لماذا لا يثق الجزائريون في تقارير الحكومة حول الكوليرا؟ صحة الرئيس أهم من الوباء!

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/04 الساعة 14:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/04 الساعة 14:59 بتوقيت غرينتش
People read newspapers with headlines on an Algerian military plane crash, in Algiers, Algeria April 12, 2018 REUTERS/Ramzi Boudina

رصدت صحيفة le monde الفرنسية حالة الاحتقان في صفوف الشعب الجزائري بسبب انتشار الكوليرا منذ أسابيع، وقالت الصحيفة، إنه مع احتدام النقاش وغياب التفاعل حول ظاهرة الكوليرا، تولد احتقان بسبب هذا الوباء.

وفي خضم هذه الفوضى، حل الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة في 27 أغسطس/آب بسويسرا لإجراء فحوصات طبية، حيث أكد بيان رسمي عن رئاسة الجمهورية أنها مجرد فحوصات "دورية" وليس هناك ما يدعو للقلق.

وفي اليوم ذاته، نشر وزير الصحة التقييم الخاص بانتشار وباء الكوليرا، التي اكتشفت في منتصف شهر أغسطس/آب، حيث تم تأكيد 59 إصابة ووفاة حالتين.

وسبق أن كشفت وزارة الصحة الجزائرية أن الفحوصات الطبية والمخبرية أثبتت إصابة 127 شخصاً بوباء الكوليرا من بين مئات من المشتبه بإصابتهم.

وأشارت الوزارة، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية الجزائرية، أن مصدر الوباء هو نبع مائي بري تأتي مياهه من الجبال ويتزود منه السكان العابرون بالقرب من الجزائر العاصمة.

الحكومة الجزائرية لم تهتم بتقرير وزارة الصحة عن أعداد المصابين بالكوليرا

وفي هذه الأثناء عاد رئيس الدولة إلى الجزائر العاصمة في غرة سبتمبر/أيلول. ولم تول الحكومة أهمية كبرى لتقرير وزير الصحة فيما أصدرت بياناً رسمياً بعودة رئيس البلاد، الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية كبيرة في نفوس المواطنين.

وقد تجلى ذلك خاصة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تبادل الرواد رسائل تنم عن غضب واحتقان شديدين فيما بينهم بصفة مكثفة.

الكوليرا في الجزائر

بعد أن قضى عليه الجزائريون قبل 22 عاماً.. 91 مصاباً بمرض الكوليرا يوضعون تحت حجر صحّي مشدّد داخل مستشفى بالجزائر لمنع انتشار الوباء المعدي بين المواطنين.

Geplaatst door ‎التلفزيون العربي‎ op Donderdag 30 augustus 2018

 

ومن بين المنشورات التي تم تداولها على موقع تويتر "بوتفليقة في سويسرا لتلقي العلاج، من الواضح أنه لم يرق له أي مستشفى في الجزائر".

فيما تساءل آخر عبر تغريدة "هل يمكن لأحد ما أن يوضح للرئيس ما هي مسؤوليته تحديداً، حيث يبدو أنه قد نسي أن الرئيس لا ينبغي أن يترك شعبه عندما تكون هناك أزمة".

 

 

من جانبه، صرح صحفي جزائري مستغرباً: "عندما شد بوتفليقة الرحال إلى جنيف، أصدرت رئاسة الجمهوري بياناً وكأن الأمر يستحق قدراً كبيراً من الاهتمام.

وأضاف "لكن عندما يتعلق الأمر بفضيحة الكوليرا، تقلل رئاسة الجمهورية من خطورتها ولا توليها أهمية ولا تفكر حتى في إعلان حالة الطوارئ؟".   

تنامت ردود أفعال رواد الإنترنيت الغاضبة للاحتجاج على ما أطلقوا عليه الفوارق بين رئيس الجمهورية والشعب، أي بين رئيس يتلقى علاجاً في الخارج وشعب يعاني من وباء من عصر آخر.

