كاريزما الرزاز لم تسعفه ومخاوف من مصير سابقه.. صندوق النقد يرفض مقترحات الحكومة الأردنية بتعديل قانون الضريبة

يبدو أن مهمة رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز فشلت إذ لم يتمكن حتى من إيجاد صيغة توافقية حول قانون ضريبة الدخل ترضي كلا الطرفين، صندوق النقد والشعب

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/09 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/09 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش

يبدو أن مهمة رئيس الحكومة الأردنية عمر الرزاز فشلت، فالرجل لم يتمكن حتى هذه اللحظة من إيجاد صيغة توافقية حول قانون ضريبة الدخل ترضي كلا الطرفين، صندوق النقد الدولي وجماهير الشعب التي ثار غضبها سابقاً، وتسبّبت في إقالة الحكومة السابقة.

ووفقاً لحديث مصدر رفيع المستوى لـ "عربي بوست"، فإن اختيار الرزاز لهذه المهمة جاء لسببين أساسيين، الأول استثمار حضوره والكاريزما التي يتمتع بها، لإقناع الشارع بأهمية إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل، في ظلّ متطلبات صندوق النقد الدولي، والظروف الاقتصادية التي يمر بها الأردن.

أما السبب الثاني، فهو استثمار خبرته وسنوات عمله الطويلة مع البنك الدولي، لاجتراح حلول وبدائل لإصرار صندوق النقد على توسعة شرائح دافعي الضريبة، والرفض القاطع لإجراء أي تعديل بالخفض على ضريبة المبيعات البالغة 16%.

علاقة الأردن بصندوق النقد الدولي تمر اليوم بحالة شبيهة بلعبة "عض الأصابع"، فالحكومة الأردنية تحاول إطفاء غضب الشارع على قانون ضريبة الدخل، فيما يفكر الصندوق بمنطق اقتصادي يرفض التعديلات التي تقترحها الحكومة.

الحكومة تريد إجراء تعديلات، ولكن

الرزاز وفريقه الاقتصادي الذي يقوده الخبير الاقتصادي الدكتور رجائي المعشر، يصر على إجراء تعديلات تطال قانون الضريبة، يرفضها رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى الأردن مارتن سيرسولا.

ويختلف الصندوق مع الأردن، على حجم الإعفاءات التي ستنالها الشرائح من أفراد وعائلات وقطاعات اقتصادية، إذ أرسلت الحكومة مسودة أولية لقانون يرفع الإعفاءات من 16 ألفاً للعائلة التي أقرها القانون الذي سحبته الحكومة السابقة على وقع احتجاجات الدوار الرابع، التي حدثت في رمضان الماضي، إلى 20 ألفاً، وأيضاً رفع إعفاءات الأفراد من 8 في القانون المسحوب إلى 10 في المسودة المرسلة إلى الصندوق.

الحكومة الأردنية السابقة، برئاسة الدكتور هاني الملقي، قدَّمت استقالتها بسبب نزول المواطنين إلى الشارع والاعتصام في منطقة الدوار الرابع، التي يقبع بها مبنى رئاسة الحكومة، بسبب قانون ضريبة الدخل الذي أقره مجلس الوزراء، الذي وسع شرائح دافعي الضريبة، وقلص الإعفاءات الممنوحة للأفراد والعائلات.

وأكد مصدر مطلع لـ "عربي بوست"، أن اجتماعاً عبر الأقمار الصناعية جرى بين الحكومة الأردنية ومارتن سيرسولا، رفض فيه الأخير التعديلات الحكومية على القانون، مُصراً في الوقت ذاته على تخفيض الإعفاءات إلى 18 ألفاً للعائلة و5 آلاف فقط للفرد، وإبقاء ضريبة القطاع الصناعي كما هي عند 14%.

المشكلة في الشرائح

مصادر متطابقة أشارت لـ "عربي بوست"، إلى أن الشرائح هي أساس الخلاف مع الصندوق، فيما تسعى الحكومة الأردنية أن تكون هذه الشرائح متوازنة، بشكل يوزع العبء الضريبي على المواطنين والقطاعات بشكل عادل.

مسودة مشروع القانون المسحوب نصّت على تخفيض الدخل المعفى من الضريبة للعائلات إلى 16 ألف دينار، بدلاً من 24 ألف دينار حالياً، وللأفراد إلى 8 آلاف دينار بدلاً من 12 ألف دينار، وألغت المسودة في الوقت ذاته الإعفاءات الإضافية الممنوحة للأسرة والمقدرة بمبلغ 4 آلاف دينار، بدل فواتير استشفاء وتعليم.

وبحسب المشروع المسحوب، ينقسم دخول الخاضعين للضريبة إلى خمس شرائح، كل شريحة مقدارها 5 آلاف دينار، بنسبة ضريبة تتراوح بين 5% إلى 25% من الدخل المتحقق، بدلاً من القانون الحالي، الذي يخضع الأفراد فيه إلى 3 شرائح تتراوح نسب الضريبة عليها بين 7% إلى 20%، تبدأ من 7% على أول 10 آلاف، و14% على ثاني 10 آلاف، و20% لما زاد على ذلك.

