استراتيجية جديدة لواشنطن في سوريا.. ترمب يعدل عن رغبته في الانسحاب ويضع «مبادرة دبلوماسية كبرى»

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/07 الساعة 15:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/07 الساعة 21:17 بتوقيت غرينتش

كشف مسؤولون بارزون بوزارة الخارجية الأميركية أنَّ الرئيس دونالد ترمب، الذي أعرب منذ 5 أشهر فقط عن رغبته في "الخروج" من سوريا وإعادة القوات الأميركية إلى الوطن في أقرب وقتٍ ممكن، وافق على استراتيجية جديدة تسمح بمد الجهود العسكرية الأميركية في سوريا إلى أجلٍ غير مسمى، وتطلق حملة دبلوماسية كبيرة لتحقيق الأهداف الأميركية هناك.

وحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية، فإنه على الرغم من أنَّ الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قاربت على الانتهاء، أعادت الإدارة تعيين أهدافها لتشمل خروج الجيش الإيراني ووكلاء إيران جميعاً من سوريا، وإقامة حكومة مستقرة لا تُشكِّل تهديداً وتكون مقبولة لدى جميع السوريين والمجتمع الدولي.

ما الذي جعل واشنطن تغير خطتها بمد الجهود العسكرية الأميركية في سوريا ؟

وقال المسؤولون إنَّ هذا التغيير ينبع في المقام الأول من الشكوك المتزايدة حول ما إذا كانت روسيا، التي يقول ترمب إنَّها ربما تكون شريكاً، تستطيع المساعدة على طرد إيران أو حتى ترغب في ذلك. إذ كانت كلٌ من روسيا وإيران حليفتين أساسيتين للرئيس السوري بشار الأسد في محو جهود سنواتٍ قامت بها المعارضة المحلية لإسقاط الرئيس السوري.

قال جيمس جيفري، وهو دبلوماسي متقاعد بالخارجية الأميركية عُيِّن الشهر الماضي ممثلاً لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لشؤون سوريا: "السياسة الجديدة هي أنَّنا لن ننسحب بحلول نهاية العام". ويخدم نحو 2200 جندي أميركي في سوريا، جميعهم تقريباً مُكرَّسون للحرب ضد داعش في الثلث الشرقي من سوريا.                

وأضاف جيفري أنَّ القوات الأميركية ستبقى هناك لضمان رحيل القوات الإيرانية وإلحاق "هزيمة دائمة" بداعش. وتابع: "هذا يعني أنَّنا لسنا في عجلة من أمرنا". وبسؤاله حول ما إذا كان ترمب قد أقرَّ "نهجاً أكثر نشاطاً"، أجاب: "أنا على ثقة أنَّ الرئيس موافق على هذا".

وما قصة "المبادرة الدبلوماسية الكبرى" التي تُحضّر لها واشنطن

ورفض جيفري الإفصاح عن تفاصيل أي مهمة عسكرية جديدة، لكنَّه أكَّد على تبنّي ما قال إنَّها ستكون "مبادرة دبلوماسية كبرى" في الأمم المتحدة وخارجها، وأكَّد كذلك على استخدام الأدوات الاقتصادية، التي من المحتمل أن تشمل فرض المزيد من العقوبات على إيران وروسيا، إلى جانب الرفض الأميركي المُعلَن تمويل إعادة إعمار سوريا تحت حكم الأسد.

لكنَّ السياسات الأنشط التي لفت إليها، وإن كان ذلك فقط بعبارات مبهمة، قد تزيد من احتمالية وقوع صدام مباشر مع إيران، وربما مع روسيا أيضاً.

 


هل انقلبت موسكو على طهران؟ مسؤول أميركي: بوتين وترمب اتفقا على ضرورة خروج إيران من سوريا


 

ويأتي حديث جيفري عن اضطلاع الولايات المتحدة بدورٍ أوسع نطاقاً عقب سنوات من الانتقادات من جانب مشرعين ومحللين بسبب افتقار كلٍ من الرئيس ترمب وسلفه باراك أوباما لاستراتيجية متسقة حول سوريا. إذ أصر ترمب، وكذلك أوباما من قبله، على أنَّ المصالح الأميركية تتركَّز حول هزيمة داعش، ورَفَضَ الانخراط بشكل كبير في الحرب الأهلية الدائرة في بقية أنحاء البلاد ضد الأسد، حتى في الوقت الذي زادت فيه روسيا وإيران نفوذهما هناك.         

واستُدعي كلٌ من جيفري وجويل رايبيرن، وهو عقيد متقاعد في الجيش الأميركي انتقل الشهر الماضي من مجلس الأمن القومي الأميركي للعمل بوزارة الخارجية كي يصبح "مبعوثاً خاصاً لسوريا"، كي يحاولا صياغة خطة مُنسَّقة من شأنها منع تكرار ما ترى الإدارة الأميركية أنَّها أخطاء ارتكبتها في العراق، حيث أفسح الانسحاب الأميركي المتهور المجال للتدخل الإيراني وعودة المليشيات السنية التي انبثق عنها داعش.  

وهي مُصرة أيضاً على رحيل الأسد

كان بومبيو أشار إلى الانسحاب الإيراني من سوريا باعتباره مطلباً ضمن قائمة من اثني عشر مطلباً أميركياً من طهران لأول مرة في مايو/أيار الماضي أثناء خطاب ألقاه في مؤسسة التراث الأميركية.  

