وطَّدوا صلتهم بروسيا والصين وتمتعوا بعلاقات استراتيجية مع واشنطن.. Foreign Policy: قادة مصر مؤهلون لأداء هذه الأنواع من الأعمال الدبلوماسية الخطيرة

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 19:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/29 الساعة 19:51 بتوقيت غرينتش
Egyptian President Abdel Fattah Al Sisi gives his speach during the inauguration of major power stations in the energy sector as part of the country's development drive, at Egypt's new administrative capital, north of Cairo, Egypt, July 24, 2018 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS

قارنت مجلة Foreign Policy الأميركية بين نظرة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للغرب، الذي استغل الحرب الباردة، معارضاً التعامل بخشونة مع الدول القوية. ورؤية الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي حول التعاون مع دول مثل روسيا والصين كلٍّ على حد سواء.

وقالت المجلة إنه في عام 1955 سئم جمال عبدالناصر من ألاعيب واشنطن بشأن صفقة الأسلحة المعطلة منذ فترة طويلة.

وصدم الغرب بتودده إلى الاتحاد السوفييتي وشراء المعدات الحربية عبر تشيكوسلوفاكيا وإثارة مشاعر الخوف من سباق التسلح في الشرق الأوسط.

وبعد مرور 6 عقود، تبحث القاهرة عن أفضل صفقة سياسية يمكن أن تحققها مرةً أخرى، لذا تتقدم باقتراحاتٍ دبلوماسية إلى موسكو وبكين، مع حرصها على الحفاظ على داعميها في أميركا والخليج.

وكما في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، أصبحت القيادة المصرية تشعر بالحنق تجاه الولايات المتحدة.

وأصبحت العلاقات جامدةً أثناء فترة رئاسة باراك أوباما، الذي رفض دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن في ظل الاتهامات ضده بانتهاك حقوق الإنسان.

وفي ديسمبر من عام 2013 نسبت صحيفة الوطن المصرية لمصادر قالت إنها مسؤولة أن وزير الدفاع الأميريكي تشاك هيجل أنه أجرى أكثر من اتصال هاتفي مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، كشف له خلالها أن البنتاغون يضغط على الرئيس الأميركي باراك أوباما لإعادة العلاقات العسكرية مع مصر إلى طبيعتها، وزيادة أوجه الدعم، وأنه أبلغ أوباما بأن مصر دولة محورية لا يجب التخلي عنها خاصة مع النجاحات التي بدأت تشهدها المرحلة الانتقالية، ورضا أغلبية المصريين عن خارطة الطريق.

ومنذ ذلك الحين لم يقم السيسي إلا بزيارةٍ رسمية إلى دونالد ترمب في البيت الأبيض، لكن تظل الاستراتيجية طويلة الأمد للإدارة الأميركية تجاه مصر غير واضحة.

وعبَّر الكونغرس عن تذمره من عدم استفادة الولايات المتحدة من المليارات التي قدمتها إلى القاهرة على مدار عقود.

وأوقفت منح حوالي 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر في أغسطس/آب الماضي، مشيرةً إلى المخاوف من قانونٍ قمعي جديد يقيّد عمل المنظمات غير الحكومية.

توتر العلاقات بين السيسي وأوباما فتحت الباب أمام توجه مصر للتقارب مع روسيا والصين

وقالت المجلة الأميركية إن تلك التوترات فتحت ثغراتٍ جديدة لكل من روسيا والصين. واستجابت موسكو للمأزق بين السيسي وأوباما بمشاركتها في اتفاقيات تعاون حربية مثيرة وصفقات أسلحة واسعة النطاق مع القاهرة.

ودون إثارة الكثير من الجعجعة حول الأمر، تغدق الصين بشكلٍ متزايد الكثير من أموالها على الاقتصاد المصري، ما يشير إلى أن "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" المتفق عليها بين الدولتين في عام 2014 يمكن أن تصبح واقعاً.

فالتقارب مع روسيا يأخذ الطابع العسكري بشكل كبير

وقالت المجلة الأميركية إن العلاقات المصرية الروسية تتسم بطابعٍ عسكري أقوى في ظل حكم السيسي، المشير السابق الذي قاد عملية الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطياً.

وشرعت الدولتان في إجراء تدريباتٍ عسكرية وبحرية مشتركة منذ يونيو/حزيران 2015. وانتشرت تقارير في أواخر عام 2017 تفيد بأنَّ الدولتين كانتا تجريان مفاوضاتٍ حول اتفاقٍ للاستخدام المتبادل لقواعد القوات الجوية لكلٍ منهما.

كذلك كان السيسي مصدراً جيداً للدعم العربي لبعضٍ من تحركات بوتين السياسية الخارجية الأكثر خطورة في الشرق الأوسط.

إذ منحت القاهرة غطاءً دبلوماسياً لدعم روسيا للديكتاتور المحاصر بشار الأسد في سوريا، وزُعم أنَّها وفرت قاعدةً للقوات الروسية بهدف تعزيز خليفة حفتر، القائد العسكري المستقل المناهض للحركات الإسلاموية في ليبيا.

