صحيح أن السعودية والإمارات قادرتان على مساعدة البحرين.. لكن هذا ليس حبّاً فيها، إنما خوفاً من نفوذ إيران

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/07 الساعة 17:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/07 الساعة 17:14 بتوقيت غرينتش
عاهل البحرين والملك سلمان

دولة البحرين الصغيرة في موقفٍ عسير. هكذا رأى مركز Stratfor الأميركي في تقرير له، وقال إن كلا المتنافسين الشرق الأوسطيَّين، إيران والسعودية، يشعر بدرجةٍ من الاتصال والنفوذ على شعب البحرين وأرضها، وعادةً ما يُوجِّه جيران البحرين الأغنياء، السعودية والإمارات والكويت، أسرة آل خليفة الحاكمة لكيفية تدبير البلاد سياساتها الداخلية والخارجية.

ويشرف الحكام، السُنَّة، على أغلبيةٍ من العرب الشيعة واقتصاد فيه عمالة أجنبية أكثر من سكان البلاد. ولأولئك الحكام أيضاً عادةٌ في طلب المساعدة بإدارة البلاد، وهم في حاجةٍ لمعونةٍ اقتصادية مرة أخرى.

تواجه البحرين مشكلة دَين غير مستقرة

حيث إن لدى البحرين نحو 1.5 مليون شخص يعيشون في مساحة 771 كيلومتراً مربعاً (297 ميلاً مربعاً) من الجزر الواقعة قبالة ساحل السعودية في الخليج العربي.

وحتى اكتشاف النفط على الجزر أواخر عشرينيات القرن الماضي، كان الدخل القومي يعتمد بشكلٍ أساسي على التمر واللآلئ. واليوم، يعتمد الاقتصاد بشكلٍ كبير على النفط والغاز الطبيعي، ويرزح أيضاً تحت وطأة الدعم الحكومي.

وتواجه البلاد الآن مشكلة دَين غير مستقرة، بسبب أسعار النفط المنخفضة ما بين عامي 2014 و2017، والميزانيات الوطنية التوسُّعية التي كانت تساعد عادةً في السيطرة على شعبها الهائج.

 

ووصل الدَّين العام للبحرين، عام 2017، إلى 89% من ناتجها المحلي الإجمالي البالغ قرابة 33 مليار دولار، في حين وصل العجز المالي للحكومة إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويتوقَّع صندوق النقد الدولي أنَّ الدين العام قد يصل إلى نسبة 100% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019، وهو خطٌ أحمر غير مسبوق بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالنفط.

وتواجه البحرين أيضاً نقصاً في احتياطي العملات الأجنبية. وفي شهر يونيو/حزيران 2018، كان لدى البلاد ما يكفي لتغطية شهر ونصف شهر فقط من الواردات.  

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الدينار البحريني قد وصل، العام الماضي (2017)، إلى أدنى مستوياته منذ 17 عاماً.

ويزيد هذا الانخفاض من القلق في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى من أنَّ ربط العملة البحرينية بالدولار مُهدَّدٌ، وأنَّ الخوف وغياب الاستقرار المصاحبَين من الممكن لهما الإضرار بربط هذه الدول عملاتها بالدولار (ذلك أنَّ 5 من أصل 6 دول تربط عملتها بالدولار).

وتأتي عدوى العملات هذه، والاحتياطات المنخفضة، والدين المرتفع، من بين الأسباب التي جعلت الإمارات والسعودية والكويت توافق هذا العام (2018) على برنامج غامض لـ"دعم الاستقرار المالي للبحرين"، وهو تكرارٌ لتمديدٍ مشابه للمساعدات قدَّمته هذه البلاد للبحرين وعمان في الشهور الأولى غير المستقرة للربيع العربي عام 2011.

