انقلب على روحاني بعد أن تحالف معه، وتفوق على ظريف بسياسته.. هذا هو الرجل الذي يدير السياسة الخارجية لإيران فعلياً

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/05 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/05 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
Iranian President Hassan Rouhani (R) and Foreign Minister Mohammad Javad Zarif attend a meeting with Muslim leaders and scholars in Hyderabad, India, February 15, 2018. REUTERS/Danish Siddiqui

شغل محمد جواد ظريف منصب وزير الخارجية الإيراني للسنوات الخمس الأخيرة. وفي هذه الفترة أصبح وجهاً مألوفاً في الغرب، واكتسب سمعةً بصفته واحداً من أهم الأشخاص الذين يمكن الحديث معهم لحل أي خلاف مع طهران. ومما ساعد على ذلك أنه تلقَّى دراساته العليا في جامعة كولورادو الأميركية، واكتسب بذلك طلاقة في الإنكليزية، وأن لديه سمعة بكونه واحداً من الشخصيات البارزة في معسكر المسؤولين الإصلاحيين في إيران.

ومع ذلك، فقد تضاءل نفوذ ظريف، خلال العامين السابقين، بشكل كبير. وعلى الرغم من استمراره في جولات محادثاته في الغرب، فقد حلَّت محلَّه في ملفات السياسة الخارجية الأهم لطهران، بما في ذلك الحضور الإيراني في العراق وسوريا واليمن، شخصية أهدأ لكن أكثر نفوذاً، وهو علي أكبر ولايتي، المستشار طويل الأمد في السياسة الخارجية للمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، بحسب ما نشرته مجلة Foreign Policy الأميركية.

إنَّ أي شخص مهتم بفهم استراتيجية السياسة الخارجية الحالية لإيران سوف يكون أفضل حالاً لو درس ما كان ولايتي يقوله في الداخل وخلال رحلاته المتكررة باضطراد في المنطقة. وسوف يتمثل التحدي الحرج بالنسبة للغرب في استيعاب الرؤى المحافظة لولايتي، وهي رؤى متميزة عن براغماتية ظريف وعدوانية مُتطرِّفي إيران.

وعلى الرغم من أنَّ ولايتي غير معروف نسبياً في الخارج، فإنه كان طرفاً أساسياً في السياسة الإيرانية في فترة ما بعد الثورة. وقد درس ولايتي، مثل ظريف، في جامعةٍ بالولايات المتحدة، حيث درس الطب بجامعة جونز هوبكنز خلال الستينيات. ومع ذلك، وبخلاف ظريف، فقد رفض ولايتي بشكل كبير العادات الثقافية وأساليب الحياة الأميركية ولم يندمج معها. وبعد الإطاحة بالشاه، انضمَّ للحكومة فوراً، ليصبح في نهاية المطاف وزير الخارجية الأطول خدمة في الجمهورية الإسلامية، إذ شغل منصبه لمدة 16عاماً بدءاً من عام 1981. وانتهت فترته عام 1997 عندما فاز الإصلاحي محمد خاتمي، الذي كان يريد تعميق علاقاته بالغرب، بالانتخابات الرئاسية. وحينها عيَّنه خامنئي مستشاراً شخصياً له للشؤون الدولية.

هكذا أصبح كل من ولايتي وروحاني حليفين مناسبين

وفي عام 2013، خرج ولايتي من دوره الاستشاري للتنافس على منصب الرئاسة. وخلال هذا السباق، ظهرت ملامح ملفه السياسي للجمهور للمرة الأولى. كان ولايتي في الأساس جزءاً من ائتلاف فضفاض من المُرشَّحين المحافظين المعارضين للمُرشَّح المعتدل حسن روحاني، والمُرشَّح الإصلاحي محمد رضا عارف. لكنه أصبح هدفاً لغضب تحالفه نفسه خلال الحملة. إذ شنَّ زميلاه المتسابقان الرئاسيان المحافظان سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف هجوماً عليه، لدوره في العقد السابق، وسعيه لعقد محادثات نووية مع الغرب، رابطين سجل سياسته الخارجية السابق بسياسة روحاني. وكذا فقد أصبح كل من ولايتي وروحاني حليفين مناسبين، فدافع كلاهما عن الآخر ضد المُتشدِّدين الذين عارضوا أي محادثات مع الغرب على الإطلاق. وفي النهاية رجع ولايتي عن وعده بالانسحاب لصالح المُرشَّح الأول في الائتلاف المحافظ، قاليباف، ما أدى إلى تقسيم الأصوات المحافظة لمصلحة روحاني.