وبموجب مقترحات الشرائح الخمس التي وردت بمسودة مشروع القانون، فإن الشريحة الأولى وقيمتها 5 آلاف دينار بعد الدخل المعفى تخضع لنسبة 5%، وتخضع ثاني 5 آلاف لنسبة 10% وثالث 5 آلاف لنسبة 15%، فيما تخضع رابع 5 آلاف لنسبة 22%، وصولاً إلى 25% للأسر التي يزيد دخلها على 36 ألفاً سنوياً.

عمر الرزاز مع الملك الأردني أثناء تكليفه بقيادة الحكومة
عمر الرزاز مع الملك الأردني أثناء تكليفه بقيادة الحكومة

الحكومة في مأزق حقيقي

وتجد حكومة الرزاز اليوم نفسَها في مأزق كبير بعد التعهدات التي أطلقها عند سحب مشروع قانون ضريبة الدخل لسنة 2018 من مجلس النواب، والتي يفترض أنها جاءت انسجاماً مع التوجيهات الملكية التي تضمنها كتاب التكليف السامي، الذي شدَّد على ضرورة إجراء مراجعة شاملة للمنظومة الضريبية والعبء الضريبي بشكل متكامل، بعيداً عن الاستمرار بفرض ضرائب استهلاكية غير مباشرة وغير عادلة.

وشدَّد رئيس الوزراء على أن "المصلحة العامة تقتضي سحب مشروع القانون لعدة أسباب، أبرزها أن مشروع القانون لم يخضع لنقاش وحوار عميق رغم أهميته، وأن من الواجب دراسته في إطار العبء الضريبي الكلي، بالإضافة إلى ضرورة التركيز على التهرب الضريبي، والعمل عليه ضمن إطار يحترم الحقوق الشخصية للمواطنين، ودون تعسف".

القانون لم يُحل لمجلس النواب بعد

ورغم كل هذا الجدل الدائر على القانون، ونية الحكومة وفق مصادر نيابية لـ "عربي بوست"، إلحاق مشروع القانون بالدورة الاستثنائية لمجلس النواب، التي خلت أجندتها من مناقشات مشروع قانون ضريبة الدخل، أكد نائب رئيس الوزراء ووزير دولة الدكتور رجائي المعشر، أن مشروع قانون ضريبة الدخل لم يُقر بصيغته النهائية بعد.

وقال المعشر في تصريح لوكالة الأنباء الأردنية "بترا"، وجود بعض البنود في مشروع القانون يتم بحثها للتوصل إلى توافق بشأنها، مشدداً على عدم وجود موعد محدد لإقراره.

رئيس الفريق الاقتصادي في الحكومة أكد عدم وجود مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن مشروع القانون، بقدر ما هي مشاورات في إطار التزام الأردن ببرنامج الإصلاح الاقتصادي.

وأكد أن مشروع القانون الجديد لضريبة الدخل يستهدف الوصول إلى بيئة ضريبية عادلة، وإصلاح الاختلالات التي تعتري النظام الضريبي غير العادل حالياً، بحسب ما كشفت عنه دراسة العبء الضريبي التي تم الإعلان عنها مؤخراً.

ولفت إلى أن مشروع القانون سيكافح التهرب والتجنب الضريبي، وتحسين الإدارة الضريبية ورفع كفاءة التحصيل.

 وأظهرت دراسة حكوميّة نشرت خلال الأسبوع الحالي، أنّ نسبة العبء الضريبي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن وصلت إلى 26.5% خلال عام 2017.

وتتوزع الضرائب إلى ضرائب غير مباشرة تقدّر بـ17.3%، وضرائب مباشرة بلغت زهاء 3.7%، إلى جانب ما نسبته 5.5% من اقتطاعات الضمان الاجتماعي للعام ذاته.

ويشمل العبء الضريبي، بحسب الدراسة، مجموع الإيرادات الضريبيّة المباشرة المتمثلة بالضرائب على الدخل وضريبة بيع العقار، إضافة إلى الإيرادات الضريبية غير المباشرة المتمثلة في ضريبة المبيعات والرسوم الجمركية وعوائد الاتصالات، وعوائد بيع المحروقات، إلى جانب الإيرادات التأمينيّة للضمان الاجتماعي من الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير مصادر لـ "عربي بوست"، إلى أن الحكومة الأردنية تحاول تأجيل طرح القانون وإقناع الصندوق بإجراء تعديلات، خوفاً من عودة المواطنين إلى الشارع والاحتجاج بشكل قد يسقط الحكومة أو يتسبب باضطرابات في الشارع، خصوصاً أن التعديلات قد تكون بتقليص مزيد من الإعفاءات وتزيد من فئة دافعي الضريبة في الأردن.

علامات:
تحميل المزيد