أثار تسريب مذكرة اعتقال لجماعات اليمين المتطرف شكوكاً واسعة الانتشار حول صلاتٍ بين الشرطة في ألمانيا والمتظاهرين المناهضين للأجانب. وأكدت السلطات التقارير عن التسريب بعدما نشر لوتز باخمان، العضو المؤسس لجماعة بيغيدا الاحتجاجية اليمينية المُتطرِّفة، مذكرة الاعتقال في تغريدةٍ على موقع تويتر.
وأوضح تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية أن المذكرة تحتوي على الاسم الكامل للمشتبه الرئيسي في قتل رجلٍ في الخامسة والثلاثين من العمر، ما أشعل احتجاجاتٍ عنيفة ضد الأجانب في مدينة كيمنتس الشرقية. المشتبه به هو شاب عراقي عمره 22 عاماً.
"استخفاف" الشرطة بالمظاهرات و"فضيحة" تسريب مذكرة اعتقال
تعرَّضت شرطة مدينة كيمنتس، بولاية ساكسونيا الألمانية، لانتقاداتٍ لاذعة لعدم استعدادها لمظاهرات اليمين المتطرف في المدينة مساء يوم الأحد 26 أغسطس/آب، الذي تلا طعن دانيال هـ. الذي لم يُنشر اسم عائلته، على الطريقة الألمانية.
اجتذبت التظاهرات حوالي 6 آلاف شخص، و1500 معارضين للمظاهرة، وسرعان ما تحوَّلت لأعمالِ عنفٍ بانقسام حشد اليمين المتطرف إلى مجموعاتٍ أصغر، ومطاردة الأجانب من أرجاء المدينة وشوارعها في أعمال شغب استمرت حتى مساء يوم الاثنين 27 أغسطس/آب. صاح بعض المتظاهرين: "مقابل كل ألماني ميت، أجنبي ميت"، في مشهدٍ يُذكِّرنا بمذابح العصر النازي.
أكَّدَت مُتحدِّثةٌ رسمية باسم الشرطة لوسائل الإعلام صحة مذكرة الاعتقال. وقالت: "المستند حقيقي". وأضافت: "بدأنا بالفعل استقصاءً قضائياً.. بخصوص انتهاك سرية الأوراق الرسمية".
سرعان ما انتشرت صورة مذكرة الاعتقال على الإنترنت، خاصةً عن طريق مجموعةٍ على تطبيق واتساب لحركةٍ يمينية مُتطرِّفة تدعى "Pro Chemnitz – من أجل كيمنتس"، الحركة التي دعت لمظاهرة يوم الأحد من الأساس.
وصف مارتن دولينغ، نائب رئيس وزراء ولاية ساكسونيا، هذا التسريب بأنه فضيحة. وقال السياسي المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني: "أن نسمع بأن مذكرة اعتقال سُرِّبَت على الأغلب عن طريق الشرطة إلى دوائر اليمين المُتطرِّف فهذا يعني أن لدينا مشكلةً ضخمة ينبغي معالجتها. هذا حدثٌ فاضح".
ما أثار شكوكاً بشأن صلات بين اليمين المتطرف والشرطة
وأشعل التسريب شكوكاً كانت مُثارةً بالفعل حول الصلات بين قوات شرطة ساكسونيا وحزب "البديل من أجل ألمانيا" المعادي للمهاجرين، وحركة بيغيدا الاحتجاجية، ما أدى إلى ازدياد استخدام لقب Pegizei وهي كلمة مكونة من شقّين Pegida حركة بيغيدا الاحتجاجية، وكلمة polizei أي الشرطة باللغة الألمانية.
اتُّهِمَت الشرطة الأسبوع الماضي بموالاة متظاهري بيغيدا بعد أن منعوا فريق تصوير قناة ZDF التابعة للدولة من تصوير مظاهرة في مدينة درسدن لمدة 45 دقيقة بعد شكاوى من أحد المتظاهرين، الذي اتضح فيما بعد أنه موظفٌ في الشرطة.
ثم وُجِّهَت إليهم تهم بعد ذلك في يوم الأربعاء 29 أغسطس/آب أنهم كذبوا بشأن ادعائهم أنهم أساءوا تقدير أعداد المتظاهرين الذين سيحضرون مظاهرة كيمنتس، بعدما اتضح أن مكتب ساكسونيا لحماية الدستور حذَّرَهم مُسبَّقاً أن عدداً كبيراً من المُتطرِّفين من أرجاء ألمانيا ومن بينهم نازيون جُدد، بالإضافة إلى مثيري شغب من مشجِّعي كرة القدم، ولاعبي فنون قتالية معروفين بخلفيتهم اليمينية المتطرفة، كان من المُتوقَّع حضورهم إلى المدينة، في "التجمع الصغير أو المتوسط المكون عدده من أربعة أرقام".
انتشر حوالي 591 شرطياً في المنطقة، الرقم الذي أقرَّ رؤساء الشرطة فيما بعد أنه كان عدداً غير مناسب على الإطلاق.
