خدمت أربعة أجيال من الفلسطينيين بتمويل أغلبه أميركي.. ما الذي سيحدث إذا لم تُعد واشنطن تمويل الأونروا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/01 الساعة 16:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/01 الساعة 17:46 بتوقيت غرينتش
طالبات في غزة داخل فصل دراسي بمدرسة تديرها الأونروا

تلقَّت وكالة الأونروا المعنية بمساعدة الفلسطينيين المُصنَّفين كلاجئين أكثر من 6 مليارات دولار من التمويل الأميركي منذ تأسيسها منذ حوالي سبعة عقودٍ، ما جعل الولايات المتحدة الجهة المانحة الأهم للوكالة.

ولكن على مدار العام المُنصرم، أوضحت إدارة ترمب على نحوٍ متزايد أنَّها تعتبر وكالة الأونروا جزءاً من المشكلة في مسألة حلِّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المُمتَد، يقول تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

وابتداءً من يناير/كانون الثاني الماضي، خفَّضت الإدارة التمويل الأميركي المُخصَّص للوكالة، التي تعمل في بعض الأحيان كشبه حكومة. تسبَّبت تلك التخفيضات في وقوع أسوأ أزمة مالية للوكالة.

 وفي يوم أمس، الجمعة 31 أغسطس/آب، قالت الإدارة إنَّها ستوقف كافة التمويل للوكالة، واصفةً إياها بأنَّها "عملية معيبة بصورةٍ لا يمكن إصلاحها". وقد يؤدي هذا التوقُّف إلى مزيدٍ من التقلُّب في حياة قرابة 5.4 مليون فلسطيني رأساً على عقب، ممن يعتمدون على خدمات الوكالة في الأردن ولبنان وسوريا وغزة والقدس الشرقية والضفة الغربية.

وفي ما يلي طرحٌ لأسئلةٍ وأجوبةٍ حول الوكالة، المعروفة رسمياً باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في منطقة الشرق الأدنى، أو المعروفة اختصاراً باسم الأونروا:

ما الذي تُقدمه الأونروا؟

تأسَّسَت وكالة الأونروا في عام 1949 بالأساس باعتبارها جهة إغاثية مؤقتة بهدف مساعدة ما يفوق 700 ألف فلسطيني ممن فروا أو طُرِدوا من منازلهم في أثناء الصراع العربي الإسرائيلي في عام 1948. وتُموَّل عملياتها بالكامل من التبرُّعات المُقدَّمة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

توسَّعت وكالة الأونروا على نحوٍ بالغ على مرِّ السنين، وتُدير الآن المدارس لأكثر من نصف مليون طفل. تُوفِّر الأونروا أيضاً الرعاية الصحية، والطعام، والوظائف، والقروض في حالات الطوارئ، فضلاً عن المساعدات السكنية وغيرها من الخدمات للاجئين الفلسطينيين.

ما هي المخاطر المُحتملة في حال توقَّفَت الأونروا عن مزاولة عملها؟

يقول العديد من الدبلوماسيين والخبراء السياسيين إنَّ انقطاع التمويل الأميركي عن الأونروا أمرٌ خطير؛ إذ يُسبِّب حالة عدم استقرارٍ جديدة أخرى في الشرق الأوسط في وقتٍ تتصاعد فيه التوتُّرات بالفعل بين إسرائيل وجيرانها، وبالأخص غزة، القطاع الفلسطيني الذي يعيش فيه مليونا شخص، حيث تُعد الأونروا طوقَ النجاة لقرابة نصف السكان. وحتى المسؤولون الإسرائيليون، الذين لطالما كانت لديهم آراءٌ متضاربة حيال وكالة الأونروا ، يساورهم القلق لأنَّ وزارة الدفاع الإسرائيلية قد حذَّرت طويلاً من أنَّ التخفيضات المفاجئة في تمويل الأونروا بإمكانها زعزعة الاستقرار.