وفي بعض الأحيان، تمكن نظام السيسي بنشاط من تجاهل حلفائه الأزليين والسعي لتوطيد العلاقات مع المؤسسة العسكرية الروسية.

إذ أثارت مصر غضب المملكة العربية السعودية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016 بالتصويت لصالح مشروع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي صاغته موسكو وعارضته الرياض.

وفي مايو/أيّار العام الجاري، أشاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بمصر لرفضها طلب الولايات المتحدة بنشر جنود في سوريا.

بالتالي كان جزاء مصر أن حصلت على سلسلة من مبيعات الأسلحة الروسية، التي قال عنها موردخاي خازيزا، وهو متخصص في العلوم السياسية في كلية عسقلان الأكاديمية بإسرائيل، إنَّها أصبحت حاسمة لاستراتيجية القاهرة مع موسكو.

وبينما أبدت الولايات المتحدة تردداً أكبر في تقديم المساعدات العسكرية، دخل الكرملين لملء تلك الفجوة.

إذ وقَّعت روسيا على صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار مع مصر في عام 2014، إضافةً إلى أنَّها قدمت معدات حربية تساوي أكثر من مليار دولار العام الماضي فقط.

وكذلك نمت العلاقات الاقتصادية بين البلدين. إذ تعهدت كلٌ من روسيا ومصر بإنشاء "منطقة صناعية روسية" في قناة السويس، تهدف الخطة فيها إلى توفير استثمارٍ روسي كبير بشروطٍ مواتية.

وأثناء زيارة بوتين إلى القاهرة العام الماضي 2017، وافقت روسيا على تمويل مشروع إنشاء محطة طاقة نووية بتكلفة 21 مليار دولار والإشراف عليها بالقرب من منطقة العلمين.

لا يزال المشروع في مرحلة مبكرة للغاية، لكن تتوقع الحكومة المصرية أن يبدأ تشغيل المحطة في عام 2026.

بالرغم من تلك الخطط الكبيرة، فإنَّ الموارد المالية الضعيفة لروسيا تحد من قدرتها على حيازة نفوذٍ اقتصادي حاسم في مصر.

ويجادل تيموثي كالداس، وهو زميل غير مقيم يعمل في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، بأنَّ أي محاولة ترمي إلى معاقبة الولايات المتحدة من خلال طلب العون من بوتين قد فشلت.

وقال: "بالغت مصر بشدة في تقدير مدى غضب أميركا من ذلك. يعلم الأميركيون أنَّ روسيا لا يمكنها أن تحل محلهم أو محل دول الخليج.. نظراً لإفلاس روسيا في الحقيقة".

أما الصين فالتقارب معها يأخذ الشكل الاقتصادي

وقالت المجلة الأميركية: "أما الصين فهي ليست مفلسة، وتفوق أهميتها الاقتصادية بالنسبة لمصر أهمية روسيا، حيث كانت العاصمة بكين هي الشريك التجاري الأكبر للقاهرة منذ عام 2012، مع مساهمة الصين بـ13% من إجمالي قيمة الواردات العام الماضي وحده، أي ما يعادل تقريباً ضعف نسبة نظيرتها ألمانيا، ثاني أكبر مُصدِّر لمصر".

واستغلت إدارة السيسي الموقع الاستراتيجي لمصر محركاً رئيسياً من أجل علاقاتٍ أوثق مع الصين. ويقول جون تشن، الخبير في العلاقات الصينية الشرق أوسطية بجامعة كولومبيا: "قناة السويس هي ما تجعل مصر استثنائية بالنسبة للصين".

ويقع الممر المائي في قلب طريق الحرير البحري، الذي يُعد بمثابة دعامة مبادرة طريق الحرير الجديد الشاملة التي يقودها الرئيس الصيني شي جين بينغ.

وبدأت المبادرة في الأصل كمشروع للوصل بين أوروبا وآسيا، قبل أن تتحول إلى مصطلح عام لسياسة الصين الخارجية بأكملها تقريباً.

بيد أن الفكرة الأصلية لطريق الحرير البحري ركزت تحديداً على طريق الشحن بين أوروبا والصين.

وأخبر مسؤول مصري وكالة أنباء شينخوا الصينية العام الماضي 2017 أنَّ الصين هي أكبر مستثمر حالياً في قناة السويس، في حين تقوم المجموعة الصينية TEDA بتطوير منطقة اقتصادية خاصة بالمنطقة.

فضلاً عن تقارب أمني على حساب المسلمين الإيغور

وقالت المجلة الأميركية، وفقاً لما قاله جون تشن، تحاول مصر إثبات فائدتها السياسية بالنسبة للصين بطرقٍ أخرى.

ففي مايو/أيّار عام 2017، طالبت حكومة شي بعودة جميع الطلاب الإيغوريين، وهي الأقلية العرقية المسلمة في منطقة شينغ يانغ في أقصى غرب البلاد.

واستجابت إدارة السيسي للنداء بكل سرور، وجمعت مئاتٍ من الطلاب الإيغوريين الذين يدرسون في جامعة الأزهر بالقاهرة من أجل ترحيلهم.

