مدن مشلولة واحتجاجات يومية تتطور في بعض الأحيان إلى مصادمات مع قوات الأمن، والحديث بين اليمنيين لا يكاد يخرج عن سياق انهيار العملة المحلية، التي وصلت إلى أدنى نقطة في تاريخها، وبلغ سعر الدولار في السوق الموازية 640 ريالاً.
وانعكس تراجع الريال في ارتفاع أسعار بعض السلع 300%، ليجد اليمنيون أنفسهم أمام أزمة حقيقية لا تقل فداحتها عن الحرب التي يشهدها البلد المضطرب منذ مطلع العام 2015، وحتى اليوم يبدو لا نهاية لها مع تضارب المصالح الإقليمية، وتشعُّب اللاعبين المحليين والإقليميين فيها.
بداية الأزمة
وأشعلت الأزمة فتيل الاحتجاجات الشعبية في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوبي البلاد)، السبت الماضي، وحتى اليوم توسعت دائرة الغضب الشعبي إلى معظم محافظات البلاد الجنوبية، رغم القرارات التي أعلنتها الحكومة لوقف انهيار العملة، الثلاثاء الماضي.
حراك وغضب شعبي ومظاهرات تعم الأراضي الجنوبية ضد حكومة بن دغر الفاسدة التي اهلكت المواطن ودمرته اقتصاديا.
مظاهرات اليوم في العاصمة عدن وشبوة والمكلا وسيؤن والقطن في حضرموت والضالع ولحج وسقطرى وغيرها من المحافظات.
ما على الجائع ملامة لو فعل مافعل
و #هلا_بالخميس#شعب_الجنوب_انتفض pic.twitter.com/bm1E1tVs7M— احمد الصالح (@Ahmedalsaleh_SY) September 6, 2018
وأقرَّت الحكومة عدداً من الإجراءات للحفاظ على قيمة العملة، من بينها تطبيع الأوضاع وتأمين المناطق الخاضعة لسيطرتها، وحل مشكلة المطارات والموانئ، وتأهيل الطيران المدني اليمني، وفق ما أروده رئيس اللجنة الاقتصادية الحكومية حافظ معياد على صفحته بموقع فيسبوك.
كما ستُشدد الحكومة على تحصيل موارد الدولة وتوريدها إلى حساب الحكومة العام في البنك المركزي.
وأقرَّت منع دخول أو استيراد أي من السلع الأساسية والمشتقات النفطية إلا عن طريق شهادة بنكية للتاجر، وفي المقابل تلتزم مع البنك المركزي بتوفير العملة الأجنبية اللازمة لتغطية جميع الاعتمادات والحوالات المستندية المطلوبة للسلع الأساسية الخمس، والمعلن عنها وهي: الدقيق والأرز والسكر وحليب الأطفال والطعام، وبسعر السوق لجميع التجار وعبر جميع البنوك.
وقالت إن من ضمن الإجراءات للحفاظ على الاقتصاد، تقليص عدد السفارات والملحقيات في الخارج، وتفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، واللجنة العليا لمكافحة الفساد ونيابة الأموال العامة.
ولا يُعرف على وجه الدقة الفترة الزمنية التي ستدخل فيها القرارات حيز التنفيذ، وحتى اليوم لا تزال حتى اللحظة مسودات يجري مناقشتها، كما لم تتسبب في إطفاء النيران المشتعلة في المدن الجنوبية، وظلت الاحتجاجات تكبر.
الاشخاص الذي منزعجين من المظاهرات في المحافظات الجنوبية هم نفس الاشخاص الذي مستقرين ماليا، او الذي يعيشون خارج #اليمن ويستلمون راتبا من كيانات اخرى. مع احترامي، لولا المقاومة الجنوبية، لن تكون هناك اي محافظات "محررة."
لا تلومون الذي يتظاهروا لأنكم فشلتوا في واجبكم الوطني. #عدن
— Summer Nasser سمر ناصر اليافعي (@ToEducate) September 4, 2018
خروج الاحتجاجات عن السيطرة
وخرجت تلك الاحتجاجات عن السيطرة، وتحوّلت إلى أعمال عدائية، يصعب التكهن بمآلاتها حتى الآن.
