هبوط الليرة التركية يثير مخاوف رجال الصناعة بمصر.. ومطالبات بإلغاء اتفاقية التجارة بين البلدين

يخشى تجار مصريون من أن يؤدي انخفاض قيمة الليرة التركية إلى إغراق السوق المصرية ببضائع تركية رخيصة وسط مطالب بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا.

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/10 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/10 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: Men look at a jacket in a clothes market near the canal of Port Said, Egypt March 18, 2018. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany/File Photo

يخشى تاجر الصناعات الخشبية المصري منصور من أن يؤدي انخفاض قيمة الليرة التركية إلى إغراق السوق المصرية ببضائع تركية رخيصة، وذلك بعد هبوط سعر الجنيه المصري نفسه أمام الدولار قبل نحو عامين، وهو ما أدى لركود في قطاع الملابس، وذلك وسط مطالب بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا.

وأدى انخفاض الليرة التركية في مواجهة الدولار الأميركي بنسبة قاربت 40% لتجدد الجدل داخل مصر حول اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا.

ويبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا قرابة 3 مليارات دولار.

وتقدم الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين بمذكرة إلى رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي في 1 سبتمبر/أيلول، اعتبر فيها أن اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا تضر بالصناعة المصرية، عبر السماح بدخول سلع تركية دون أي رسوم جمركية في ظل تدهور العملة التركية.

لكن مصادر اقتصادية قالت لـ"عربي بوست" إن الاتفاقية لا تهدد المنتج المصري؛ إذ إن الاستيراد من تركيا يتم بالعملة الأجنبية، وهي الدولار.

كفة الأسعار تميل للمنتج التركي

تاجر المنتجات الخشبية منصور (50 عاماً)، ذكر أن "انخفاض سعر العملة التركية سيؤدي للإضرار بصناعتي بسبب انخفاض أسعار البضائع التركية مقابل نظيرتها المصرية".

وأضاف وهو يقف وسط صالة كبيرة تعج بمنتجات خشبية متكدسة وتخلو من المشترين، أن "طقم الصالون المصري يبلغ سعره حوالي 30 ألف جنيه مقابل التركي الذي سيكون بحوالي 20-23 ألف جنيه. وهو ما سيجعل الكفة في مصلحة المنتج التركي".

وأوضح: "على الأقل نطالب برسوم إغراق لإحداث توازن. من غير الطبيعي أن نساند المنتج التركي على حساب المنتج المصري".

الميزان التجاري يميل لصالح تركيا
الميزان التجاري يميل لصالح تركيا

وبالنسبة لتاجر السجاد عصام الذي يدير محلاً للسجاد اليدوي في حي مصر الجديدة الراقي شرق القاهرة، فهو يخشى أن يزيد تراجع الليرة التركية من ركود تجارته.

وقال عصام الذي اكتفى بإعطاء اسمه الأول: "تخيل أن سجادة مصرية تبلغ 2000 جنيه ونظيرتها التركية تبلغ 1200 جنيه. في هذه الأوضاع الاقتصادية الحالية بالبلاد ومع النظرة الشعبية الإيجابية للمنتجات المستوردة لا أحد سيشتري بضاعتي".

في تلك الأثناء، دخلت شابة ثلاثينية برفقة طفلة صغيرة تسأل عن سعر سجادة صغيرة قبل أن تتراجع أمام السعر الذي بدا مرتفعاً لموازنتها المحدودة على الأرجح.

الاستيراد من تركيا تراجع

أما محمد سيد، وهو مستورد مصري للسلع التركية، فيقول إنه "بالنسبة للاستيراد بين مصر وتركيا فحركة الاستيراد قلت أصلاً في مجال الملابس بنسبة 70% بعد تعويم الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، فالتعويم أفاد الصناعة في مصر".

وتابع: "لكن تأثير الليرة لم يظهر حتى الآن في استيراد الملابس التركية، لكن لدينا جمارك مرتفعة في استيراد تلك الملابس".

وأضاف أن الأسعار حتى الآن مثل العام الماضي، لكن المسألة كلها هي فرض بعض الجمارك الخاصة ببعض خطوط إنتاج المنسوجات في مصر، وهو ما سيرفع سعر الملابس بشكل مبالغ فيه يصل لأكثر من 50%.

وارتفعت قيمة التبادل التجاري بين مصر وتركيا خلال الـ5 أشهر الأولى من العام الحالي لتسجل نحو 2.069 مليار دولار، مقابل 1.602 مليار خلال نفس الفترة من العام الماضي بنمو 22.6%، وفقاً لنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وارتفعت واردات مصر من تركيا من يناير/كانون الثاني إلى مايو/أيار 2008 إلى 1.079 مليار دولار مقابل 828.088 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي بنمو 30.3%، وزادت الصادرات المصرية بنسبة 28% لتسجل نحو 989.881 مليون دولار مقابل 773.62 مليون دولار.

ومن المقرر أن يسافر سيد نهاية الشهر الجاري لتركيا للاتفاق على شحنة بضائع جديدة، رفض أن يقدم تفاصيل عن محتوياتها.

اتفاق عام 2005

اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا جرى توقيعها عام 2005، ودخلت حيز التنفيذ عام 2007، وتتيح فترة سماح 15 عاماً للسوق المصرية لاستيعاب الصادرات التركية بشكل تدريجي لا يضر بالصناعة الوطنية.

كما تسمح أيضاً للصادرات المصرية بالنفاذ إلى الأسواق التركية معفاة من الرسوم الجمركية، وتنص على إعفاء الصادرات المصرية من السلع الصناعية إلى تركيا من جميع الرسوم الجمركية والرسوم والضرائب الأخرى ذات الأثر المماثل.

