أقرَّ سجن كوريدالوس، عالي التأمين في اليونان، بأنَّ السباحة السورية سارة مارديني نزيلة في السجن الاستثنائيات. حيث تم احتجاز اللاجئة البطلة في صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان في الجناح النسائي للسجن، بتُهمٍ جدية مثيرة للحيرة.
وقالت صحيفة The Guardian البريطانية، إن الفتاة البالغة من العمر 23 عاماً، التي أنقذت حياة 18 لاجئاً في عام 2015 عن طريق السباحة بقاربهم المشبع بالمياه إلى شواطئ ليسبوس بمساعدة شقيقتها البطلة الأولمبية، متهمة بتهريب البشر والتجسس والانتماء إلى منظمة إجرامية، وهي جرائم يُزعم أنَّها ارتُكبت منذ عودتها إلى العمل مع منظمة غير حكومية في الجزيرة.
وبموجب القانون اليوناني، يمكن احتجاز مارديني حتى المحاكمة لمدة تصل إلى 18 شهراً.
وقال محاميها هاريس بيتسالنيكوس، الذي قدَّم التماساً لإطلاق سراحها: "إنَّها في حالة من عدم التصديق. تهدف الاتهامات بشكل أكبر لتجريم العمل الإنساني، سارة لم تكن هنا حتى عندما وقعت هذه الجرائم المزعومة، لكنَّها اتهامات خطيرة، وربما أخطر اتهامات يمكن أن يواجهها أي عامل إغاثة على الإطلاق".
وبسبب احتجاز السباحة السورية سارة مارديني.. سوف ينتج المخرج البريطاني ستيفن دالدري فيلماً عنها
كان يمكن لوصول سارة إلى أوروبا ألا يلاحظه أحد، لولا الشجاعة غير العادية التي أظهرتها هي وشقيقتها الصغرى يسرا، في مساعدة قاربهم للوصول إلى بر الأمان، بعد فشل المحرك أثناء السفر من تركيا. كلتاهما سباحتان من الدرجة الأولى. وشاركت يسرا في أولمبياد ريو 2016.
ويعود الفضل للشقيقتين، الذي يرتكز الفيلم القادم للمخرج البريطاني ستيفن دالدري على قصتهما، في إنقاذ أرواح رفاقهما ركاب القارب. وفي ألمانيا، بلد اللجوء، كانتا تُعاملان معاملة النجوم.
وبسبب قصتهما الملهمة تَواصل المركز الدولي للاستجابة للطوارئ في ليسبوس مع سارة. الذي ذكر بعد أن وافقت سارة على الانضمام إلى صفوفه في عام 2016: "بعد المخاطرة بحياتها لإنقاذ 18 شخصاً… لم تعد فقط إلى موقع الحدث، بل جاءت إلى هنا لضمان عدم فقدان المزيد من الأرواح في هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر".
بعد الانتهاء من مهمتها الأولى مع مركز الاستجابة، عادت مرةً أخرى إلى ليسبوس، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، للتطوع مع مجموعة الإغاثة. وحتى 21 أغسطس/آب، لم يكن هناك ما يشير إلى أنَّ فترة عملها الثانية لم تسر على ما يرام.
لكن ذلك لم يمنع السلطات اليونانية من القبض عليها بتهمة تهريب البشر
وبينما كانت تنتظر سارة في مطار ميتيليني للعودة إلى ألمانيا، وللمنحة الدراسية في كلية بارد في برلين، أُلقي القبض عليها.
بعد ذلك بوقتٍ قصير، اعتقلت الشرطة أيضاً المدير الميداني لمركز الاستجابة، ناسوس كاراكيتسوس، وهو ضابط سابق في القوات البحرية اليونانية ، وشون بيندر، وهو طالب ألماني ولد في أيرلندا، يدرس أيضاً في بارد. واعترض الثلاثة على التهم المنسوبة إليهم.