ويعاني اقتصاد البحرين مشكلات هيكلية عميقة ويحتاج إصلاحاً شاملاً

يعاني اقتصاد البحرين مشكلاتٍ هيكلية عميقة ويحتاج إصلاحاً شاملاً. فعلى الرغم من ثروته المرتفعة من حيث نصيب دخل الفرد، فإنَّ اقتصاد البلاد يعمل مثل بعض بلدان الشرق الأوسط غير المتوازنة، كالأردن، حيث تتسرَّب دفعاتٌ من الأموال مثل المياه في المنخل؛ بسبب غياب الكفاءة والبيروقراطية المتضخِّمة.

وتقبع البحرين في المركز الثاني بالشرق الأوسط، بعد الكويت، من حيث الفجوة بين أجور القطاعين العام والخاص، ما يعني أنَّ كلا القطاعين لديه عددٌ كبير من الموظفين العموميين.

أيضاً، في الوقت الذي استعادت فيه أسعار النفط عافيتها بعض الشيء خلال العام الماضي (2017)، فإنَّ الحكومة لم تحافظ على الإلحاح والدعم اللازمَين لبناء قطاعها غير النفطي. ويتوقَّع صندوق النقد الدولي ركوداً كاملاً على هذه الجبهة خلال السنة المقبلة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الضرائب الأعلى وتخفيض الدعم، وهو ما تفعله الدول الأخرى الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي بصفته جزءاً من الدفع ناحية التنويع، أمرٌ صعب التطبيق في البحرين، مع أنَّ الحكومة تحاول تطبيق ذلك بفعل الضرورة الاقتصادية.

فالسيطرة على السكان هدفٌ أساسي؛ لأنَّ التخفيضات الدورية للدعم على المياه والكهرباء قد أدَّت في بعض الأوقات إلى زيادة إشعال المشاعر المُعارِضة للحكومة. وكان مُقرَّراً لضريبة القيمة المضافة أن تُطبَّق على البلاد بأَسرها في شهر يناير/كانون الثاني 2018، لكنَّ الحكومة أجَّلَت تطبيقها حتى عام 2019، وهذه البداية من الممكن تأجيلها وقتاً أطول.

حتى الجانب المشرق من الاقتصاد البحريني، مثل قطاعها المالي الصحي، الذي شيَّدَته ورعته عقوداً، تنتظره منافسةٌ شديدة من الدول الأخرى الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي.

وكان صندوق النقد الدولي قد قال إنَّ تكنولوجيا الخدمات المالية فرصةٌ واعدةٌ للبحرين، لكنَّ هذا البلد الضئيل لن يكون قادراً على البقاء مُتقدِّماً على باقي دول مجلس التعاون الخليجي التي تُركِّز بقوةٍ على قطاعاتها المالية في الوقت الذي تُسرِّع فيه من تنويع دوافعها، ومع زيادة المنافسة العالمية في مجال التمويل الإسلامي.

ولعلاقة البحرين بإيران، تسعى السعودية للتدخل المستمر وزيادة نفوذها في الجارة الخليجية

لطالما كانت للبحرين روابطٌ عميقة مع السعودية، وكان الكثيرون يشيرون إليها مازحين على أنها مُلحَقة بالمملكة.

وتشمل هذه الروابط، إلى جانب القرب الجغرافي، روابط عرقية وقبلية تربط الأسرة الحاكمة للبحرين بالنخبة الحاكمة في السعودية. ينحدر آل خليفة من عائلة قبائل العتوب، المنحدرة من قبائل العنيزة التي هاجرت إلى شواطئ الخليج العربي من قلب شبه جزيرة العرب.

ويعمل هذا الجزء أيضاً كصمامِ ضغطٍ أقرته الرياض بهدوء للسعوديين الراغبين في الابتعاد عن الحدود الاجتماعية والقانونية الصارمة للمملكة لممارسة أنشطة مثل شرب الكحول.

