واشنطن تقدم عرضاً مغرياً لإخراج إيران من سوريا.. لكن روسيا رأته غير واقعي والأسد لم يوافق عليه

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/07 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/08 الساعة 04:32 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: U.S. President Donald Trump and Russia's President Vladimir Putin shake hands as they meet in Helsinki, Finland July 16, 2018. REUTERS/Kevin Lamarque/File Photo

اكتفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تقديم تنازلات للولايات المتحدة بخصوص تواجد الجيش الإيراني في سوريا.

فبعد إبعاد القوات المدعومة من إيران عن الحدود مع هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل في شهر يوليو/تموز الماضي، حسبما قالت وكالة Bloomberg الأميركية، يرفض الرئيس الروسي مطالبات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإخراج إيران من سوريا تماماً بعد أن تهدأ الحرب الأهلية هناك.

وفي ظل فقدان المصداقية في واشنطن في كلٍ من موسكو وطهران، ورغبة الولايات المتحدة في إنهاء وجودها في سوريا، فمن المحتمل أن يسيطر الروس والإيرانيون على الوضع تماماً.

طالبت روسيا، أميركا بالتخلي عن مطلب رحيل إيران من سوريا

وقالت الوكالة الأميركية، أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حث الولايات المتحدة الثلاثاء الماضي 4 سبتمبر/أيلول على التخلي عن مطالباتها بتنازل إيران عن نفوذها في المنطقة، واصفاً إياهم بـ"غير المحترفين وغير الواقعيين".

وكان هذا الملف، من القضايا المركزية في نقاش رؤساء روسيا وإيران وتركيا في طهران اليوم الجمعة 7 سبتمبر/أيلول لتأكيد أدوارهم في فترة ما بعد الحرب في سوريا.

وسيحاولون أيضاً حل خلافهم بشأن الهجوم الوشيك على آخر معقل رئيس للمعارضة في إدلب، والذي يهدد بإرسال موجة جديدة من اللاجئين عبر الحدود التركية.

هذا وتخضع كل القوى الثلاث لعقوباتٍ منفصلة من الولايات المتحدة.

تأتي الحاجة لتخطيط مجالات النفوذ فترة بعد الحرب في مفترق طرق حرج في الحرب السورية الأهلية.

وكان تدخل روسيا في الصراع قبل ثلاث سنوات قد قَلَبَ الموازين لصالح الرئيس بشار الأسد في وقتٍ كان يسيطر فيه على أقل من ربع إقليم البلاد.

والآن، تتطلع راعيتاه الرئيسيتان موسكو وإيران لترسيخ مكاسبهما في الوقت الذي تقترب فيه المعركة الكبرى الأخيرة في إدلب.

وتواجه إدلب أزمة إنسانية وشيكة بسبب الاستعداد لاقتحامها خلال الأيام المقبلة

وبدأت الطائرات الروسية بالفعل في قصف إدلب، وتعرضت المنطقة لقصف القوات السورية أيضاً. ويعيش نحو 3 ملايين مدني هناك، وستكون احتمالية وقوع كارثة بشرية مرتفعة للغاية إذا لم توفر الحكومة ممراً للهروب. وحذَّر ترمب الأسد هذا الأسبوع من ارتكاب "مذبحة" في المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد.

وحذرت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من أن هجوماً واسع النطاق على المحافظة سيؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة منذ بدء النزاع السوري في عام 2011 الذي خلف 350 ألف قتيل.

كما عبرت الأمم المتحدة عن خشيتها من نزوح نحو 800 ألف شخص، فيما دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص ستيفان دي مستورا إلى تجنب "حمام دم"، مشيراً إلى تقارير إعلامية تفيد بأن النظام السوري حدد العاشر من أيلول/سبتمبر مهلة للتوصل إلى حل قبل شن هجوم شامل على المحافظة.

وتؤوي محافظة إدلب نحو 3 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة، نصفهم من النازحين. ومن بينهم عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة الذين تم إجلاؤهم مع مدنيين على مراحل من مناطق عدة في البلاد شكلت معاقل سابقة للفصائل المعارضة قبل هجمات واسعة لقوات النظام انتهت بسيطرتها عليها.

ويتبع الرئيس الأميركي مع روسيا أسلوب الترغيب وليس الترهيب. فبحسب مسؤولين روس، قد لوَّح باحتمالية سحب خطوات عقابية ضد روسيا إذا حصل على ما يريده في سوريا، لكن بوتين ليس لديه الكثير من الأسباب التي تجعله يثق بهذا.

وحتى لو وثق في هذا، فإنَّ إيران ليست مستعدة للتراجع، على الرغم من مواجهتها عقوبات أميركية تعجيزية بعد انسحاب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني.