تأتي هذه الاعتقالات في الوقت الذي تتصاعد فيه بوادر حملة عالمية ضد شبكات التضامن والإغاثة. من روسيا إلى إسبانيا، يتعرض العاملون الأوروبيون في مجال حقوق الإنسان على نحوٍ متزايد إلى ما وصفه المدافعون عنهم بمحاولةٍ شريرة لإسكات المجتمع المدني بذريعة الأمن.
وقال جوناثان كوبر، المحامي الدولي في مجال حقوق الإنسان في لندن: "هناك تخوف من أنَّ هذا مثال آخر على إغلاق الدول لمنظمات المجتمع المدني. ما نشهده حقاً هو استخدام السلطات اليونانية لسارة لإرسال رسالة مقلقة للغاية، مفادها أنَّه إذا تطوعت للعمل في مجال اللاجئين، فإنك تقوم بذلك على مسؤوليتك وتخاطر بنفسك".
لكن وسط مخاوف من تكتيكاتٍ شديدة الوطأة يواجهها العاملون في المجال الإنساني، تقول الشرطة اليونانية إنَّ هناك آخرين يرون جانباً مظلماً للقصة، يتعلق بالاتجار بالبشر وخداع المتطوعين الشباب للمشاركة في شبكة إجرامية عن غير قصد. في هذا السيناريو، فإنَّ الأختين سارة ويسرا قد تكونان هدفين مهمين لهذه الشبكات.
ورغم عملها في منظمة غير قابلة للربح فإن السلطات وجَّهت لها تهم التَّربح
قضت الشرطة اليونانية ستة أشهر في التحقيق في هذه القضية. وسافر المحققون إلى ليسبوس من أثينا وتيسالونيكي.
وفي بيانٍ طويل ومفصل بشكلٍ غير عادي الأسبوع الماضي، قالت شرطة ميتيليني إنَّه في الوقت الذي تتصرف فيه كمنظمة غير هادفة للربح، عمل المركز الدولي للاستجابة للطوارئ لغرض وحيد، وهو التربح من خلال جلب الأشخاص بطريقة غير مشروعة إلى اليونان، عبر جزر بحر إيجه الشمالية الشرقية.
وقالت الشرطة إنَّ الأعضاء قاموا باعتراض الإرسال الإذاعي لقوات خفر السواحل اليونانية والأوروبية، للحصول على إخطارٍ مسبق بموقع زوارق المهربين، وإنَّ 30 منهم، معظمهم من جنسياتٍ أجنبية، استُجوِبوا فيما يتعلق بالأنشطة المزعومة.
وأضافت الشرطة أنَّ "منظمات مماثلة" أخرى تعاونت أيضاً فيما وُصف بأنَّه "خطة غير رسمية لمواجهة حالات الطوارئ".
أُثيرت الشكوك في بادئ الأمر، حسبما ذكرت الشرطة، عندما أُوقفت سارة وبيندر، في فبراير/شباط، حيثُ كانا يقودان سيارة دفع رباعي عسكرية سابقة تحمل لوحاتٍ مزيفة. ولم يُذكر اسم مركز الاستجابة حتى صدور أوراق الاتهام للشخصين ولكاراكيتسوس.
كانت ليسبوس دائماً في الخطوط الأمامية لأزمة اللاجئين، تجذب الأشخاص المثاليين والمتطوعين. وحتى حدوث الانخفاض الكبير في أعداد الهجرة عبر شرق البحر المتوسط، في مارس/آذار 2016، عندما وُقِّعَ على اتفاقٍ تاريخي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، كانت الجزيرة نقطة الدخول الرئيسية إلى أوروبا.
وتعمل أكثر من 100 منظمة غير حكومية في اليونان، تضم آلاف المتطوعين
وتشير التقديرات إلى وجود 114 منظمة غير حكومية و7356 متطوعاً في ليسبوس، وفقاً للسلطات اليونانية. ويتحدث المسؤولون المحليون عن نوعٍ من "الصناعة"، ومع وجود أكثر من 10 آلاف لاجئ هناك، والحالة المزاجية في وضع الغليان، تنتشر الاتهامات ضد المنظمات غير الحكومية التي تعمل كـ"عامل جذب".