وعلى الأرجح أُرسِلَ هؤلاء الطلاب جميعاً إلى معسكرات الاعتقال الكبيرة المخصصة للإيغور عندما عادوا إلى البلاد.

وفي المقابل، بدأت الصين بضخ العملة الأجنبية في الاقتصاد المصري المنهك. وفي عام 2016، وضعت التقارير الحكومية الصين في المرتبة الثالثة والعشرين بين أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد منذ عام 1970.

 لكن تغير هذا التوجه فجأةً، نظراً لأنَّ الأموال الصينية تغذي الآن مجموعةً كبيرة من المشروعات الضخمة التي تمولها الدولة في مصر.

وفي صدارة تلك المبادرات مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، وهي الخطة الطموحة التي تتبناها إدارة السيسي لنقل المركز السياسي للبلاد إلى شرق القاهرة.

ولاقى المشروع الهائل تجاهلاً مهيناً من جانب المستثمرين الأجانب في أعقاب الإعلان عنه عام 2015، لكن تعهدت الصين الآن بتمويله.

إذ وافقت البنوك الصينية على إقراض الغالبية العظمى من التكاليف اللازمة لبناء منطقة الأعمال المركزية للعاصمة الإدارية.

والشركة المطورة China Fortune Land Development المسجلة بشنغهاي على استعداد لاستثمار 20 مليار دولار في المدينة.

وخارج العاصمة الجديدة، خصَّصت الصين مليارات الدولارات لمشروعات حكومية مصرية عديدة، بما فيها تجديد صناعة النسيج وبناء نظام سكة حديدية خفيفة للقاهرة.

لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستترك مصر وتفك الارتباط بها

لكن ، بالرغم من النفوذ المالي، من غير المرجح أن تتمتع الصين بقوة مهيمنة في مصر في أي وقتٍ قريب.

إذ تحتفظ الولايات المتحدة بتأثيرٍ واسع النطاق على صُناع القرار المصريين. ولا تزال القاهرة أيضاً رهينةً لداعميها الأثرياء من دول الخليج، لاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وتشير التقديرات إلى أنَّ أموال المملكة السعودية المخصصة للمساعدات والاستثمارات في مصر وحدها تساوي 25 مليار دولار بين عامي 2014 و2017. وعندما اشترت مصر الأسلحة من روسيا اعتمدت على التمويل السعودي والإماراتي.

في الوقت الحالي، تحافظ إدارة السيسي على علاقتها مع الولايات المتحدة ببساطة من خلال الالتزام بمكافحة الإرهاب.

وفي يوليو/تموز من العام الجاري، أمدت الولايات المتحدة مصر بمبلغ يساوي 195 مليون دولار في صورة مساعدات عسكرية، بالرغم من المخاوف المستمرة المتعلقة بحقوق الإنسان.

وأخبر مصدر في وزارة الخارجية وكالة الأنباء Reuters أنَّ الحفاظ على العلاقات الأمنية الثنائية هو ما دفع نحو منح مصر الدعم رغم وقفه سابقاً.

لكن ربما لن يتغاضى حلفاء القاهرة عن العلاقات المصرية الصينية إذا ما اتخذت مساراً أوسع من طبيعتها الاقتصادية الحالية.

وفي عام 2016، أعلنت مصر عن اجتماعٍ مع المسؤولين الصينيين حول تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. وحتى الآن، ليست هناك أي نتائج كبرى لتلك المناقشات.

لكن إذا تغير الوضع، يعتقد تيموثي كالداس أنَّ القاهرة قد تواجه تدخلاً دبلوماسياً ليس فقط من الولايات المتحدة، بل وحتى اليابان التي تشكل مصدراً مهماً آخر للاستثمار الأجنبي المباشر.

وقال تيموثي: "إذا أصبحت الصين أكثر عدوانية في شرق آسيا وأكثر طموحاً في مصر، عندئذ ربما تميل اليابان أكثر إلى استخدام نفوذها في مصر".

قادة مصر مؤهلون إلى حدٍّ كبير لأداء هذه الأنواع من الأعمال الدبلوماسية الخطيرة، والحفاظ بحرص على الموازنة بين المصالح المتعارضة لحلفائها في أغلب الأحيان لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.

ومثلما استغل جمال عبدالناصر القوتين العظميين في الحرب الباردة، وصف السيسي الهدف العام لسياسته الخارجية بأنَّها "تعزيز العلاقات بين القاهرة والقوى العالمية مع حفاظ مصر على استقلال عملية صنع القرار".

وتشير هذه العلاقات الأخيرة مع روسيا والصين إلى أنَّ النظام الحالي قد ورث على الأقل بعضاً من حدس جمال عبدالناصر في ما يتعلق بالمدى الذي يمكن فيه لمصر الوصول بعلاقاتها مع القوى الكبرى الإقليمية والعالمية.

وأردف كالداس: "كان المصريون دائماً يفعلون ذلك على مر التاريخ، وينجحون في التملص من الأمر"

تحميل المزيد