ويحاول ترمب إخراج إيران من سوريا لإنقاذ نفسه من أزمة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية

حيث قال أندريه كورتونوف، رئيس المجلس الروسي للشؤون الخارجية، وهي مجموعة بحثية شكَّلها الكرملين: "لدى روسيا وإيران موقف متطابق تقريباً. إذ تأتيهما المطالبات، لكن دون أن يردا بتقديم أي شيء".

وجعل ترمب -الذي تُخيِّم على رئاسته قضية التدخل الروسي المزعوم في انتخابات 2016- من معاداة إيران هدفاً استراتيجاً رئيسياً. ومن شأن النجاح في إخراج إيران من سوريا أن يمنحه وسيلة يحتاجها بشدة للدفاع عن نفسه في وجه منتقدي تواصله مع الكرملين.

لكن في ظل وجود اتفاق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في أميركا على الحاجة للضغط على روسيا، يزيد الكونغرس الضغط على موسكو، مُلوِّحاً بعقوبات إضافية تتضمَّن حظر عمليات شراء الدين السيادي الروسي، ومنع وصول البنوك الروسية التي تديرها الدولة إلى النظام المالي الأميركي.

كانت روسيا قد أقنعت إيران بسحب قواتها وحلفائها من الميليشيات 85 كيلومتراً من هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل بعد قمة في العاصمة الفنلندية هلسنكي في يوليو/تموز جمعت بين بوتين وترمب.

وتعرض أميركا سحب قواتها مقابل خروج إيران بالكامل من سوريا

وبهدف إقناع روسيا بتقديم المزيد من التنازلات، أثار جون بولتون، مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي، الشهر الماضي احتمالية انسحاب الجنود الأميركيين البالغ عددهم ألفين من شمال شرقي سوريا بصورة نهائية.  

قال شخص على اطلاع بالمباحثات الدائرة إنَّ الانسحاب الأميركي لا يمكن أن يحدث إلا بعد خروج كل المقاتلين الإيرانيين بالإضافة إلى أسلحتهم وحلفائهم من الميليشيات. وأضاف أنَّ الولايات المتحدة لابد أن تطمئن إلى أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" سُحِق تماماً في سوريا.

ووضع وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، دون ذكر إيران، شرطاً إضافياً لسحب القوات الأميركية في يوم 28 أغسطس/آب، وهو أنَّ المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف حول التحول السياسي في سوريا لإرخاء قبضة الأسد على السطلة يجب أن "تمضي قُدُماً".

تقول ماريانا بيلينكايا، خبيرة شؤون الشرق الأوسط في موسكو، إنَّ هذا غير واقعي بالمرة. وقالت في تعليقٍ لها لصالح مركز أبحاث  كارنيغي موسكو: "إذا استعاد الأسد إدلب، سيسيطر على الدولة كلها تقريباً باستثناء بعض المناطق، أغلبها تحت الحماية الأميركية".  وأضافت: "هذا سيجعل النظام السوري أقل مرونة في عملية جنيف".

لكن تشابك العلاقات بين الأسد وإيران يمنع تحقيق ذلك

الأمر الذي يزيد صعوبة تحقيق هذه الأهداف على الولايات المتحدة هو العلاقة المتشابكة بين الأسد ورعاته الإيرانيين. يقول شخصان على اطلاع بالوضع في موسكو إنَّ الإيرانيين تغلغلوا عميقاً في القوات المسلحة السورية، ما يقلِّص قدرة روسيا على استخدام أي ضغط على سوريا.

قال فؤاد أزادي، المتخصص في السياسة الخارجية بجامعة طهران: "من مصلحة الحكومة السورية في الوقت الراهن أن يكون الجنود والمستشارون الإيرانيون في سوريا".

وعلى الرغم من تهديدات الولايات المتحدة بالرد على أي هجومٍ كيماوي تشنه قوات الأسد في إدلب، لا توجد أي إشارة على أنَّ الولايات المتحدة ترغب في التدخل لقلب الوضع على الأرض.

يقول روبرت فورد، الذي عمل سفيراً لأميركا في سوريا من قبل: "في الحروب، لا تكون اللغة الدبلوماسية المجردة كافية عندما يُصِرُّ الطرف الآخر على استخدام القوة العسكرية. لن ينجح الخطاب الأميركي في إبطاء الروس والسوريين والإيرانيين طويلاً".

وكان بوتين أعلن  الجمعة أن القمة الثلاثية حول سوريا التي تضمه في طهران مع الرئيسين الإيراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان، بحثت في إرساء الاستقرار في إدلب "على مراحل".

واعتبر الرئيس الروسي أن "من حقّ" الحكومة السورية استعادة السيطرة على "كل أراضيها"، وذلك خلال القمة التي تجمعه في طهران مع الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني والمخصصة للوضع السوري.

تحميل المزيد