5 ملايين من اللاجئين الفلسطينيين أمام مصير مجهول: ضياع حق العودة من جهة و منظمة الأونروا مهددة بالزوال.. هكذا يبدو الوضع بعد قرارات الرئيس الأميركي الأخيرة
وسط مخيم الجلزون شمال مدينة رام الله، جلس وجدي الرمحي، فلسطيني لاجئ، يتأمل في هذا المكان المكتظ. أكثر من 15 ألف فلسطيني يعيشون في ربع كيلومتر مربع، كل مساحة المخيم. مكان مخنوق تماماً، حيث البنايات تتمدد إلى الأعلى، والمياه العادمة في الشوارع، وخدمات النظافة والصحة والتعليم وعقود البطالة كلها تأثرت.
"العيش هنا مثل العيش في زريبة (حظيرة الماشية)، بعض المنازل يعيش فيها أسر من 50 و60 فرداً. ينامون مثل الفراخ بعضهم فوق بعض"، هكذا يصف الوضع.
وأضاف الرمحي: "تعبنا. لا كلام أكثر من هذا. انتظرنا طويلاً ويبدو أن هذا الانتظار سيدوم. لا والدي عاد ولا أنا عدت، ولا أرى أن أولادي سيعودون. والآن حتى القليل الذي يقدم لنا أصبح أقل وأقل وأظنه سيتوقف".
هذا هو حال اللاجئين الفلسطينيين في 58 مخيماً للاجئين المنتشرة، في الضفة الغربية (19)، وقطاع غزة (8)، وسوريا (9)، والأردن (10)، ولبنان (12). ووفق جهاز الإحصاء الفلسطيني في آخر إحصائية صادرة عنه يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في العالم 5.9 مليون لاجئ يتلقون خدمات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" التي أسستها قرار للأمم المتحدة قبل أكثر من 70 عاماً.
الوكالة التي تقدم الخدمات
وتقدم "الأونروا" منذ ذلك الوقت الخدمات للاجئين الفلسطينيين، تشمل الصحة والتعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية وتحسين المخيمات، ومشاريع القروض الصغيرة. كما تقدم مساعدات غذائية منتظمة للاجئين، إلى جانب تشغيل عدد منهم في وظائف على بنود البطالة.
وتبلغ إجمالي ميزانية الأونروا (العادية وميزانية الطوارئ وميزانية المشاريع) ملياراً و300 مليون دولار، تتبرع الولايات المتحدة وحدها بمبلغ 300 مليون.
قرار ترمب يعني أزمة وجودية
يقول الرمحي إن الخدمات السيئة التي تقدم للاجئين والتي تتراجع من عام لآخر، أصبحت بعد قرار ترمب وقف التمويل أسوأ من أي وقت مضى. "مثلاً في الماضي كنا نصرف أي دواء بسهولة. اليوم تذهب إلى العيادة لعلاجات بسيطة تجدها غير موجودة".
ومن جانبه قال المتحدث باسم الأونروا، كريستوفر جينيس، لـ"عربي بوست"، قائلاً إن وقف التمويل الأميركي أدى إلى أزمة "وجودية غير مسبوقة للأونروا" بسبب عجز مالي لم يسبق له مثيل.
وأكد أن هذا الوقف أدى إلى تخفيضات في برامج الطوارئ وخسارة مئات الوظائف. وأضاف: "بالرغم من قدرتنا على فتح مدارسنا ، لكننا لا نمتلك سوى الأموال اللازمة لإدارة بقية برامجنا حتى نهاية سبتمبر/أيلول المقبل".
وكانت الأونروا تقول إنها قد لا تتمكن من فتح مدارس الوكالة التي تقدم الخدمات لنحو نصف مليون طالب، لكنها في النهاية بدأت العام الدراسي دون إنكار وجود أزمة تهدد استمراره.
ارتفاع العجز وإجراءات تقشفية
ويقول كريس إن الدعم الأميركي رفع نسبة العجز في موازنة الوكالة، في لحظة وقفه إلى 466 مليون دولار.
