أصدرت مجموعة مكونة من 15 مسؤولاً ينتمون إلى أحزاب صغيرة في الجزائر دعوة إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للترشح لعهدة رئاسية خامسة في 2019. إليكم هذا التحقيق حول هؤلاء المناصرين الذين ظهروا في اللحظات الأخيرة.
ويوضح تقرير لصحيفة Jeune Afrique الفرنسية، أنه في الصورة الجماعية التي تم التقاطها لهم يوم 15 أغسطس/آب 2018 في الجزائر العاصمة، يظهر أن عددهم 15، حيث شارك في الصورة 15 مسؤولاً من هذه الأحزاب السياسية التي تمتلك شعبية ضعيفة جداً، وقد اجتمعت للدفاع عن هدف مشترك؛ وهو ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة.
الجميع يسارع نحو تقديم "فروض الولاء" لشخص بوتفليقة
وخلال مؤتمر صحافي، قال بلقاسم ساحلي، الأمين العام لحزب التحالف الوطني الجمهوري: "إن الجزائر تحتاج إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من أجل رفع التحديات المرتبطة بتعميق الإصلاحات، في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسة الخارجية".
ومن بين هؤلاء المسؤولين الـ15، هنالك قلة تُعَد على الأصابع من الذين قابلوا فعلاً بوتفليقة مرة واحدة على الأقل خلال مسيرتهم. ومن بين هؤلاء أيضاً، لا يوجد أي مسؤول قادر على إعطاء تفاصيل عن البرنامج الذين يستندون إليه في رغبتهم في الإبقاء على بوتفليقة على رأس الدولة، على الرغم من تقدُّمه في السن وتردي حالته الصحية!
ولذلك، يعلق أحد متابعي الشأن الجزائري بالقول: "اليوم الجميع يسارع نحو تقديم فروض الولاء لشخص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وليس لدعم برنامج معين. وكلما واصل الرئيس انتهاج سياسة الصمت حيال نواياه، تزايد عدد الأنصار المناشدين له للترشح لعهدة رئاسية جديدة، وهدف هؤلاء هو الانضمام إلى الجوقة التي تطالبه بمواصلة مهمته باسم الاستمرارية والاستقرار".
وكلهم يحاولون إثبات قربهم من الرئيس
وفي أوساط الشخصيات السياسية التي دارت أو تدور حالياً في فلك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، يسعى الجميع إلى إثبات قربهم من الرئيس. بعضهم يتباهى بصداقته ومُرافقته، في حين يسعى آخرون إلى تأكيد أنه يستمع إلى آرائهم، ولكن هؤلاء عددهم في الحقيقة أقل بكثير مما يدعون.
إذ إن هنالك عدداً قليلاً من الشخصيات السياسية في الجزائر التي لا تزال تسمح لها الفرصة بتناول الشاي مع الرئيس، حيث إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ وصوله للرئاسة في 1999، شكَّل حول نفسه، سواء عن قصد أو بسبب طبيعة منصبه، جوقة من الخدم والمخلصين الذين ينفذون أوامره ويغدقون عليه بالمديح ويقومون بتسليته.
ما جعل بوتفليقة محاطاً بـ"بلاط من التابعين"
ربما يكون إعجاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالأنظمة الملكية والأميرية في شبه الجزيرة العربية، التي قضى فيها سنوات من مسيرته خلال ثمانينيات القرن الماضي، أو ميله إلى الأنظمة التي يحكمها رئيس مدى الحياة، مثل معمر القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد، هو -بلا شك- من العوامل التي صنعت في ذهنه فكرة إحاطة نفسه ببلاط من التابعين له.
ويوضح أحد من يعرفون بوتفليقة هذا الأمر بالقول: "الذين يدورون في فلك السلطة فهموا هذا الأمر وتأقلموا معه، وأصبح الأمر عبارة عن تقديس للشخص، وكل من لا ينخرط في هذا العمل لا يحظى بالرضا". وفي السياق نفسه، يقول أحد الوزراء السابقين في الجزائر: "إن بوتفليقة ليس لديه أصدقاء؛ بل هم مجرد تابعين، وعندما لا يكون بحاجة لهم يتخلص منهم بكل بساطة".