لكن بوتفليقة أقال مسؤولاً بسبب الكوليرا

حيث قالت صحيفة الشروق الجزائرية، أن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أنهى امس الإثنين، مهام والي ولاية البليدة، مصطفى العياضي، حسب ما أعلنه بيان لرئاسة الجمهورية.

وجاء في البيان أنه "وفقاً لأحكام المادة 92 من الدستور، أنهى اليوم فخامة رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، مهام مصطفى العياضي بصفته والياً لولاية البليدة".

كما أن بث البيان في نشرة الثامنة الرئيسية بالتلفزيون الجزائري صنع مفاجأة، وأدى إلى طرح العديد من التساؤلات، حول أسباب هذه الإقالة المفاجئة..

وفسرت بعض التكهنات قرار إقالته بالانتقادات الكبيرة التي وجهت له بعد ظهوره في مقطع فيديو وهو يطلب من مريضة بوباء الكوليرا بمستشفى بوفاريك عدم الاقتراب منه حتى لا يُصاب بالعدوى، وهي خرجة وصفها البعض باللاإنسانية من الرجل الأول في الولاية

ودخلت منظمة الصحة العالمية، في الأزمة وحذرت من استمرار الكوليرا بشكل موسع

حيث أوردت المنظمة  على موقعها على شبكة الإنترنت، قائلة: "لا تزال الكوليرا تمثل تهديداً على مستوى العالم، كما يمكن اعتمادها على أنها من المؤشرات الرئيسية لقياس مستوى التنمية الاجتماعية".

ونوهت منظمة الصحة العالمية أيضاً إلى أنه "في حال اعتبرنا أن هذا الوباء لا يشكل تهديداً على الدول التي تحترم قواعد الحد الأدنى من النظافة، إلا أنها تعد بمثابة تحد للدول التي تعجز عن توفير مياه شرب صحية ونظام صرف صحي فعال. وتواجه تقريباً جل الدول النامية تفشي الكوليرا، كما أنها معرضة لخطر تفشي أوبئة أخرى".

ولكن، لسائل أن يسأل ما علاقة الجزائر بما ذكرته منظمة الصحة العالمية؟ خاصة وأن الجزائر تعد قوة نفطية وعسكرية، كما يصنفها البنك الدولي على أنها رابع قوة اقتصادية في إفريقيا.

ومن هذا المنطلق، يتضح لماذا تنامى الاحتقان في صفوف الكثير من أبناء الشعب الجزائري، الذين يرون أن الأزمة الحالية دليل على الخلل الوظيفي في بلد لم يمر عليه هذا الوباء منذ 22 سنة                

ما دفع الأحزاب ومنصات التواصل الاجتماعي للهجوم الشديد على الحكومة

فقد جاء في بيان الحزب المعارض "جيل جديد"، قائلاً: "يبدو جلياً أن النظام الصحي ليس الوحيد المتورط في هذه الكارثة الصحية، بل النظام ككل".

وقال أيضاً: "لم تعد السلطات المحلية ولا الوطنية تولي أي اهتمام بالصحة العامة، وخاصة داخل المؤسسات التعليمية بشكل عام ومؤسسات التربية المدنية بشكل خاص. كما لا تسهر على متابعة أنشطة إدارة واستغلال مصادر المياه، ناهيك عن انتشار التلاعب بالمنتجات الكيميائية المخصصة لعلاج أو حماية النباتات، والتلاعب بالأدوية أيضاً.."

وضمن منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت صور القمامة التي لم يتم جمعها من أفنية المباني والشوارع.

فمنذ سنوات عديدة، كان الافتقار إلى خدمات تنظيف الطرق وجمع القمامة مصدر قلق يومي للجزائريين.

وفي مقال نُشر، يوم 27 أغسطس/آب، على موقع Middle East Eye، تحت عنوان "الجزائر: الحكم في زمن الكوليرا"، أشار الصحفي والكاتب عدلان مدي إلى أن السلطات الحكومية تعاني من العجز بسبب افتقارها إلى الكفاءة، والشرعية في نظر المجتمع.

