قال محللون ودبلوماسيون إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، يقوم بعزل عدد من كبار القادة في الجيش الجزائري من أجل تشديد قبضته على السلطة، في الوقت الذي من المحتمل فيه أن يسعى لإعادة الترشح للرئاسة العام المقبل (2019) ويقلص سلطة الجيش.
وقبل أسبوعين، أقال بوتفليقة (81 عاماً) اثنين آخرين من كبار القادة العسكريين، ليصل العدد الإجمالي للشخصيات العسكرية البارزة التي أُقيلت من مناصبها إلى نحو 10 خلال الشهور القليلة الماضية فحسب.
الإقالات باتت الآن "أمراً روتينياً"
وقالت مصادر سياسية لـ"رويترز"، إن هذه الإقالات تشير إلى تسارع وتيرة الإصلاح الأمني التي بدأت قبل أعوام، لتحويل الجيش المنخرط في السياسة إلى هيئة أكثر مهنية.
بيد أن تخفيف قبضة الجيش، الذي يهيمن على البلد المنتج للنفط منذ حرب الاستقلال بين عامي 1954 و1962 مع فرنسا، سيستغرق وقتاً. لكن النتائج الأولى تبدو واضحة للعيان، فالإقالات التي كانت تثير في السابق عواصف من الجدل باتت الآن أمراً روتينياً.
وقال ضابط مخابرات متقاعد، طلب مثل آخرين عدم نشر اسمه؛ نظراً إلى حساسية المسألة: "اعتاد العسكريون أن يقيلوا لا أن يُقالوا". وأضاف أن القرارات التي كانت تُتخذ في تاقارا، مقر وزارة الدفاع بوسط الجزائر، أصبحت الآن تُتخذ من مقر عمل بوتفليقة في قرية زرالدة الساحلية على بُعد 20 كيلومتراً غرب العاصمة.
وعندما انتُخب بوتفليقة أول مرة في عام 1999، كان يُنظر إلى الجيش وأجهزة المخابرات على أنهما المسيطران الحقيقيان على السلطة.
والهدف تركيز السلطة في دائرته المقربة من غير العسكريين
لكن الآن، في ظل تكهنات بأنه سيذعن لدعوات من الحزب الحاكم للترشح لفترة خامسة محتملة في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى عام 2019 رغم المخاوف الصحية- فإن بوتفليقة يعمل على تركيز السلطة في دائرته المقربة من غير العسكريين.
وأبرز الوجوه على الساحة الآن هم: سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الأصغر، ورئيس الوزراء أحمد أويحيى، ووزير الداخلية نور الدين بدوي.
وتشمل الإقالات الأخيرة أربعة من كبار القادة العسكريين، وقائد المخابرات العسكرية، وعدداً من القادة في وزارة الدفاع، بالإضافة إلى قائد الشرطة وضابط الجيش عبد الغني هامل.
ليكون الجيش "أكثر مهنية بعيداً عن السياسة"
قبل حملة هذا العام (2018)، كان بوتفليقة قد أقال في 2015 مدير المخابرات محمد مدين وعشرات من كبار القادة في أجهزة المخابرات.
كما حلَّ الجهاز الأمني المعروف باسم دائرة الاستعلام والأمن، واستحدث بدلاً منه جهازاً يحمل اسم دائرة الشؤون الأمنية الذي يقوده اللواء المتقاعد عثمان طرطاق. وترفع هذه الدائرة تقاريرها إلى الرئيس وليس إلى الجيش مثلما كان الحال من قبل.
وقال أرسلان شيخاوي رئيس مؤسسة استشارية: "إنها عملية طويلة، والهدف هو أن يكون الجيش أكثر مهنية وبعيداً عن السياسة".
وتخضع التغيرات في الجزائر للمتابعة من كثب؛ لأن البلد حليف أساسي في المعركة الغربية ضد التطرف بالمنطقة، كما أنه من كبار موردي الطاقة لأوروبا.
ما قد ينعكس إيجاباً على الاستثمارات الأجنبية في الجزائر
وإذا استمر هذا التحول بعيداً عن الجيش، فقد يساعد هذا المستثمرين الذين ضاقوا ذرعاً بتعطُّل تأشيرات الدخول أو طلبات التقدم لمشاريع؛ بسبب البيروقراطية التي يهيمن عليها الجيش وشخصيات أمنية تتشكك في الأجانب.
وقال جيف بورتر وهو مدير مؤسسة نورث أفريكا ريسك الاستشارية: "ستكون هذه الأنباء محل ترحيب للمستثمرين الأجانب المباشرين، الذين سيرون في الخطوة مزيداً من التطبيع لعملية صناعة القرار داخل الحكومة".
وتريد الجزائر جذب مزيد من الاستثمارات في قطاعي النفط والغاز؛ لإنهاء سنوات من تعطيل الإنتاج.
وعيّن بوتفليقة في مارس/آذار 2017، رئيساً تنفيذاً جديداً مدرباً في الولايات المتحدة؛ لإعادة تأهيل شركة سوناطراك الحكومية التي كانت تعيد بناء علاقاتها مع شركات النفط الكبرى التي فقدت الاهتمام بالجزائر بسبب الروتين والخلافات والشروط الصعبة.
لكن يبقى الخطر الأكبر هو "صحة بوتفليقة"
إذ نادراً ما شوهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة علانية منذ أن أقعدته جلطة في عام 2013 على كرسي متحرك. وكانت رحلته الأسبوع الماضي إلى سويسرا لإجراء ما وصفته الرئاسة بفحوص روتينية تذكيراً بذلك.
وكان الرئيس الجزائري قد توجَّه الإثنين 27 أغسطس/آب 2018، إلى سويسرا، حيث من المنتظر أن يخضع لفحوصات طبية، قبل أن تعلن الرئاسة الجزائرية عودته إلى البلاد الجمعة 31 أغسطس/آب 2018.
وتعوّد بوتفليقة، الذي يبلغ 81 عاماً، إجراء فحوصات طبية بالخارج، ولا سيّما في جنيف وغرونوبل (جنوب شرقي فرنسا)، منذ إصابته بجلطة دماغية سنة 2013، استدعت بقاءه بمستشفى فال-دو-غراس في باريس أكثر من 80 يوماً.
وقبل أقلّ من سنة من الانتخابات المقرّرة في أبريل/نيسان 2019، صدرت عدة دعوات من أنصار لبوتفليقة تناشده الترشّح لولاية خامسة، علماً أنه يحكم البلاد منذ 1999.
وحتى وإن كان الرئيس الجزائري لم يعلن بعدُ ما إذا كان يعتزم الترشّح أم لا، فإن العديد من المراقبين يرجّحون فرضية ترشّحه.
وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن الوضع الصحّي لبوتفليقة بات محلّ جدل في الجزائر، لا سيما أنه منذ أن أُصيب بالجلطة الدماغية أصبح ظهوره نادراً ولم يُلقِ أي خطاب، ويواجه صعوبات في الكلام والحركة، ويتنقّل بكرسيٍّ متحرّك.
_________________
اقرأ أيضاََ