والنيابة العامة فتحت تحقيقاً مع نائب برلماني
وفتحت النيابة العامة في بريمن (شمال ألمانيا) تحقيقاً مع نائب برلماني، بسبب مساهمته في نشر مذكرة اعتقال ضد شاب عراقي على خلفية أحداث كيمنتس (شرق)، وفق ما كشفت عنه صحيفة "فيزر كورير" التي ذكرت أيضاً أنه تمّ تفتيش مكان إقامته وأجهزته الإلكترونية.
وذكرت الصحيفة أن النائب على مستوى برلمان الولاية، عضو في مجموعة "مواطنون غاضبون" اليمينية الشعبوية المناهضة للأجانب، وكان عضواً سابقاً في جهاز الشرطة.
ولم تكشف السلطات بعد عن هوية الضحية أو المشتبه بهم طبقاً للأعراف الألمانية الهادفة إلى حماية هوية الأشخاص الذي يخضعون لإجراءات قضائية. إلا أن مذكرة اعتقال أحد المشتبه بهما وجدت طريقها إلى أيدي الجماعات اليمينية التي نشرتها على الإنترنت وتم تبادلها بشكل كبير، وتحمل الأسماء الكاملة للمشتبه بهما والضحية والشهود والقاضي. ووصف وزير الداخلية الفيدرالي هورست سيهوفر التسريب بأنه "غير مقبول بتاتاً".
من جهته، قال المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد رعد الحسين في مؤتمر صحافي بجنيف: "أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن يندد المسؤولون السياسيون في كل أنحاء أوروبا بهذا الأمر".
وأضاف: "ما يبدو لي مقلقاً في العديد من الدول الأوروبية أن الجريمة نفسها التي يرتكبها شخص غير مهاجر لا تحظى بالتغطية نفسها التي تحظى بها جريمة ارتكبها مهاجر"، معتبراً وجود "تيار من الأفكار المسبقة التي تتسرب إلى وسائل الإعلام والمرتبطة إلى حد معين باليمين المتطرف".
والمتطرفون سيُصعدون بالدعوة لمزيد من المظاهرات
في أعقاب أعمال الشغب يوميّ الأحد والإثنين، حظت كيمنتس بليلةٍ هادئة مساء الثلاثاء، ولكن مايكل كريتشمر، رئيس وزراء ساكسونيا، قال إنه توقَّع أن المتظاهرين سيُصعِّدون من الزخم الذي خلقوه، وسيستمرون في الدعوة إلى المزيد من المسيرات.
وقال إنه مع ذلك كان واثقاً أن قوات الأمن استعدَّت لمظاهرة دعت إليها حركة "من أجل كيمنتس" في المدينة يوم الخميس 30 أغسطس/آب.
وقال: "سنعلنها واضحةً أن الدولة هي من تحتكر استخدام القوة"، مُتوعِّداً بمواجهة أكثر صرامةً مقارنةً بما حدث من قبل في الأسبوع ذاته مع المتظاهرين الذين عادةً ما يستخدمون تحية هتلر، وهو أمرٌ محظورٌ في ألمانيا.
وصف كريتشمر المعركة ضد اليمين المُتطرِّف بأنها "معركةٌ سنفوز فيها". وأضاف أن كيمنتس أصبحت أكثر جاذبيةً لحركات اليمين المُتطرِّف ونقطةً مركزيةً لتعبئتهم، يرجع هذا جزئياً إلى الاهتمام الإعلامي الواسع التي تحظى به المظاهرات في هذه المنطقة.
وهو ما كلف حزب ميركل كثيراً!
تسلك القيادة الألمانية، يائسةً، استراتيجياتٍ للتعامل مع السقوط السياسي الناجم عن الأحداث في كيمنتس، التي يرجعها الكثيرون إلى سياسات أنجيلا ميركل في التعامل مع اللاجئين. تلقَّى حزبها، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي ظلَّ في السلطة في ولاية ساكسونيا منذ 1990 اتهاماتٍ واسعة الانتشار بالفشل في احتواء أو مواجهة الحركة اليمينية المُتطرِّفة المتصاعدة.
وتستعد الولاية لانتخاباتٍ حاسمة العام المقبل 2019 قد يخسر فيها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي 10% من مؤيديه لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا، طبقاً لاستطلاعات الرأي الحالية. ويمضي حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي سارع إلى استغلال أجواء رُهاب الأجانب في كيمنتس في الأيام القليلة الماضية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي بالأساس، في طريق الحصول على ما يقارب 25% من الأصوات، ما يجعله ثاني أكبر حزبٍ في برلمان الولاية.
ولم تألف ولايات جمهورية ألمانيا الديمقراطية الشيوعية سابقاً، مثل ساكسونيا، وجود اليمين المُتطرِّف من قبل، إذ إنها لم تتعافَ بصورةٍ كاملةٍ تماماً من إرث العصر النازي في ظل الشيوعية.
وكافحت مدينة كيمنتس اقتصادياً في السنوات الأخيرة بعد أن كانت محوراً صناعياً في عصر الشيوعية وكان اسمها كارل ماركس شتات. وعانت من ارتفاع معدل البطالة وخسرت حوالي 80 ألفاً من مواطنيها -أكثر من 20%- في الهجرة منذ إعادة توحيد ألمانيا.
__________________
اقرأ أيضاََ
ألمانيا تدفع تعويضات باهظة عن الحرب العالمية لدولة لم تكن موجودة.. والضحايا الحقيقيون يشكون تجاهلهم