هذا الأمر يشبه ما كان يحدث في بلاط الملوك خلال القرون الوسطى، حيث كانت تتم دعوة هؤلاء التابعين إلى طاولة الملك عندما يكون هنالك احتياج لهم. ويمكن اعتبار الوزراء الأُوَل الذين تعاقبوا خلال رئاسة بوتفليقة النموذج المعاصر لشخصيات البلاط.
وخير مثال على ذلك الوزراء الأُوَل الذين "استخدمهم"
فخلال 20 عاماً؛ استخدم بوتفليقة 7 وزراء أُوَل؛ هم: أحمد بن بيتور، وعلي بن فليس، وأحمد أويحيى، وعبد العزيز بلخادم، وعبد المالك سلال، وعبد المجيد تبون. ورغم أن هذا المنصب يمكّن صاحبه من العمل عن قرب مع رئيس الدولة، فإن بوتفليقة لم يسمح لكل هؤلاء بالانضمام إلى دائرة مقربيه.
وبشكل خاص، يحرص بوتفليقة على جعل رؤساء الحكومة غير بعيدين عن العقوبات والإقالة والإقصاء.
إذ إن أحمد بن بيتور، الذي ترأس الحكومة بين ديسمبر/كانون الأول 1999 وأغسطس/آب من سنة 2000، لم يلتقِ مجدداً بوتفليقة أو يحظ بأي منصب سياسي آخر. كما أن خليفته علي بن فليس تمت معاقبته؛ بسبب دخوله في صراع مع بوتفليقة وتجرُّؤه على اللجوء إلى المحكمة العليا. ومنذ تلك القطيعة بين الرجلين في مايو/أيار 2003، لم يجر أي لقاء أو اتصال بينهما، على الرغم من العلاقة الوطيدة التي جمعتهما في الماضي.
وإذا كان بن بيتور وبن فليس قد خرجا من بلاط بوتفليقة، فإن هنالك آخرين كانوا جاهزين ليحلوا محلهم.
ويعد عبد العزيز بلخادم واحداً من القليلين الذين عرفوا الرئيس منذ وقت طويل، وقد شغل بلخادم رئاسة الحكومة بين 2006 و2008، إلا أنه تم الاستغناء عن خدماته بين عشية وضحاها، ودون تقديم تفسيرات. هذا الرجل الذي شغل منصب الأمين العام لجبهة التحرير الوطني حتى سنة 2013، تم إقصاؤه بعد أن تجرأ على الظهور رفقة خصوم الرئيس. أما عبد المجيد تبون، الذي يعد أيضاً واحداً من الذين عرفوا بوتفليقة عن قرب وعايشوه سنوات طويلة خلال الفترة الصعبة التي مر بها، تمت الإطاحة به أيضاً من منصب رئاسة الحكومة في أغسطس/آب 2017، بعد 80 يوماً فقط من تقلده المنصب، وسرعان ما خرج من الباب الصغير.
ومنهم من أُقيل "دون كلمة شكر" رغم إخلاصه
يعد عبد المالك سلال واحداً من التابعين المخلصين لبوتفليقة على مدى أكثر من 4 سنوات، إلا أنه تمت إقالته في مايو/أيار 2017، دون توجيه كلمة شكر له من طرف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، على الرغم من أنه كان قد استعان به لإدارة حملاته الانتخابية الناجحة في 2004، و2009 و2014. وتشير بعض التفسيرات في الكواليس إلى أن بوتفليقة راودته شكوك حول اعتزام سلال منافسته على منصب الرئاسة.
أما الوزير الأول الحالي أحمد أويحيى، الذي يعد من أكبر العارفين بأسرار القصر الرئاسي ودهاليز الحكم في الجزائر، فهو يدرك جيداً أنه إذا أثيرت لدى الرئيس أية شكوك حول مدى ولائه، فإن هذا الأمر سيكلفه كثيراً. هذا الرجل الذي يحلم في سره بالوصول إلى قصر المرادية، لا يفوّت أية مناسبة لتجديد دعمه لبوتفليقة، وحتى عند طرح مسألة العهدة الخامسة، يسارع للتوقيع بكلتا يديه.