لماذا تضاعَفَ عدد اللاجئين الفلسطينيين؟

هذا السؤال يُشكِّل مصدراً لخلافٍ طال أمده. يُنظَر إلى أحفاد اللاجئين الأصليين أيضاً باعتبارهم لاجئين تابعين للأونروا، ما يُلزِم الوكالة بتقديم الخدمات: "إلى أن يكون هناك حلٌّ عادلٌ ودائمٌ للوضع السياسي"، حسبما قال بيتر مولرين، مدير مكتب الأونروا في نيويورك. وهذا يعني أنَّ أونروا خدمت أربعة أجيال من الفلسطينيين حتى الآن.

لماذا يُنظَر للأمر على أنَّه مشكلة؟

ترى إسرائيل أنَّ تمرير حالة اللجوء من الآباء إلى أطفالهم هو أحد الأسباب التي تجعل حل الصراع الفلسطيني أمراً بالغ الصعوبة. للاجئين حق العودة إلى وطنهم، والذي يتضمَّن في هذه الحالة مناطق أصبحت الآن جزءاً من دولة إسرائيل. وينظر الكثير من الإسرائيليين ومؤيديهم إلى احتمالية استقرار الملايين من الفلسطينيين في إسرائيل يوماً ما على أنَّه أمرٌ مستحيل.

هذا ويدَّعي منتقدو وكالة الأونروا أيضاً أنَّها قد تطوَّرَت لتصبح نظاماً بيروقراطياً مترامي الأطراف يُكرِّس ثقافة الاعتمادية بين صفوف الفلسطينيين، ما يجعل مشكلة اللاجئين أصعب. ويرد المسؤولون في الأونروا بأنَّهم ملتزمون بتفويض الوكالة في مساعدة اللاجئين إلى أن يتم التوصُّل إلى حلٍّ دائم.

ليست تلك بقضايا جديدة. ما الذي تغيَّر حين تولَّى ترمب منصبه؟

حدَّدت إدارة ترمب منذ وقتٍ مُبكِّر أنَّها ستكون أكثر تعاطفاً مع الجانب الإسرائيلي من الصراع الدائر، مقارنةً بإدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وفي أثناء عامه الأول بعد توليه المنصب الرئاسي، أعلن ترمب أنَّه يعمل على نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، المدينة المُقدَّسة المُتنازع عليها والتي يريدها الفلسطينيون أيضاً لتكون عاصمةً لهم في دولةٍ مستقلة مُستقبلاً. أثار هذا الإجراء حنق القادة الفلسطينيين، الذين قالوا إنَّ الولايات المتحدة خسرت دورها في المساعدة في التفاوض على أيِّ اتفاقٍ للسلام.

بدأ ترمب ومعاونوه، الذين أغضبهم ردّ الفعل الفلسطيني وهو ما اعتبروه نكراناً لمساعي أميركا، في الإشارة إلى أنَّهم يعتزمون تقليل المساعدات المالية. واشتكى مسؤولو الإدارة، بقيادة نيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، من أنَّ البلدان الأخرى يتوَّجب عليها المساهمة أكثر في تمويل الأونروا. ففي يناير/كانون الثاني المنصرم، حجبت الإدارة أكثر من نصف المبلغ المُقدَّر بـ120 مليون دولار، وتركت الدفعات المُقبِلة للسنة المالية 2018 في موضع شك.

وقال مسؤولو الأونروا، الذين فوجئوا بذلك على حين غرة، إنَّهم دُفِعوا إلى الاعتقاد بأنَّ الولايات المتحدة ستُوفِّر نفس التمويل بما يقارب الـ360 مليون دولار المُقدمَّة في السنة المالية لعام 2017. وفجأةً واجهوا عجزاً هائلاً في ميزانية الأونروا التي تبلغ 1.25 مليار دولار.

كيف استجابت وكالة الأونروا لما يحدث؟

حذَّر بيير كراهينبول، المُفوِّض العام للأونروا، من أنَّه بدون استقبال دفعات مالية ضرورية من دولٍ أخرى أو تخفيف حدة الموقف الأميركي، ستضطر وكالة الأونروا لخفض خدماتها بشكلٍ جذري، بما في ذلك التعليم المدرسي. وبدأ كراهينبول حملة جمع تبرُّعاتٍ عاجلة.