فمنذ الأحد الماضي، يضع وليد العزي على رأسه طاقيته الرمادية، ويهرول بجسده النحيل إلى تجمعات المحتجين، في شارع مدرم بحي كريتر وسط عدن، وبصوته المبحوح ينادي مع الجموع بإسقاط الحكومة، ويرفع شعارات مناوئة لسياسة البنك المركزي اليمني.
يقول وليد الذي يسكن في منزل للإيجار، ويعمل موظفاً في الهيئة العامة للطرق، بأنه مداوم على المشاركة في الاحتجاجات اليومية للمطالبة بوقف انهيار الريال، ومكافحة الفساد في الحكومة التي يقيم أغلب وزرائها في العاصمة السعودية، الرياض.
ويضيف لـ "عربي بوست"، إن ما حدث يمثل حرباً على معظم اليمنيين، "أنا واحد من اليمنيين الذين شعروا بالألم والخذلان مما يحدث، نحن مهددون بالموت جوعاً، فالراتب اليوم تضاءلت قيمته حتى وصل للنصف، مع ارتفاع سعر الدولار".
ويضيف: "راتبي 67 ألف ريال يمني، وكان قبل اندلاع الحرب يساوي 310 دولارات، ومنذ اندلاع الحرب، حتى شهر يوليو/تموز الماضي، تقلص إلى 160، وخلال الشهر الأخير تراجع إلى 100 دولار، هذا المبلغ القليل لا يكفيني للعيش مع أسرتي المكوّنة من 7 أشخاص".
ووليد هو واحد من مئات المحتجين الذين خرجوا في مظاهرات عفوية، غالباً ما كانت تنتهي مع شدة حرِّ الظهيرة في المدينة الساحلية، لكن اليوم باتت الاحتجاجات أكثر عدائية، خصوصاً مع انخراط موالين لما يسمى بـ "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات فيها.
تظاهرات عدن الان
Geplaatst door نبيل القعيطي op Donderdag 6 september 2018
ومنذ الإثنين الماضي، يهدد الموالون لـ "الانتقالي الجنوبي" -الذين باتوا يمسكون بزمام تلك المظاهرات- بإغلاق المتاجر بالقوة، في حال كسر التجار حالة العصيان المدني المفروض في شوارع وأحياء مدينة عدن منذ الأحد.
الفساد مصدره الوزراء اليمنيون في الرياض
واستغلَّ الموالون للإمارات حالة السَّخط والغضب، والمظاهرات العفوية -في انطلاقتها- ضد حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتبنّوا مطالب المحتجين، وهدّد بيان صادر عن "الانتقالي الجنوبي" الحكومة اليمنية، بـ "ثورة شعبية".
وقال البيان إن "الأزمة المدمرة والمتعمّدة التي تجتاح الجنوب، ما هي إلا نتاج استمرار الفشل في حكومة الفساد، وما هدفها إلا إخضاع الجنوبيين ودفعهم إلى التنازل عن كل أحلامهم العادلة وتطلعاتهم المشروعة".
وأضاف: "نؤكد وقوفنا ودعمنا ومشاركتنا بشكل كامل إلى جانب الشعب صفاً واحداً، ونتبنَّى وبكل مسؤولية مطالب الشعب بكافة الطرق والوسائل السلمية. سنحمي الشعب وندافع عنه، ولن نسمح بالمساس بالمتظاهرين أو التعرض لهم بأي شكل من الأشكال".
وهدَّد "ببقاء جميع الخيارات مفتوحة، وندعو الشعب الجنوبي العظيم أن يكون على أهبة الاستعداد".
لكن حالة الاحتقان والغليان الشعبي تعدَّت إلى الهجوم على التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وللمرة الأولى رفع متظاهرون شعار "برع برع يا سلمان (العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز)"، على غرار "برع يا استعمار برع"، وهو الشعار المشهور الذي انطلق ضد الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن (1839 – 1967).
مظاهرات مجلس المطلقات الحوثي يهتفون ضد التحالف بكلمات برع يا سلمان يا عميل الامريكان للاسف لافرق بينهم وبين اذناب الفرس ،اليوم صار التحالف عميل ياخونة.
Geplaatst door عادل السحيقي op Dinsdag 4 september 2018
والمثير للغرابة أن المظاهرة انطلقت في مدينة الحبيلين بمحافظة لحج (جنوبي البلاد)، التي تعد معقلاً لـ "الانتقالي الجنوبي" الموالي للإمارات، ليجد الأخير نفسه غير قادر على تفسير الحادث، لكنه على الفور وجّه اتهامه إلى حزب الإصلاح، وقال إنه مَن استغلّ المظاهرات وأوعز لأنصاره رفع الشعار في المظاهرة.