هنالك أيضاً إلى جانبه جمال ولد عباس، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، الذي لا يفوِّت أي مناسبة لادعاء أنه على اطلاع على أجندة الرئيس، وذلك رغم أنه لم يقابل بوتفليقة في أية مناسبة منذ تعيينه على رأس الحزب في أكتوبر/تشرين الأول 2016.
ويحرص رسامو الكاريكاتير في الجزائر على السخرية من هذا الرجل، عبر تصويره مع أنف أحمر في وجهه؛ من أجل الدلالة على تملقه ولعبه دور مهرج الملك.
لكن الوضع يختلف عندما يتعلق الأمر برئيس أركان الجيش
أما رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح، فعلى الرغم من أنه لم يكن قَط من المقربين من الرئيس، فإنه يعد من الشخصيات القليلة التي حظيت باحترامه ووفائه؛ إذ إنه واصل التمتع بدعم كامل من بوتفليقة منذ تعيينه على رأس الجيش في سنة 2004، حيث لم يحدث أن شك الرئيس في ولائه. وقد أكد أحد أصدقاء قايد صالح أن هذا الرجل حتى في خلوته مع مقربيه لا يجرؤ أبداً على انتقاد رئيس الدولة، حيث يكرر دائماً القول: "إنني مدين لبوتفليقة بكل شيء".
ودائماً ما يثني نائب وزير الدفاع على الماضي النضالي لبوتفليقة، وهو يشغل اليوم دوراً حيوياً في المشهد السياسي بالجزائر، من خلال ولائه للرئيس، ووقوفه سداً منيعاً أمام أي محاولة لعزل الرئيس من خلال تطبيق الفصل 102 من الدستور المعدل عام 2016، الذي ينص على أنه: "إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع".
وكلما ترشح بوتفليقة للانتخابات الرئاسية، سانده قايد صالح دون هوادة. ولذلك، يبقى هذا الرجل حليفاً مهماً، تعزَّز وزنه السياسي بعد سلسلة التغييرات التي شملت قادة المناطق العسكرية، إلى جانب هياكل أخرى في الجيش، وإدارة الشرطة والدرك.
والثقة الكاملة لا تحظى بها إلا العائلة
بحكم القرابة الدموية، فإن العائلة هي الطرف الوحيد الذي يحظى بالثقة الكاملة من بوتفليقة. ويأتي هذا بشكل خاص؛ لأن هذا الرجل ينظر بعدم ثقة وبنوع من الازدراء إلى الطبقة السياسية، ويفضل العيش بعيداً عنهم في إقامته في زرالدة على الساحل الغربي للعاصمة الجزائرية، وهو يعتمد على هذا المكان للجمع بين حياته الشخصية وممارسة مهامه الرئاسية، منذ إصابته بسكتة دماغية في 2013. وتتكون دائرة المقربين من الرئيس من شقيقيه سعيد وناصر، وشقيقته زهور.
وهؤلاء الثلاثة هم الوحيدون الذين يتمتعون بِحُرية الدخول المباشر إلى الرئيس في كل وقت ودون أي ضوابط. ويشار إلى أن شقيقته زهور، التي كانت تعمل في السابق قابلةً، تشرف على إدارة شؤون إقامة بوتفليقة وتحفظ أسراره، وتعمل على رعاية شقيقها، إلى درجة أنها ترافقه عند سفره للعلاج في الخارج.
رغم أن منهم من يعارض استمرار بوتفليقة في الرئاسة
وعكس شقيقيها سعيد وناصر، فإن زهور لا ترحب بفكرة ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة، حيث أسرَّ إلينا أحد أصدقائها بالقول: "إنها لم تكن في الأصل موافقة على ترشحه في سنة 2014، وهي ترغب في أن يغادر عبد العزيز المشهد السياسي بشكل مشرف، ويركن إلى الراحة وتلقي العلاج".
