عليها، وقد أذن جورج بوش للولايات المتحدة بـ "إلغاء التوقيع" عليها في مايو/أيار عام 2002″، وهي الخطوة التي دعمها بولتون دعماً كبيراً.

أطلق بولتون في تصريحاته سيلاً من اللعنات على المحكمة بسبب سعيها إلى ممارسة سلطات "تتجاوز حدود السيادة الوطنية" في الولايات المتحدة، ووصفها ساخراً بأنَّها أداة غير فعالة لتحقيق العدالة. وقال إنَّ "رجال التاريخ الأقوياء لا تعوق طريقهم ترّهات القانون الدولي تلك، التي من ضمنها المحكمة الجنائية الدولية. وفكرة أنَّ البيروقراطيين المنفصلين عن الواقع والقضاة المتعثرين قادرون على إلقاء الرعب في قلوب رجال أمثال صدام حسين وهتلر وستالين والقذافي هي فكرة خرقاء، بل ومرعبة".

عوضاً عن ذلك، أشاد بولتون "بالإرادة الخيِّرة" للولايات المتحدة وحلفائها باعتبارهم "الرادع الوحيد للشر والوحشية" في العالم. لقد كانت كلمته ملخصاً وافياً لنظرته للعالم، يرتكز على إيمان راسخ بالقوة العسكرية الأميركية وشكوك عميقة في الهيئات الدولية التي يمكنها كبح جماحها.

لأنها ناشدت المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في توسع إسرائيل

أعلن بولتون أيضاً إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، جزئياً لأنَّ القادة الفلسطينيين ناشدوا المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في توسع إسرائيل في إقامة المستعمرات في الضفة الغربية. وهو مسمار آخر يدقه ترمب في نعش عملية السلام في الشرق الأوسط.

وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات: "هؤلاء الناس قرروا الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ، بحمايتهم مجرمي الحرب وتدمير حل إقامة الدولتين، أخبرتُهم أنَّهم إذا كانوا قلقين بشأن المحكمة، فعليهم التوقف عن إذكاء نيران تلك الجرائم".

لكن بالنسبة لبولتون وغيره من مسؤولي إدارة ترامب، فإنَّ جرائم الأميركيين، أو أفعالهم بشكلٍ عام، ليست من شأن الأجانب. وأفاد بأنَّ "الاتجاه الجديد ضد المحكمة الجنائية الدولية يتبع الخطوات التي تتخذها الإدارة الأميركية للوقوف بوجه التعاون الدولي في مجالات أخرى. فهذا العام، انسحبت الإدارة الأميركية من هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهدَّدت بالانسحاب من منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى وقف التمويل الأميركي للهيئة التابعة للأمم المتحدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين".

في حالة أفغانستان، أعلن كبير المدعين العموميين في المحكمة الجنائية الدولية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنَّ المحكمة كانت لديها "أدلة منطقية" للتحقيق في مزاعم ارتكاب القوات المسلحة الأميركية جرائم تتعلق بإساءة معاملة ما لا يقل عن 88 معتقلاً أفغانياً، وتعذيبهم، وحتى اغتصابهم في مراكز استجواب سرية تابعة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في أوروبا بين عامي 2002 و2014.

وقد أثار الإعلان غضب إدارة ترمب، لكنَّ مشتغلين أميركيين بالقانون الدولي رحبوا به.

إذ كتب كيب هيل، وهو محامٍ اشترك في محاكمات جرائم حرب أخرى، في مجلة Foreign Affairs العام الماضي: "في حالة المضي قدماً في التحقيق، فإنَّ أفضل رد من جانب إدارة ترمب هو التعاون علناً مع المحكمة الجنائية الدولية، من خلال بذل جهدٍ داخلي حقيقي وشفاف للتحقيق، عندما يقتضي الأمر ذلك، ومقاضاة أولئك الأميركيين الذين يتحملون الجزء الأكبر من المسؤولية عن تلك الجرائم الخطيرة المرتبطة بالحرب الأفغانية. وهذه السياسة لن تحمي المصالح الأميركية من خلال تعزيز السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة وحسب، بل هي أيضاً الطريقة الأكثر مصداقية وفاعلية للحد من تلك المزاعم".

من المؤكد أنَّ المحكمة الجنائية الدولية بعيدة كل البعد عن كونها مؤسسة مثالية، فالنقاد، على سبيل المثال، يشيرون إلى مقاضاتها غير العادلة للمسؤولين الأفارقة. لكنَّها لا تزال تمثل ترساً أساسياً في عجلة النظام الدولي، وهي الهيئة التي بإمكانها تحقيق العدالة في  الجرائم البغيضة التي يرتكبها أمثال الرئيس السوري بشار الأسد أو جنرالات ميانمار.

عوضاً عن ذلك، قد تصبح المحكمة الدولية ضحيةً أخرى من ضحايا حرب ترمب الأشمل على مبدأ الدولانية الليبرالية. وكتب سايمون تيسدال في مقال لصحيفة The Guardian: "إنَّها محاولة شاملة من دونالد ترمب لإيقاف المحكمة الجنائية الدولية، وهي أكبر محاكم العالم الجنائية، وتعد تجسيداً لمفهوم العدالة الدولية، وبولتون هو الرجل الذي يتولى زمام الأمور، وهناك احتمال قوي بأنَّهم سينجحون في محاولتهم تلك".

علامات:
تحميل المزيد