ويمكن للسعوديين الراغبين في الذهاب إلى الجزر أن يأخذوا جسر الملك فهد الضخم، وهو شهادة مادية بطول 25 كيلومتراً على الرابطة الرمزية بين الرياض والمنامة.

وعبر الخليج العربي توجد إيران، التي ترجع علاقاتها مع البحرين لقرونٍ مضت. فخلال القرن الثالث حتى القرن السابع، كانت المجتمعات التجارية على هذه الجزر واقعة تحت سلطان الإمبراطورية الساسانية الفارسية، وتؤدي هذه الروابط المستمرة بين طهران والمنامة أيضاً إلى دفع السعودية للزيادة المستمرة في نفوذها وملكيتها للبحرين.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الأغلبية من الشيعة العرب في البحرين قد زادت أعدادهم بفعل الهجرة من أعضاء الجماعة ذاتها من منطقة الساحل الجنوبي الغربي بإيران في القرن العشرين.

واليوم، تشعر إيران بروابط عميقة تربطها بهذه الأغلبية الشيعية، وخلال العقود الماضية حاولت أحياناً التواصل مع النشطاء الشيعة المعارضين للحكومة. وأبرز أمثلة ذلك الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين في بداية الثمانينيات، والتي سحقتها الأسرة الحاكمة.

وفي أعقاب الثورة الإسلامية بإيران عام 1979، تكوَّن مجلس التعاون الخليجي. خشي أعضاء المجلس من التنمية الاقتصادية في إيران وتعميق معارضتها الجيوسياسية للدول العربية النفطية.

هذا الخوف هو السبب الكامن وراء العلاقة السياسية العميقة بين الرياض والمنامة. يرى أعضاء مجلس التعاون الخليجي البحرين الحلقة الأضعف، التي ربما تحاول إيران استخدامها للوصول إلى بقية شبه الجزيرة العربية، وقد عَكَسَ نشر قوات درع الجزيرة في البحرين عام 2011 هذا الخوف. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ دعمهم يحمي ملكية خليجية تتبع خط السياسة الخارجية السعودية والإماراتية علناً وبصوتٍ جهوري.

وتسعى السعودية والإمارات لمساعدة البحرين اقتصادياً لحمايتها من النفوذ الإيراني

للبحرين برلمانٌ مزعج، وهو ما يؤشِّر على وجود درجة كبيرة من المعارضة الشعبية التي تغلي في البلاد، لكنَّ الانتخابات في وقتٍ لاحق من العام الجاري (2018)، سوف تكون حدثاً غير مهم إلى حدٍّ كبير.

ذلك أنَّ أسرة آل خليفة كانت تُوسِّع سيطرتها باطرادٍ منذ انتهاء الحماية البريطانية على الجزر في منتصف القرن العشرين، والآن تحوز الأسرة جميع السلطة السياسية المهمة في البلاد.

وسوف يكون الحدث الأهم في ربع السنة الحالي (2018) هو تعزيز مساعدة مجلس التعاون الخليجي، التي ربما تبدأ في التقاطر خلال عام 2019، بعد أن يبدأ أعضاءٌ من الكتلة الإقليمية في صياغة ميزانياتهم الوطنية.

وفي النهاية، فإنَّ السعودية والإمارات ما زلتا ميَّالتين بشكلٍ كبير إلى تقديم المساعدة؛ لأنهما تريدان احتواء المشكلات الاقتصادية للبحرين وتريدان حماية الحصن ضد النفوذ الإيراني من الضعف.

لكنَّ الدولتين تمران هما أيضاً بإصلاحاتٍ اقتصادية عنيفة، ومن المُحتَمَل أن تربطا مطالب بالإصلاح المالي بأيِّ مساعدة. سوف تكون هذه الإجراءات متسقةً مع الخطوات القوية في الضرائب والدعم الذي تُقدِّمانه. سوف تحافظ هذه المساعدة، مع ارتفاع أسعار النفط، على بقاء البحرين، لا ازدهارها.

تحميل المزيد