إلا أن هناك من يريده فيها للأبد
أما سعيد بوتفليقة الذي يشغل منصب المستشار الخاص للرئاسة، والذي تحدوه الرغبة في إطالة فترة حكم شقيقه إلى ما لا نهاية، فهو يبقى قناة الاتصال الحقيقية والوحيدة بين رئيس الدولة وبقية المؤسسات. فهو الوحيد الذي يستمع إليه بوتفليقة، وبحكم تأثيره المتزايد على الرئيس، أصبح بحكم الأمر الواقع في مرتبة الوَصِيّ على منصب الرئاسة. فهو ينقل التعليمات من بوتفليقة إلى الوزير الأول وأعضاء الحكومة والأطراف الأجنبية.
ويعزى هذا الواقع إلى المرض الذي أقعد الرئيس، إلى جانب انزوائه المتواصل في قصر زرالدة، بسبب المخاوف الأمنية؛ وهو ما أدى إلى الحد كثيراً من إشرافه بنفسه على مهامه. فعكس السنوات الماضية، لم يعد بوتفليقة يستقبل الوزير الأول وجهاً لوجه، كما أن لقاءاته مع أحمد قايد صالح باتت تتم على فترات زمنية متباعدة. أما بالنسبة للقاءاته مع الشخصيات الأجنبية، والتي يحرص التلفزيون الوطني الجزائري على تغطيتها بشكل مكثف، فإن آخر لقاء يعود إلى 3 أبريل/نيسان 2018، في أثناء زيارة رسمية أداها رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، إلى العاصمة الجزائرية.
والكل يسعى خلف المناصب
ولكن، لماذا تركض كل هذه الشخصيات والأحزاب وراء عهدة خامسة، إلى درجة أنها باتت مادة للتندر والسخرية لدى الرأي العام الجزائري؟ الإجابة هي أن من يشغلون حالياً مناصب بالدولة، يرغبون في الحفاظ عليها، أما الآخرون فإنهم يحلمون بالحصول على كرسي في إحدى الوزارات، أو بالمجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة. أي إنهم إما يريدون الدخول إلى دائرة النفوذ السياسي، وإما يريدون البقاء داخلها.
لهذا هم يحلمون بالاستفادة من البقاء في ظل الرئيس
ولكن هؤلاء الذين يناشدون بوتفليقة البقاء في السلطة، هل سيبقون إلى جانبه لو أنه تخلى عن ترشحه غداً؟
يقول أحد مقربي الرئيس وهو شخص نصحه في خريف سنة 2008 بعدم الترشح للعهدة الرئاسية الثالثة، إن بوتفليقة أجابه حينها بالقول: "إذا أعلنت أنني غير معنيٍّ بالترشح، فإنهم على استعداد لعدم إحضار الجرائد إلى مكتبي في الصباح…". وهكذا يبدو أن رئيس الجمهورية قد يتعرض للخطر في حالة تفكيره في الانسحاب.
لكن ماذا عن صحة الرئيس؟!
صدر بيان مقتضب، جاء فيه أن الرئيس الجزائري استقل الطائرة نحو سويسرا يوم الإثنين 27 أغسطس/آب 2018؛ من أجل إجراء فحوصات طبية دورية. ومثلما جرت العادة؛ لم تقدم مؤسسة الرئاسة أي تفاصيل إضافية، ولم تحدد طبيعة هذه الفحوصات أو العلاجات التي يتلقاها الرئيس. وسواء خضع لتدخل جراحي في العين بمدينة برشلونة، أو أقام في مصحة في غرونوبل، أو تلقى علاجات بمستشفى في جنيف، فإن السرية التامة لا تزال تحيط بالحالة الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، البالغ من العمر 81 سنة.
هذا الكتمان خلق ظروفاً مواتية لانتشار كل أنواع الشائعات في الشارع الجزائري، وهذه الرحلة العلاجية التي ذهب فيها مؤخراً طرحت من جديدٍ تساؤلات عن صحة الرئيس، الذي لم يعد يستقبل أحداً أو يلقي خطابات إلا بشكل غير مباشر عبر البيانات المكتوبة.
ويرتبط مصير رئاسيات 2019 بالمنحى الذي ستتخذه الحالة الصحية لبوتفليقة، فإذا تحسنت حالته أو بقيت على حالها، فإنه يمكنه الترشح مجدداً، أما إذا تدهورت فإن هنالك خيارات أخرى يجب النظر فيها.