وقال جيفري إنَّ سياسة الولايات المتحدة لا تشترط "ضرورة رحيل الأسد. الأسد لا مستقبل له، لكنَّ التخلص منه ليس مهمتنا". بيد أنَّه أضاف أنَّه يصعب عليه تصوُّر الأسد كرئيس بوسعه "الوفاء ليس فقط بمتطلباتنا نحن، بل ومتطلبات المجتمع الدولي كذلك"، أو كشخص "لا يُهدِّد دول الجوار" ولا يسيء معاملة شعبه، أو كشخص "لا يسمح باستخدام الأسلحة الكيمياوية أو يوفر منصةً لإيران".   

وإدلب هي أول اختبار للسياسة الأميركية "الجديد" في سوريا

وقد يواجه الدور الموسع الذي تريده واشنطن بمد الجهود العسكرية الأميركية في سوريا أول اختباراته عاجلاً وليس آجلاً في إدلب، المحافظة الواقعة شمال غرب سوريا.        

وتعد هذه المحافظة هي آخر ما تبقى من المعاقل التي تسيطر عليها المعارضة بعد سبع سنوات من الحرب شنَّ خلالها الأسد، بدعمٍ مكثف من روسيا وإيران، غارات مكثفة ضد قوات المعارضة لإجبارها على التسليم. وخلَّفت سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها، وكذلك استخدامه للأسلحة الكيماوية في بعض الأحيان، مئات الآلاف من القتلى المدنيين، ودفعت الملايين للفرار من منازلهم.   

وأصبحت إدلب الآن بمثابة مستودع مكتظ لنحو 70 ألفاً من مقاتلي المعارضة ونحو مليوني مدني نزحوا من مناطق قتالٍ أخرى، إلى جانب نشطاء وعمال إغاثة يسعون لمساعدتهم.   

وكان الأسد أعلن أنَّه يستعد لهجومٍ نهائي في إدلب، وبدأت طائرات حربية روسية هذا الأسبوع في قصف المنطقة. فيما حذَّرت منظمات إنسانية من مستوى غير مسبوق من إراقة الدماء، وحذَّر ترمب نفسه من أنَّ الولايات المتحدة سترد إذا شن الأسد هجوماً شاملاً، وخصوصاً إذا استخدم أسلحة كيماوية.   

وترمب حذَّر من حدوث مجزرة

وقال ترمب الأربعاء 5 سبتمبر/أيلول: "إذا حدثت مجزرة، سيغضب العالم جداً جداً. وستغضب الولايات المتحدة جداً أيضاً". وقال جيفري إنَّ بومبيو بعث بالرسالة ذاتها عبر اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وكذلك فعل مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون خلال اجتماع جرى مؤخراً مع نظيره الروسي.      

واتهمت روسيا -التي كثَّفت من وجود قواتها البحرية وقواتها الأخرى في المنطقة في الأسابيع الأخيرة- الولايات المتحدة بالتحضير لاختلاق هجوم بالأسلحة الكيماوية لتبرير التدخل العسكري. وتقول إنَّ عملياتها في إدلب تستهدف ما يصل إلى 14 ألف مقاتل على صلة بتنظيم القاعدة.

ورغم أنَّ الولايات المتحدة توافق على ضرورة التخلص من هؤلاء المقاتلين، فإنَّها وفقاً لجيفري تعارض "فكرة أنَّ علينا الدخول إلى هناك.. للتخلص من الإرهابيين، فأغلب الذين يقاتلون.. ليسوا إرهابيين، بل أناس يخوضون حرباً أهلية ضد ديكتاتور وحشي". ومن ثمَّ، دعت الولايات المتحدة بدلاً من ذلك إلى نهجٍ تعاوني مع أطراف خارجية أخرى فاعلة.

ويرفض أي هجوم ويعتبره تصعيداً متهوراً و"مستعد للرد"

وأضاف جيفري: "بدأنا نستخدم لغة جديدة"، مشيراً بذلك إلى التحذيرات السابقة من استخدام الأسلحة الكيمياوية. وقال إنَّ الولايات المتحدة التي ستمد الجهود العسكرية الأميركية في سوريا ، الآن لن تتساهل مع "شن هجوم. نقطة وانتهى".

وتابع: "أي هجوم هو أمرٌ مرفوض بالنسبة لنا باعتباره تصعيداً متهوراً. أضف إلى هذا أنَّه إذا استُخدِمت فيه أسلحة كيماوية أو تسبَّب بتدفق اللاجئين أو استهدفت المدنيين الأبرياء.. فإنَّ عواقب هذا ستكون تغييرنا مواقفنا واستخدامنا كافة أدواتنا لتوضيح أنَّنا سيتعين علينا إيجاد سبل لتحقيق أهدافنا، وهذه السبل ستكون أقل اعتماداً على نوايا الروس الحسنة".                   

وأَذِنَ ترمب مرتين بشن هجمات جوية وصاروخية أميركية على أهداف تابعة للحكومة السورية كعقابٍ لها على استخدامها الأسلحة الكيماوية، وفي إطار مد الجهود العسكرية الأميركية في سوريا . وعند سؤاله عما إذا كان الرد الأميركي المحتمل على شن أي هجوم في إدلب، سواء باستخدام أسلحة كيماوية أو لا، سيتضمن شن ضربات جوية، أجاب جيفري: "طلبنا مراراً السماح لنا بتنفيذ ذلك.. وسيكون ذلك واحداً" من طرق الرد.     

وأضاف: "إنَّنا من بعض النواحي على أعتاب مرحلة جديدة، تجد فيها قوات من دول مختلفة تواجه بعضها" بدلاً من السعي وراء أهدافها المنفصلة، مُعدِّداً دول روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وإسرائيل، التي شنَّت ضرباتها الخاصة ضد القوات المرتبطة بإيران داخل سوريا. 

واختتم حديثه قائلاً: "الآن، كلٌ منها حقق مهمته الأساسية" هناك، لكن "لا أحد راضٍ عن الوضع في سوريا".

علامات:
تحميل المزيد