والصادرات المصرية من السلع الزراعية والزراعية المصنعة إلى تركيا معفاة كلياً أو جزئياً من الرسوم الجمركية التى تتراوح بنسبة 32ــ45%، بينما منح الجانب المصري للصادرات التركية حصصاً معفاة تتراوح الرسوم الجمركية عليها في مصر ما بين 2% و12%.

مستحيل إلغاؤها

وكان محمد فريد خميس، رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، قد طالب بإعادة النظر في الاتفاقية، مؤكداً أنها لا تفيد سوى أنقرة وتضر بالصناعة والمنتجات المصرية وتسمح بدخول منتجات تركية تامة الصنع من دون أي رسوم جمركية.

واعتبر في تصريحات صحافية سابقة أن الاتفاق "يفقد الصناعة المصرية قدرتها على المنافسة والصمود، ويغرق الأسواق ببضائع منخفضة الثمن".

ويقول مصدر حكومي في تصريحات لصحيفة "الشروق" المصرية، إنه من المستحيل بأي حال إلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، إذ إن في ذلك تهديداً للاستثمارات التركية في مصر.

لكن اتحاد المستثمرين وغرفة صناعة الأخشاب والأثاث في اتحاد الصناعات يريان أن الاتفاقية تضر بالصناعة الوطنية لسماحها بدخول منتجات تركية دون رسوم جمركية، ما يفقد الصناعة المصرية قدرتها التنافسية في السوق المصرية، خاصة أن الحكومة التركية تدعم صادراتها بنسبة تقارب 20%، ما يؤدي لانخفاض سعرها في السوق المصرية عن مثيلاتها المحلية.

رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين
رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين

ويقول مسؤول في شعبة المستوردين بغرفة التجارة المصرية إن تعاملات مصر وتركيا تتم بالدولار أو اليورو، وأن انخفاض الليرة التركية لا يؤثر على الاتفاقية.

وبرأي المسؤول ـ طالباً عدم ذكر اسمه ـ فإن تركيا تدفع بالدولار وبالتالي فكُلفة السلع المستوردة ترتفع، أما الذين يطالبون برسوم إغراق أو جمارك أو تعديلات في اتفاقية التجارة الحرة فهم بعض رجال الأعمال والتجار في صناعات الصلب الذين يهدفون لاحتكار السوق.

ويقول المصدر: "هذا مطلب غير مستحق، وفي النهاية المستهلك المصري يقبل على أي منتج خارجي لأنه أكثر جودة وأقل سعراً، لكن السلع التركية سعرها في السوق المصرية لم يتأثر بانخفاض عملتها، نحن لا نتعامل بعملتهم".

الدولار.. لا الليرة

لكنّ مسؤول ثانياً في المنطقة الصناعية يمتلك مصنعاً يصدر منتجات لتركيا، فضل عدم ذكر اسمه، يرى أن انخفاض الليرة التركية في مصلحة مصر؛ إذ إن "عملتنا المصرية في مواجهة الدولار أقل قيمة ما يكسب مصر مميزات تنافسية أكثر وأعلى، ففي النهاية المنتج المصري كُلفة إنتاجه أقل؛ لأن الأيدي العاملة غير مُكلِفة، والمصانع المصرية تتلقى الطاقة بسعر مدعوم يعد الأرخص في المنطقة كلها".

ولم يبد المصدر تخوفه من انخفاض سعر السلع التركية في مصر، لكن ذلك لم يبدد مخاوفه بشأن جودة المنتج التركي مهما كان سعره أعلى، مشيراً إلى أن ما جرى في سعر العملة المصرية بعد التعويم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 عضد الموقع التنافسي للسلع المصرية التي صارت تُنتج داخل مصر بعد تقليل الاستيراد خاصة في مجال المنسوجات، وهو ما أدى لانخفاض الاستيراد من السلع التركية في مجال الملابس.

ويقول المصدر إن الدعوة لتعديل الاتفاقية أمر غير مبرر؛ لأنها لا تغطي كل القطاعات، والأمر كله في النهاية ذو أبعاد سياسية تتعلق بموقف تركيا المناوئ والمضاد والمعادي لمصر، والسلع التركية لن تباع بسعر أقل لأننا نستوردها بالدولار لا الليرة.

وكانت القاهرة سحبت سفيرها من أنقرة وخفضت مستوى التمثيل الدبلوماسي معها وطلبت من السفير التركي المغادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، بسبب دعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظام الرئيس الأسبق محمد مرسي، وهو ما ردت عليه تركيا بالمثل.

ويقول صحافي اقتصادي على اطلاع بمحاولات تعديل اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وتركيا، إن مقترحاً لاح في الأفق بضرورة أن تكون حركة التصدير بالليرة لا الدولار، وأن هناك تساؤلاً حول إمكانية أن تكون المعاملات بالليرة لا الدولار.

وأعرب المسؤول بالمنطقة الصناعية عن دهشته من مقترح يدور داخل اتحاد الغرف التجارية المصرية للتعامل في الاتفاقية بالليرة، ويقول: "علينا أن نضع في اعتبارنا الخلاف السياسي الكبير بيننا وتركيا، ولا يجوز لنا أن ندعمهم في أزمة عملتهم، لماذا أصلاً وهم يقفون ضد بلادنا، هل أدعم دولة لدينا مشاكل اقتصادية وسياسية معها، والدعوة للتعديل يجب أن تصدر منهم هناك لا من المصريين".

علامات:
تحميل المزيد