الصحف المستقلة هي الخاسر الأكبر.. كيف تهدد العقوبات الأميركية أصوات المعتدلين في إيران؟

"إذا استمرت العقوبات الأمريكية ضد إيران على هذا المنوال حتى نهاية العام، فإن أغلب صحف البلاد المستقلة سوف تغلق أبوابها"

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/05 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/05 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش

"إذا استمر الحال هكذا إلى نهاية العام، فأغلب الصحف المستقلة ستغلق أبوابها"، بتلك الكلمات بدأ منصور مظفري، رئيس تحرير جريدة "آفتاب يزد"، حديثه لـ"عربي بوست" عن أزمة الصحف الإيرانية الحالية.

قبل قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران في مايو/أيار الماضي، بدأ سعر صرف الدولار في الارتفاع أمام الريال الإيراني، ما أثر على استيراد أغلب السلع الأساسية التي منها الورق المستخدم في طباعة الصحف.

زادت أسعار الورق في الآونة الأخيرة بشكل مبالغ فيه، ولم تستطع الصحف المستقلة شراء ورق الطباعة للمحافظة على مواعيد النشر، فاضطر البعض منها إلى الإغلاق تماماً، أو تقليل عدد صفحات الجريدة.

يقول الصحافي الإيراني "رامين حيدري" لـ"عربي بوست": "منذ بداية أزمة العملة الإيرانية ووضع الصحف في انهيار مستمر، فعلى سبيل المثال صحيفة "همشري"، الصحيفة الأشهر والأكثر تداولاً في إيران، اضطرت إلى إلغاء 8 صفحات من عددها اليومي بسبب أزمة الورق.

الأسوأ من تقليص عدد الصفحات أن هناك مَن اضطر إلى إغلاق الصحيفة بشكل نهائي مثل صحيفة "همبسكتي" الإصلاحية، بينما اضطرت صحيفة "هفت صبح" إلى رفع ثمن الجريدة فأصبح 20 ألف ريال بدلاً من ألفي ريال.

هروب الأموال من طهران.. نحو 100 شركة تنوي مغادرة إيران بعد العقوبات الأميركية

طالت الأزمة حتى أقدم الصحف الإيرانية والتي تتمتع بشعبية كبيرة بين الإيرانيين، ولم يسبق لها التعرض للإغلاق أو الأزمات بهذا الشكل، فاضطرت صحيفة "اطلاعات" إلى التوقف عن نشر مجلتها الرياضية التي يبلغ عمرها 50 عاماً.

الفساد وراء تلك الأزمة

نشرت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية تقريراً يفيد بأن التجار الفاسدين هم من يقفون وراء تلك الأزمة التي تطيح بالصحف الإيرانية، فتناولت الصحيفة في تقريرها أن في عام 2017 كان سعر الكيلوغرام الواحد من الورق يبلغ حوالي 32 ألف ريال إيراني، بينما ارتفعت الأسعار في العام الحالي لتصل إلى 70 ألف ريال للكيلوغرام.

فلجأت الحكومة إلى دعم مستوردي الورق وشملتهم ضمن برنامج السولار المدعم على أساس أن الورق من السلع الأساسية وعدم حدوث أزمات في سوق الصحافة، يستورد التجار الورق وبدلاً من طرحه في الأسواق بأسعار معقولة، تم بيعه إلى مطاعم الوجبات الجاهزة التي تحتاج الورق لتغليف الساندوتشات.

ولجأ بعض التجار إلى احتكار كميات كبيرة من الورق وطرحها بأسعار باهظة للغاية، لن تقدر الصحف على دفعها.

نفد مخزون الورق

تستهلك إيران نحو 400 ألف طن من الورق لطباعة الصحف والكتب، والإنتاج المحلي للورق ضعيف للغاية ولا يتمتع بجودة جيدة.

"الصحف على شفا الانهيار ونفد مخزون الورق"، كانت تلك كلمات غلام رضا الرئيس التنفيذي للمطابع الإيرانية تعليقاً على أزمة الورق الحالية.

يقول غلام إن إيران تعتمد على الصين بشكل كبير في استيراد ورق الطباعة، ولكن أغلقت الصين عدد من مصانعها في الآونة الأخيرة بسبب التلوث ما أدى إلى ارتفاع أسعار الورق في العالم أجمع، ولكن زادت الأمور تعقيداً في إيران بسبب العقوبات الأميركية وانهيار العملة.

حاولت الحكومة احتواء المشكلة وأعلنت وزارة الصناعة استمرار دعمها مستوردي الورق، وأحقيتهم في برنامج السولار المدعم من الحكومة، كما أصدرت الوزارة أمراً باستيراد 20 ألف طن من الورق على الفور لمعالجة تلك الأزمة.

لكن يرى مهدي رحمانيان، رئيس تحرير جريدة "شرق"، أن كل محاولات الحكومة للسيطرة على الأزمة محكوم عليها بالفشل طالما هناك استمرار لغياب الإشراف الحكومي على تجار الورق.

النسخ الإلكترونية بمقابل مادي

لجأت بعض الصحف الإيرانية إلى طرح نسختها الإلكترونية بمقابل مادي للتحايل على الأزمة، ومحاولة لضمان استمرار طبع النسخ الورقية.

وكانت جريدة "شرق" أول الصحف التي استخدمت تلك الحيلة، فمنذ عدة أيام قليلة نشرت بياناً على موقعها الإلكتروني توضح فيه الأمر، وجاء في مختصر البيان "إنه نظراً للأزمة الراهنة وحرصاً من الجريدة على الاستمرارية بنفس الجودة والكفاءة، فإننا نعلن بدء إتاحة المحتوى الإلكتروني بمقابل مادي".

وطلبت الجريدة من القراء الاشتراك لمساعدتها في استمرار النشر وعدم التوقف.

لكن رأى البعض أن هذا الأمر لن يجدي نفعاً في الظروف الاقتصادية للإيرانيين سيئة ولا تسمح بدفع مزيد من الأموال، ورداً على هذا الرأي قال رئيس تحرير جريدة شرق "مهدي رحمانيان" في تصريحه لوكالة إيسنا الإخبارية: "إننا نعلم أن الأزمة الاقتصادية طالت الجميع، لكننا نريد الاستمرار ولا ندري ما نفعل".

موت الصحافة المستقلة

جريدة "آفتاب يزد" واحدة من أهم الصحف الإصلاحية المستقلة في إيران، وكانت تطبع منها حوالي 10 آلاف نسخة، وأجبرتها أزمة الورق الحالية على تقليل عدد نسخها المطروحة في الأسواق لتصل إلى 6 آلاف نسخة.

ويرى مظفري، رئيس تحرير الجريدة، أن الصحف المستقلة فقط هي من تعاني من تلك الأزمة، فيقول: "الصحف الحكومية لديها مخزون كافٍ من الورق وفرته لها الحكومة منذ نهاية العام الماضي، لكن الصحف المستقلة هي الأكثر تضرراً من تلك الأزمة"، ويضيف مظفري: "ليست لدينا أموال كافية لشراء الورق من حفنة من التجار الفاسدين".

ويخشى مظفري من فقدان الإيرانيين لأكثر الصحف شعبية وثقة في الأيام التالية.


ليست فقط مجرد عقوبات للتهديد.. الأمر أكبر من ذلك.. هذا هو الهدف الرئيسي من العقوبات الأمريكية على إيران