ساعدت التبرُّعات من الدول الأوروبية والعربية في جمع مبلغ يُقدَّر بـ238 مليون دولار. ولكن في الشهر الماضي يوليو/تموز، اقتطعت الأونروا ما يفوق 260 وظيفة، وخفضت خدمات الصحة العقلية في توجُّهٍ نحو التقشُّف، وقالت إنَّ العام الدراسي قد يتأخَّر.

وفي 16 أغسطس/آب، أعلن كراهينبول أنَّ مدارس الأونروا ستفتح في الوقت المُحدَّد لها، لكنَّه قال إنَّ الوكالة لا تزال تواجه عجزاً يصل إلى 217 مليون دولار، وهو ما قد يتسبَّب في إغلاق المدارس وغيرها من الخدمات قبل نهاية العام الجاري.  

ماذا الذي سيحدث في حال لم تُعد الولايات المتحدة تمويل الأونروا؟

في يوم الجمعة، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، إنَّ بلاده ستستضيف حملةً لجمع تبرُّعاتٍ مالية للأونروا في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في أثناء دورة الجمعية العامة المُقرَّر عقدها في الشهر الجاري سبتمبر/أيلول. وفي اجتماعٍ مع كراهينبول، قال الصفدي إنَّ هدف هذه الفعالية هو "سد الفجوة ووضع خطة من شأنها ضمان حصول أونروا على تمويلٍ متواصل ومستمر للسنوات المقبلة.

ومن جانبه، قال هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، إنَّ حكومته تعهَّدَت بزيادة مساهماتها المستقبلية على نحوٍ بالغ، من مبلغ 94 مليون دولار المقرر لهذا العام إلى مبلغٍ أكبر غير مُحدَّد، بحسب ما ذكرته وكالة Reuters الأميركية يوم الجمعة. ونقلت عنه قوله: "يُمكن لضياع هذه المنظمة أن يُسبِّب إطلاق سلسة من ردود الفعل يتعذَّر السيطرة عليها".

تبعات القرار ستمتد إلى دول عربية

إذ قالت الجامعة العربية، السبت، إن قرار ترمب، القاضي بوقف التمويل الأميركي لفاءدة وكالة الأونروا "لا يخفي رغبتها في إسقاط قضايا القدس واللاجئين من طاولة التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

وحمّل أمين عام الجامعة العربية أحمد أبوالغيط، في بيان، "واشنطن المسؤولية عما سيلحقه هذا القرار من أضرار كبيرة بنحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني يعتمدون على ما تقدمه الوكالة".

وأوضح أن "التبعات السلبية للقرار لن تقتصر على اللاجئين أنفسهم، وإنما ستمتد إلى الدول العربية المضيفة لهم، خاصة الأردن ولبنان مع استضافتهم لأعداد كبيرة (لم يحددها) من اللاجئين السوريين".

من جهتها، قالت وزارة الخارجية التركية إن قرار الولايات المتحدة إنهاء تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، سيضر بالسلام والاستقرار الإقليمي. وأعربت الخارجية عن خيبة أملها من قرار واشنطن، مشيرة إلى أن القرار سيؤثر سلباً على حياة أكثر من خمسة ملايين فلسطيني.

 وأضافت: "في ظل هذه الظروف، باتت قدرة أونروا على مواصلة أنشطتها دون انقطاع بمثابة اختبار للمشروعية وواجب وجداني بالنسبة للمجتمع الدولي".

_________________

اقرأ أيضاََ

حتى مسؤولين إسرائيليين قلقون من قراره حول "الأونروا".. The Guardian: سياسات ترمب تجاه الفلسطينيين ستُشعل النيران

مِن نقل السفارة إلى القدس لوقف تمويل الأونروا.. حصاد سياسات ترمب تجاه الملف الفلسطيني خلال عامين

مصائب ترمب لا تأتيهم فرادى.. 5 ملايين لاجئ فلسطيني أمام مصير مجهول: حق عودتهم إلى ضياع.. و"الأونروا" مهددة بالزوال

علامات:
تحميل المزيد