ومع انتهاء مؤتمر التعهدات الذي عُقد بنيويورك في 25 يونيو/حزيران، تم تقليل العجز ليصبح 217 مليون دولار، موضحاً أن الوكالة تحتاج إلى سد العجز حتى تتمكن من مواصلة تقديم خدماتها الأساسية وخدمات برامج الطوارئ.
وكانت الوكالة أعلنت سابقاً أن المساعدات الطارئة تعاني من نقص حاد في التمويل بالأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ إن التبرعات الأميركية لبرامج الطوارئ – حوالي 100 مليون دولار في العام – لم تعد موجودة، موضحة أن ذلك أجبرها على اتخاذ إجراءات تقشفية شملت تقليص خدمات، وإنهاء عقود موظفين على هذه البرامج.
خطوات لفرض صفقة القرن بالقوة
ورغم ما أوردته مجلة فورين بوليسي عن وقف التمويل الأميركي بشكل كامل، والذي قالت الأونروا إنه أمر لن تعلق عليه في هذه المرحلة، فإن مراقبين يرون أن الخطوات الأميركية في موضوعي القدس واللاجئين هي خطوات أحادية بهدف "فرض صفقة القرن".
يقول سميح شبيب، المحلل السياسي، لـ"عربي بوست" إن الإدارة الأميركية في البداية حاولت أن تطرح خطة سلام، لكنها وجدت أن ما ستقدمه لا يلبي الحد الأدنى للفلسطينيين، فقررت المضي في خطتها من جانب واحد، على حد قوله.
وأضاف أن "صفقة القرن" التي يجري الترويج لها "ليست خطة مكتوبة وإنما خطوات ستنفذ لفرض واقع لا يمكن تغييره". وأوضح: "بالتالي بدأت هذه الخطة بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، والآن تتجه نحو البند الثاني وهو إنهاء قضية اللاجئين من خلال تجفيف مصادر تمويل الأونروا".
استبعاد الأولاد والأحفاد.. محاولة لإنهاء قضية اللاجئين
ولم تتوقف الخطوات الأميركية عند وقف التمويل الخاص بالأونروا، بل تبعها تصريحات صدرت عن ممثلة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، نيكي هيلي، التي شككت في عدد اللاجئين الفلسطينيين حول العالم.
وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية كشفت عن تقرير سري للإدارة الأميركية قال إن عدد اللاجئين فقط 40 ألفاً و"ليس كما يدعي الفلسطينيون". وأوضحت الصحيفة أن التقرير "يتحدث عمن تبقى من اللاجئين ويتجاهل أولادهم وأحفادهم".
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون اللاجئين، أحمد أبوهولي، إن حق العودة يشمل جميع اللاجئين الفلسطينيين الذي هُجِّروا من ديارهم عام 1948، و"يمتد ذلك إلى أبناء اللاجئين وأحفادهم الذي تصل اليوم أعدادهم إلى ما يقارب 5.9 مليون لاجئ فلسطيني يحق لهم الحصول على خدمات وكالة الغوث الدولية".
واستنكر أبوهولي تشكيك هيلي في أعداد اللاجئين الفلسطينيين واتهامها لوكالة الغوث الدولية بمبالغتها في أعداد اللاجئين الفلسطينيين، قائلاً إن "التشكيك الأميركي في أعداد اللاجئين الفلسطينيين لا قيمة قانونية له، ولن يغير من حقيقة الواقع شيئاً"، مشيراً إلى أن تحديد أعداد اللاجئين الفلسطينيين من صلاحيات وكالة الغوث الدولية التي تحظى بثقة أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وأضاف أن على الإدارة الأميركية أن تعي جيداً أن مدخل علمية لسلام ومفتاح نجاح أي تسوية نهائية للسلام هو تطبيق القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ومن يظن أن منظمة التحرير الفلسطينية ستتخلى عن حق العودة فهو يعيش في الوهم وفي دروب الخيال، مؤكداً أن استمرار التنكر الإسرائيلي – الأميركي لحق العودة أو تجاهله وعدم طرحه في المستقبل سيطول أمد الصراع ويحول دون تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة برمتها.
اقرأ أيضاً