علي أكبر ولايتي المستشار طويل الأمد في السياسة الخارجية للمرشد الأعلى
علي أكبر ولايتي المستشار طويل الأمد في السياسة الخارجية للمرشد الأعلى

بعد فوز روحاني عام 2013، نبذ المُتشدِّدون ولايتي، ونعتوه بالخائن، وزاد قبول الإصلاحيين والمعتدلين له. وفي وقتٍ لاحق من ذلك العام، عيَّن الرئيس الإيراني الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ولايتي رئيس مركز الأبحاث الإيراني البارز، مركز الأبحاث الاستراتيجية. ومن هذا المنصب، دافع ولايتي بشكلٍ بارز عن المفاوضات النووية المباشرة لظريف مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فقد تغيَّرت مواقف ولايتي في السنوات الأخيرة مرةً أخرى. ففي أعقاب موت رفسنجاني عام 2017، اختير ولايتي ليحل محله رئيساً لمجلس أمناء جامعة آزاد الإسلامية، أكبر مؤسسة أكاديمية في البلاد، والملاذ التقليدي للإصلاحيين. وفور توليه منصبه، أجرى عملية تطهير طرد فيها معظم مسؤولي الجامعة الذين كانوا موالين لرفسنجاني. ثم أقال قائمةً طويلة من الأساتذة الإصلاحيين، على الرغم من المظاهرات العامة المتزايدة.

فوز ترمب غيَّر موقف ولايتي

وبعد انتخاب دونالد ترمب في الولايات المتحدة، تغيَّر موقف ولايتي أيضاً من الاتفاق النووي مع الغرب -المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة- إذ بدأ في مقارنتها علناً بمعاهدتين سيئتي السمعة في القرن التاسع عشر، أجبرتا إيران على التنازل عن المناطق التي تضم، في يومنا الحالي، داغستان وشرقي جورجيا وأذربيجان وأرمينيا. وقال ولايتي، في 31 مايو/أيار: "إنَّ المشكلة الأخرى لخطة العمل الشاملة المشتركة كانت عدم وجود نسخة فارسية للاتفاق، وهو ما يجعل أحد الطرفين يشعر بالإهانة. حتى معاهدتا كلستان وتركمانجاي بكل ما فيهما من إذلال كانت لهما نسخة فارسية".

وفي الخطبة ذاتها، كرَّرَ ولايتي أيضاً شعارات المُتشدِّدين ضد الاتفاق، بينما هاجم استعداد روحاني للتفاوض من موقف ضعف وسط عقوبات دولية. وقال ولايتي: "فيما يتعلَّق بموضوع خطة العمل الشاملة المشتركة، ربطوا مياه الناس وخبزهم بها وأغلقوا البلاد. حقنوا المجتمع بخيبة الأمل والقنوط، وقالوا لهم إنَّ علينا التفاوض لحل المشكلات".

لو كان طموح ولايتي يتمثَّل في حيازة رضا المحافظين والمُتشدِّدين مرة أخرى، فقد نجح. إذ قال حميد رضا مقدم، أحد المُتشدِّدين المشهورين والرئيس السابق لوكالة فارس الإخبارية، في 19 أغسطس/آب، إنه لا ينبغي لأحد التشكيك في مؤهلات ولايتي الثورية. وقال: "بخلاف ما نُسِبَ إلى ولايتي في انتخابات 2013، فهو شخصية ثورية. إنني لم أفترض أنه على الرغم من الاعتراف به دبلوماسياً، سوف يكون له مثل هذا الحماس للثورة الإسلامية".

تراجع ظريف وتقدم ولايتي

انقلب ولايتي على روحاني، في الوقت الذي كانت فيه إدارة الأخير تفقد الدعم من كل من النخب السياسية الإيرانية والجمهور الأوسع. ومنذ خروج ترمب من الاتفاق النووي، في شهر مايو/أيار، وهذا الاتفاق على شفا الانهيار، وخسر المنهج المعتدل في السياسة الخارجية لكل من روحاني وظريف مصداقيته. وبحسب استطلاعات رأي أجرتها جامعة ميريلاند، فإنَّ معدلات قبول ظريف في إيران قد تناقصت من 78% عام 2016 إلى 43% عام 2017. وفي غضون ذلك، يقول 61% من الإيرانيين إنَّ لديهم رؤى إيجابية للغاية في قائد قوة القدس شبه العسكرية، قاسم سليماني.

وبعد أن نجح ولايتي في تنظيف سمعته بعد الدعم السابق لروحاني، مُنِحَ دوراً أكثر بروزاً في تشكيل سياسة إيران في الشرق الأوسط. إذ أُرسِلَ مراراً إلى مناطق الصراع والعواصم في المنطقة، حتى عندما كان ذلك يتعارض مع السياسات المفضلة لروحاني في سوريا واليمن.

وبخلاف ظريف، فإنَّ ولايتي لا يعطي الكثير من المؤشرات على اهتمامه بالتفاوض مع أي شخص -لا مع خصوم إيران ولا حتى مع حلفائها المزعومين- حول سلام مقبول من الطرفين. إذ قال ولايتي لشبكة RT الروسية، في 18 يوليو/تموز: "سوف تترك إيران دمشق فقط بطلب من سوريا. لن تغير إيران من سياساتها الاستراتيجية في المنطقة، وكما ساعدت سوريا والعراق، فسوف تساعد اليمن لو أرادت ذلك".

الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماعه مع ولايتي
الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماعه مع ولايتي

ومن الواضح أيضاً أنَّ الأولويات الجيوسياسية الأوسع لولايتي تختلف بشكل كبير عن أولويات ظريف، كما عكَسَت ذلك الزيارات الأخيرة للصين وروسيا، لتعميق الروابط مع هذين البلدين، وهي رحلات انتقدتها وسائل الإعلام الإصلاحية بشدة، لطغيانها على جهود وزير الخارجية لتعميق الروابط مع القوى الأوروبية. وفي القلب من استراتيجية ولايتي هناك تشكُّكٌ عميقٌ ناحية الغرب (ويرجع جزءٌ من ذلك إلى أنَّ الغرب قد أثبت عدم كونه جديراً بالثقة أيضاً، لكن أيضاً لأنَّ قوة الغرب في انحدار عموماً)، مصحوب باعتقاد أنَّ إيران ينبغي لها السعي وراء حلفاء أقوياء في أي مكان آخر، وأنَّ بإمكانها إيجاد هؤلاء الحلفاء، لكن دون المخاطرة باستقلال استراتيجية سياستها الخارجية. هذا الموقف ظاهر في التشكك الذي عبَّر عنه ولايتي علناً، في أنَّ أوروبا تستطيع تنفيذ وعودها بالحفاظ على الاتفاقية النووية. إذ قال في لقاء صحافي، في الـ20 من شهر مايو/أيار، حول المفاوضين الأوروبيين النوويين: "إنَّ الحديث المتناقض للمسؤولين الأوروبيين يجعلنا نشك فيهم".

أحياناً يصف ولايتي هذا الأمر بأن إيران بحاجة للعودة إلى الشرق بدلاً من الغرب. إذ قال في خطاب مختلف ألقاه في شهر مايو/أيار: "إنَّ النظرة الاستراتيجية للشرق هي أسهل شيء يمكننا فعله للتخلص من ألعاب الغموض الأوروبية. ينبغي ألا نتأثر بالمتغربين الذين يحبون باريس أكثر مما يحبون موسكو". كما دافع ولايتي بشكل منسق ضد روايةٍ طُرِحَت في وسائل الإعلام الإصلاحية، تقول بأنَّ روسيا قد طعنت إيران من الخلف حول المستقبل في سوريا، فقال في الخطاب ذاته: "إنَّ مصالحنا القومية ومصالح روسيا والصين تتداخل في العديد من القضايا، ويمكننا العمل معاً. إنَّ روسيا غير قادرة على إجبار إيران على فعل شيء ما، ولا تخطط لذلك. لقد عملنا مع هذا البلد في مجالات الدفاع، وقد أعطونا كل شيء طلبناه، بشكل أو بآخر".

لم يعد بإمكان ولايتي الزعم بأنه شخصية خلف الكواليس. إذ حاز ولايتي سلطةً لنفسه من خلال التسييس العلني، تملُّق المُتشدِّدين ودفع حلفائه السابقين، روحاني وظريف. وقد سمح هذا الأمر لروحاني وظريف بالرد من خلال الترويج العلني للحاجة إلى سياسة خارجية براغماتية، تحاول التعاون مع أوروبا لإنقاذ الاتفاقية النووية، والعمل التعاوني مع الغرب في المنطقة. إذ قال روحاني، قبل مغادرته إيران لجولته الأوروبية في شهر يوليو/تموز: "ثمة بعض المواضيع الإقليمية التي تكلمنا حولها في أوروبا، وسوف نستمر في هذه المحادثات حول الدور الذي يمكن لإيران الاضطلاع به في استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط بأكملها، بما في ذلك سوريا واليمن". وفي غضون ذلك، زعم نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، عباس أراغشي، أنَّ ثمة محادثات جارية حالياً بين إيران وأوروبا لحل الأزمة في اليمن.

لكن لكي تنجح هذه المحادثات في اليمن، وتنجح في نهاية المطاف في سوريا، فإنَّ روحاني وظريف سوف يحتاجان إلى الفوز بدعم المُتشكِّكين في المؤسسة السياسية الإيرانية، وسوف يتطلَّب هذا الأمر أولاً تحقيق النجاح في إعادة تأهيل الاتفاق النووي مع أوروبا، وفتح مكاسبه الاقتصادية الموعودة منذ وقت طويل. وبهذا المعنى، فالأمر راجع للمسؤولين في أوروبا ليقرِّروا مَن يفضلون التعامل معه في طهران على المدى الطويل، وإذا ما كان الصعود السياسي لولايتي يبلغ مداه في أي وقتٍ قريب.

علامات:
تحميل المزيد