الإمارات هدف آخر للمتظاهرين
في اليوم التالي، كان الأمر أقسى على الموالين للإمارات، فهذه المرة كان المتظاهرون في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت (شرقي البلاد)، يتسلّقون لوحات عملاقة في المدينة ومزّقوا صور القيادات الإماراتية، ليدفع ذلك قوات الأمن في المحافظة إلى الهجوم على المتظاهرين، مما تسبَّب في إصابة 3 متظاهرين، أحدهم بجروح بليغة.
متظاهرين يجوبون شوارع مدينة #المكلا ويهتفون بشعار برع برع للسعودية برع برع للإمارات ويمزقون لافتات للقيادة الإماراتية .#ثورة_الجياع#أحمد_باجردانة
Geplaatst door أحمد باجردانة op Woensdag 5 september 2018
وتخضع مدينة المكلا إلى سيطرة قوات النخبة الحضرمية، وهي قوات مدعومة من الإمارات.
وجاء الردّ هذه المرة من وزير الشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش، وقال في صفحته على موقع "تويتر"، إن "السلوك المخزي تجاه رموز الإمارات والتحالف في حضرموت وبعض مناطق الجنوب، التي يوجِّهها الإصلاح لن تثنينا عن تأدية المهمة، قناعتنا أنها أقلية حزبية لا تريد لليمن الخير، والتحالف في سعيه لتثبيت الاستقرار لن تهزه هذه التصرفات".
السلوك المخزي تجاه رموز الإمارات والتحالف في حضرموت وبعض مناطق الجنوب والتي يوجهها الإصلاح لن تثنينا عن تأدية المهمة، قناعتنا أنها أقلية حزبية لا تريد لليمن الخير والتحالف في سعيه لتثبيت الإستقرار لن تهزه هذه التصرفات.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) September 5, 2018
واستنكر نائب رئيس دائرة الإعلام والثقافة بحزب الإصلاح عدنان العديني، وقال إن ما قاله "قرقاش" نعتقد أنه لا يعبر عن رأي الأشقاء في الإمارات، الذين يُكنّ لهم الإصلاح وللمملكة كلَّ الامتنان على دعمهم لليمن.
وأضاف: "ولا نشك للحظة أنهم يدركون أنه لا علاقة للإصلاح بما يحدث في حضرموت أو غيرها، وأنهم يعلمون جيداً من هي الجهة التي تقف وراءها وأجندتها التي تحملها".
وفي عدن اعتلى متظاهرون مبنى في مديرية المنصورة، وأسقطوا صورة عملاقة للعاهل السعودي ورئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، وفي تسجيل مصوَّر كان أحد المتظاهرين يقول: "يا جنوبي صحي النوم.. لا تحالف بعد اليوم".
الأسلوب الغير الحضاري الذي ظهر به مناصرو الانتقالي من الاساءة لرموز قيادة التحالف مدان بكل انواع الإدانة ونشجب ونستنكر هذه الافعال مهما كان سقف النقد مرتفع.. مقطع لفيديو لعدد من الانتقاليين يسقطون صورة الملك سلمان والشيخ خليفة من على أحد المباني في المنصورة بمحافظة عدن..
Geplaatst door ياسر الصايلي op Donderdag 6 september 2018
ويتهم المتظاهرون التحالف العربي بتدمير اليمن، وقبل أيام انتشر وسم على شبكات التواصل الاجتماعي #التحالف_العربي_يخذل_اليمنيين، ويقول المعارضون للتحالف إن السعودية والإمارات لا تسعيان إلى إنقاذ اليمنيين بقدر ما تدفع بهم نحو الموت.
"التحالف لا يريد الخير لليمن"
ويقول إسماعيل إبراهيم وهو طالب في كلية الآداب بجامعة عدن، إن "دول التحالف العربي ودول الجوار لا تريد يمناً متماسكاً وقوياً، بل تريد أن تحول اليمنيين إلى فقراء يستجدون تعاطفهم في كل مرة، لكن النار التي يشعلونها في اليمن ستمتد إليهم".
