هدية ولي عهد أبوظبي التي هزَّت سويسرا.. زيارة أجراها رئيس مجلس الدولة للإمارات أوقعته بمصائب قد تُطيح به

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/31 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/31 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش

اهتزَّ الرأي العام في سويسرا من أخبار قضية رئيس مجلس الدولة السويسري، بيير موديه، ومدير مكتبه السابق، فيما يتعلق برحلته الفاخرة إلى أبوظبي، التي أجراها خلال نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، والتي اتخذت منعرجاً خطيراً في الدولة.

وأمس الخميس 30 أغسطس/آب 2018 أعلن النائب العام في بيان مفصّل (وهي سابقة في سويسرا)، أنه يريد إيقاف رئيس مجلس الدولة؛ لأنه قبل هدية من الإماراتيين، كما طلب أمام المجلس الأعلى رفع الحصانة عن بيير موديه، بحسب ما ذكرته صحيفة Tribune De Genéved السويسرية.

وتسببت هذه الحادثة في خلق اضطراب داخل الحكومة السويسرية، التي اجتمعت على وجه السرعة ليلة الخميس. أما فيما يتعلق بباتريك بود لافينو، ذراع موديه اليمنى، فقد أثار احتمال تورطه جدلاً واسعاً منذ شهر يونيو/حزيران. وقد خضع  باتريك بو لافنيو لجلسة استماع مطوَّلة بصفته متهماً في هذه القضية.

وخلال شهر مايو/أيار الماضي، وبعد مُضي أيام من اللغط حول هذه القضية، صرح بيير موديه لثلاث صحف سويسرية يومية بأنه "كان طائشاً"، واعترف بيير موديه، المنتخب عن الحزب الليبرالي الراديكالي السويسري، بأنه أدى زيارة إلى أبوظبي لمشاهدة سباق الجائزة الكبرى لـ "الفورميولا 1" بصحبة عائلته ومدير مكتبه وصديق آخر، بالإضافة إلى رجل أعمال سويسري من أصول لبنانية يدعى أنطوان ضاهر، الذي تكفّل بتنظيم الرحلة. وقد حضر موديه هذا السباق على الرغم من أنه ليس من المعجبين بهذه الرياضة.

وحسب القاضي السويسري، دُفعت تكاليف الإقامة في فندق "قصر الإمارات" وتكاليف متابعة السباق من قِبَل رجل أعمال من أصول لبنانية يدعى سعيد بستاني، وهو صديق قديم لأنطوان ضاهر. وإلى الآن، لم يقدم أي مدير شركة إماراتية ولا وسائل الإعلام معلومات بشأن هذا الموضوع.

مبررات موديه ليست مقبولة للادعاء

وبحسب الصحيفة السويسرية، فمن المعلوم أن بيير موديه تلقى هذه التكاليف في شكل هدية، وقد قرر قبل أيام من رحيله منح هبة للكنائس قيمتها 4000 فرنك سويسري، في محاولة منه لتبرئة نفسه. وقد بلغت تكاليف الرحلة برمتها عشرات الآلاف من الفرنكات، وذلك وفقاً لعملية حسابية أجرتها وسائل إعلامية. وخلال إقامته في أبوظبي، أكد بيير موديه أنه التقى بالصدفة بأقوى شخصية في البلاد، وهو ولي العهد الإماراتي.

رئيس مجلس الدولة السويسري بيير موديه يواجه القضاء
رئيس مجلس الدولة السويسري بيير موديه يواجه القضاء

وفي مقال نشرته وكالة الأنباء الحكومية الرسمية، ورد أن موديه أجرى محادثات مع كبار الشخصيات في البلاد حول القضايا السياسية. ويستميت رئيس مجلس الدولة في الدفاع عن نفسه أمام نُقاده وما زال مُصراً على أن رحلته كانت رحلة خاصة.

وخلال شهر يونيو/حزيران الماضي، اعتبر البرلمان السويسري أن هذه الرحلة كانت علنية وليست سرية، كما رفض اتهام موديه بأنه تلقى هدية من الإمارات من منظور سياسي. ولكن كان ينقص هذه القضية تحقيق النيابة العامة.

وقالت صحيفة Tribune De Genéved إنه بالنظر إلى أهمية الإجراء المتعلق برفع الحصانة، أظهر مكتب المدعي العام شفافية غير اعتيادية. وبصفة علنية، أعرب كل من النائب العام الأول ومدير النيابة العمومية، ستيفان غروديكي، والنائب العام أوليفيه جورنو، والنائب العام الأول، إيف بيرتوسا، عن عدم اقتناعهم بتصريحات بيير موديه.

"كل شيء تم دفعه مسبقاً"

وقد ورد في بيان رسمي لهم: "تُشير المعطيات التي جمعناها إلى أن السيد بيير موديه، بصفته رئيس مجلس الدولة، وعائلته ومدير مكتبه قد تلقوا دعوة رسميةً لزيارة أبوظبي من قِبَل ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، للمشاركة في متابعة سباق الجائزة الكبرى للفورميولا 1″.

ولكن ليس هذا كل شيء، فقد أكدوا في هذا البيان أن "قصر ولي العهد تكفل بدفع تكلفة الرحلة الجوية في درجة رجال الأعمال بالإضافة إلى تكاليف الإقامة التي تبلغ عشرات الآلاف من الفرنكات".