وقالت أوشيان فراي، زميلة سارة التي عملت بجانبها في عيادة يومية في مركز استقبال اللاجئين، في شهر يونيو/حزيران: "كان دافع سارة للعودة هذا العام إنسانياً بحتاً. لم يكن هناك أي مؤشر في أي وقتٍ من الأوقات على نشاطٍ غير قانوني للمجموعة… لكن يمكنني أن أشهد على حقيقة أنَّه، بخلاف اجتماعنا الأول للانضمام للمجموعة، لم يلتق أيٌّ من المتطوعين بقيادتها أو يتفاعل معها".
وقال سبايروس جالينوس، رئيس بلدية ليسبوس، إنَّه رأى أموراً "جيدة وسيئة" في الحركة الإنسانية، منذ بداية أزمة اللاجئين.
وأضاف: "كل شيء ممكن. لا شك في أنَّ بعض المنظمات غير الحكومية قد استغلت الوضع. كان إعلان الشرطة قاسياً بشكلٍ غير معتاد.
ولفترةٍ طويلة، كنت أقول إنَّنا لا نحتاج إلى كل هذه المنظمات غير الحكومية. عندما اندلعت الأزمة كانت الدولة حقاً غير مهيأة بشكلٍ مؤسف، ولهذا كنا نحتاجها، لكنَّ الوضع اختلف الآن".
كانت محاولات التواصل مع المركز الدولي للاستجابة للطوارئ غير ناجحة.
ولا يبدو أنَّ رقم الهاتف أو عنوان المكتب، الذي يقود إلى مبنى وضيع بوسط المدينة، ووضعته مجموعة الإغاثة على الشبكات الاجتماعية، له أي علاقة بهم.
وفي بيانٍ صدر بعد مرور أكثر من أسبوع على إلقاء القبض على سارة، أنكر المركز الدولي للاستجابة للطوارئ هذه المزاعم، قائلاً إنَّه وقع ضحية "ادعاءاتٍ وتهم لا أساس لها من الصحة"، لكنَّه لم يذكر أي شيء عن سارة.
ويقول آمد خان، وهو ممول في نيويورك وأصبح أحد المتبرعين في مجال العمل الخيري، وكان قد تبرع للمركز بقوارب لعمليات البحث والإنقاذ: "الأمر غير منطقي على الإطلاق". اتهام أي واحدٍ منهم بالاتجار بالبشر شيء من الجنون. في أوروبا الحصينة اليوم، يجب عليك أن تتساءل ما إذا كانت بروكسل مسؤولةً عن هذا، وما إذا لم يكن هذا جهداً متضافراً لتثبيط المتطوعين من المجتمع المدني الذين يحاولون المساعدة فقط. ففي النهاية، نحن نتحدث عن منظمات شعبية ذات قيم عالمية دخلت إلى الساحة التي تركتها السلطات حين فشلت في تأدية عملها".
وشكَّلت ليسبوس نقطة عبور رئيسية إلى الاتحاد الأوروبي، منذ بدء أزمة الهجرة التي واجهها التكتل عام 2015. وفي أوج الأزمة، وصل نحو 5000 مهاجر ولاجئ، معظمهم من سوريا إلى شواطئ الجزيرة يومياً.
وتعتبر الجزيرة حالياً مكان تركز أكبر عدد من المهاجرين في اليونان، حيث تعد ظروف مخيم موريا الذي يقيم فيه أكثر من 8300 شخص، بحسب الأمم المتحدة، الأسوأ؛ إذ يتجاوز عدد المقيمين فيه قدرته الاستيعابية بثلاثة أضعاف.
وينتظر معظم طالبي اللجوء أشهراً ليتم النظر في طلباتهم. ويعيش هؤلاء في ظروف مزرية، وكثيراً ما يشهد المخيم اندلاع أعمال عنف.
وفي وقت سابق من هذا العام (2018)، اتهمت السلطات ثلاثة من الإسبان ودنماركيَّين اثنين، بمساعدة المهاجرين على دخول اليونان بطريقة غير شرعية، لكن محكمة برّأتهم في مايو/أيار 2018.