كما تشكو من انعدام المصداقية الناجم عن الممارسات الجشعة التي تتبعها والفساد المستشري في البلاد.. وعلى الرغم من أن رؤساء البلديات يحاولون مكافحة سوء الإدارة على نطاق واسع، إلا أنهم لا يستطيعون فعل الكثير، حيث يتمتع المسؤولون المنتخبون بامتيازات محدودة مقارنة بالمسؤولين الذين تعينهم الدولة".

خاصة أن الحكومة تنتهج سياسة تعتيم غير مفهومة

من خلال استراتيجية التواصل العشوائية التي تتبعها السلطات الجزائرية حيث زادت من حجم قلق الجزائريين، واتسمت بشكل كبير بانعدام القدرة على التجاوب والتفاعل مع مشاكل شعبها بسرعة.

ففي واقع الأمر، لم تقم السلطات بالإعلان بصفة رسمية عن تفشي وباء الكوليرا إلا يوم 23 أغسطس/آب.

وحتى يوم 20 أغسطس/آب، كان لا يزال هناك حديث عن حالات التهاب المعدة والأمعاء، في حين أن طبيعة المشكلة كانت معروفة بوضوح منذ 17 أغسطس/آب. عقب ذلك، شرع المسؤولين في التعبير عن وجهات نظر متناقضة حيال هذه المسألة.

ونقلاً عن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، صرح وزير الصحة الجزائري، مختار حسبلاوي، يوم 26 أغسطس/آب، أنه سيتم القضاء على الوباء في غضون ثلاثة أيام.

في المقابل، نفى الأستاذ عبد الوهاب بن قونية، الذي شغل منصب رئيس قسم الوبائيات في أكبر مستشفى في البلاد في السابق، هذه الادعاءات أمام عدسات المصورين.

وقد تضاربت التصريحات حول مصدر انتشار الوباء. فقد صرح وزير الصحة أن مصدر انتشار الوباء متأت من مياه تقع في ولاية تيبازة (التي تبعد 70 كيلومتراً غرب الجزائر العاصمة)، في حين رجح آخرون أن استخدام المياه المستعملة في الري هو السبب الذي يقف وراء استفحال هذا الوباء. ولم تكن السلطات على يقين من مصدر الكوليرا حتى 28 من أغسطس/آب.

وفي الثلاثين من شهر أغسطس/آب، أعلنت السلطات أن عدد الحالات، التي دخلت المستشفيات جراء الإصابة بهذا المرض، انخفض بشكل حاد، وأن واحدة فقط من المناطق الست المتضررة لا تزال تعاني من ارتفاع عدد المصابين.

وقد أثبتت قضية انتشار وباء الكوليرا، مما لا يدع مجالاً للشك، أن الشعب الجزائري أصبح لا يثق مطلقاً في المسؤولين داخل الدولة.

وأضحى جميع المواطنين يديرون حياتهم بأنفسهم، بغض النظر عما يمكن أن يحدث في أعلى هرم السلطة. فمن الواضح أن القادة المتقدمين في السن لا يريدون التخلي عن السلطة ويصرون على إدارة البلاد في ظل اعتماد سياسة تعتيم مثيرة للقلق.

وكشف تضارب مواقف المسؤولين في تحديد بؤرة الوباء مدى عدم ثقة الشعب الجزائري في السلطة.

فأمام كاميرات التصوير، توجه عشرات الأشخاص لشرب الماء من مصدر المرض في تيبازة، في إشارة إلى أنهم لا يولون أي اهتمام للبيانات الرسمية.

وعلى الرغم من رسائل الطمأنة التي أطلقها القادة في السلطة حول السيطرة على الوباء، إلا أن المواطن الجزائري يعتمد، في المقام الأول، على نفسه لحماية نفسه.

علامات:
تحميل المزيد