وبحسب ما نقلته الصحيفة ذاتها عن مصادرها "أرسلت مكاتب تابعة لمسؤولين رفيعي المستوى دعوة لرئيس مجلس الدولة السويسري، مع تذكيره بأن كل شيء قد تم دفعه مسبقاً".

أما الأسوأ من ذلك، فإن "الشخص الذي يدعى سعيد بستاني لم يلعب أي دور في تمويل الرحلة، وقد تم تداول اسمه من قِبَل المعنيين بالأمر سنة 2018 من أجل التكتم عن المصدر الحقيقي الذي تكفل بتمويل الرحلة". وبالنسبة للنيابة العامة، فإن بيير موديه كذب في أقواله.

وحسب مصادر أخرى، ساهمت شخصيات وشركات في جنيف مختصة في العقارات وتربطهم علاقة بكل من بيير موديه ومدير مكتبه، في دفع تكاليف هذه الرحلة. ولم يشهد هذا الحدث حضور أنطوان ضاهر فحسب، بل كان معه أيضاً شخصيات أخرى من أصول لبنانية مثل ماجد خوري وهو رجل أعمال مختص في قطاع العقارات في جنيف، وفيليب غانم وهو معروف في قطاع المالية في أبوظبي، بالإضافة إلى والده شربل غانم وهو خبير مالي مالي تصدّر اسمه عناوين الصحف في فرنسا في الثمانينيات والتسعينيات.

وبالنسبة للمدعين العامين الثلاثة، "تختلف هذه المعطيات إلى حد كبير عن المعلومات التي قدمها بيير موديه ورئيس مكتبه إلى مكتب المدعي العام".

وتجدر الإشارة إلى أنه "يجوز محاكمة عضو مجلس الدولة بسبب جرائم ارتكبت أثناء ممارسته لوظائفه فقط بإذن من البرلمان".

ولي عهد أبو ظبي وجه زيارة رسمية لرئيس مجلس الدولة السويسري
ولي عهد أبو ظبي وجه زيارة رسمية لرئيس مجلس الدولة السويسري

تمويل استطلاع رأي

في إطار التحقيق الأولي، تم إجراء العديد من التحقيقات بما في ذلك جلسات الاستماع والتفتيش. وأمس، تم الاستماع إلى باتريك بود لافينو لعدة ساعات، ويُعتقد أنه قد قبل هدية فيما يتعلق بالرحلة إلى أبوظبي، بيد أنه لم يحصل هذا فقط.

ووفقا للصحيفة السويسرية، فإن هذه القضية معقدة، فقد اتُّهم رئيس مكتبه بالمشاركة في البحث عن تمويل لإجراء استطلاع رأي حول بيير موديه مقابل الحصول على مبلغ  تجاوز 30  ألف فرنك.

وفي الثالث من مارس/آذار الماضي، أقيم حفل عيد ميلاد بيير موديه الأربعين في حانة صغيرة تابعة لرجل العمال اللبناني أنطوان ضاهر، مع العلم أنه من غير المعروف ما إذا كانت تكاليف هذا الحفل البالغة 4 آلاف فرنك قد دُفعت جلّها أو جزئياً من قِبَل هذا الشخص.

وظهرت العديد من الحيثيات الجديدة في هذه القضية المحيرة، بيد أنها لم تساعد على فهم السر الكامن وراء هذه الرحلة الغامضة، تقول الصحيفة، وتساءلت: "لماذا كذب بيير موديه حول عدة نقاط تتعلق بهذه الرحلة لمدة شهور؟ ولماذا قبل رئيس مجلس الدولة دعوة من الإمارات دون أن يجعل هذه الرحلة رسمية؟  وما هي مصلحة دولة الإمارات العربية المتحدة من توجيه دعوة لرئيس مجلس الدولة بجنيف؟ ما هي مصلحة رجال الأعمال والممولين من أصل لبناني من تنظيم هذه الرحلة لبيير موديه؟".

ومساء أمس الخميس، اجتمع مجلس الدولة بصفة طارئة في مكتب نائب الرئيس، أنطونيو هودغرز، وقد استغرقت المناقشة أكثر من ساعتين ونصف، ولم يتم تسريب أي معلومات حول ما حدث خلف هذه  الأبواب المغلقة.

"تم تشويه صورة دولتنا"

وورد في تقرير صادر عن وحدة مكافحة الجرائم المالية التابعة لجهاز شرطة جنيف أن المدعي العام فتح تحقيقاً خلال شهر أغسطس/آب من سنة 2017 حول هذه القضية. وقد أوضح اتحاد الشرطة الجنائية قائلاً: "نحن نتحمل بالكاد تداعيات هذه القنبلة السياسية التي كانت بمثابة الصدمة بالنسبة لنا. ونحن مستاؤون من هذا المشهد المثير للشفقة، على حد تعبير عضو الاتحاد مايكل بيركر".

وأضاف المصدر ذاته: "يقول بيير موديه إنه يريد أن يجعل من جنيف مُشعة لكن بسببه وصلنا إلى هذه الوضعية الخطيرة والسخيفة أيضاً، وباتت صورة دولتنا مشوَّهة ومَهينة منذ عدة شهور. وفي حال تم إثبات ما كشف عنه الصحافيون، فهذا يعني أن بيير موديه، قد خدع، وتلاعب واحتقر جميع مؤسساتنا فضلاً عن مواطنينا. ومن الواضح أن المدعي العام قام بما يمكنه فعله. وفي الوقت الراهن، يجب على الساحة السياسية تحمّل كامل مسؤوليتها".

علامات:
تحميل المزيد