وأضاف لـ "عربي بوست"، أن "التحالف دمَّر البلاد، واليوم يدمر العملة، أما إذا كانت هناك نوايا حقيقية لإصلاح البلاد والاقتصاد، فالأمر لا يحتاج إلا إلى دعم خفيف، وهذا الأمر الذي وعاه اليمنيون جيداً، بأن التحالف العربي لا يقل إجراماً عن مسلحي جماعة الحوثيين، وتمزيق صور التحالف أبلغ توصيف لما يحدث".
وتمدَّدت المظاهرات حتى يوم أمس الأول الخميس، في محافظات الجنوب، ووصلت إلى محافظات لحج والضالع وأبين وحضرموت وتعز وشبوة وسقطرى والمهرة، بعد تبنّيها من قِبل "الانتقالي الجنوبي"، ودعت القيادات المحلية في الانتقالي الجنوبي إلى انتفاضة شعبية عارمة وتظاهرات حاشدة.
ويبدو أن مآلات المظاهرات ستنتهي بتراجع العملة المحلية، التي لم يحدث لها أن تراجعت حتى اليوم، لكن دعوات الانتقالي من الممكن أن تدفع بها للاشتعال مجدداً، في الوقت الذي هدَّدت الحكومة بأنها لن تسمح بالعبث الحاصل في بعض شوارع عدن والمكلا، من قطع للطرقات وإرهاب التجار، وإجبارهم على إغلاق محالّهم، تنفيذاً للعصيان المدني المزعوم بقوة السلاح والإرهاب الذي دعت إليه بعض الأطراف غير المسؤولة.
الحكومة تتهم المجلس الانتقالي بتأجيج الفوضى
واتَّهمت الحكومة الانتقالي الجنوبي، بتأجيج حالة الفوضى والفلتان والتحريض ضد من لا يستجيب لأجندتها غير السلمية.
ويرى المحلل السياسي كمال حيدرة، أنه يمكن الحديث عن الاحتجاجات على مستويين، الأول هو أن الأوضاع الاقتصادية، والتدهور الراهن في قيمة العملة المحلية وما تبعه من ارتفاع في أسعار المواد الأساسية، أصبحت لا تحتمل، وبالتالي فإنه يمكن القول إن هذه الاحتجاجات شيء طبيعي.
ويرى حيدرة في تصريحه لـ "عربي بوست"، أن "توجه هذه المظاهرات بشعارات ضد التحالف أمر منطقي تماماً، على اعتبار أن التحالف هو الطرف المسيطر فعلياً على جنوبي اليمن، وهو الذي كان يفترض أن يقوم بإجراءات لمنع هذا التدهور، لكن ذلك لم يحدث خلال الثلاثة أعوام الماضية، حيث اكتفى التحالف بتوفير اللافتات التي ترفع صور زعماء الإمارات والسعودية، مع عبارات مبجّلة لهم، فيما بقيت الأوضاع الاقتصادية لسكان هذه المناطق على حالها!".
ويضيف أن هناك أطرافاً تقف خلفها، أو تعمل على استغلالها لخدمة أجندات سياسية.
ويقول: "ظهر خلال الاحتجاجات شعار كان مفاجئاً وهو: برع برع يا سلمان.. يا عميل الأمريكان، وتم تمزيق صور زعماء التحالف في أكثر من محافظة، ثم أعقب ذلك إعلان المجلس الانتقالي في الضالع سيطرته على المحافظة، وهو تكتل انفصالي مدعوم من الإمارات.
هذا التطور قد يحيل إلى أحد أمرين: أولهما أن الطرف الجنوبي الرافض لتواجد التحالف، هو مَن تزعَّم هذه الاحتجاجات، وأنه قد حاز دعم الشريحة الأكبر من الشارع الذي كان مؤيداً للمجلس الانتقالي الجنوبي والتحالف، بعد فشلهما في إعادة تطبيع الحياة في هذه المناطق بعيداً عن الحكومة الشرعية".
ويقول المحلل السياسي حيدرة، إن "الأمر اﻵخر هو أننا أمام صراع سعودي إماراتي على النفوذ وتعزيز المكاسب في اليمن، ولهذا دفعت الإمارات بالقوى التابعة لها، مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية لتحقيق مكاسب سياسية للقوى الموالية لها، وهو ما سيصب في نهاية المطاف في خدمة أجندتها".