قال له إن اعتناق الصهيونية هو الحل.. فرد الفلسطيني على جاره الإسرائيلي: لا نريد منكم سوى شيء واحد، افعلوه وسنمضي

علق رجاء شحادة المحامي والكاتب والناشط الحقوقي الفلسطيني على كتاب "خطابات إلى جاري الفلسطيني" من تأليف الكاتب الإسرائيلي يوسي كلاين هاليفي بكلمات قوية

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 07:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/30 الساعة 05:05 بتوقيت غرينتش
خطابات إلى جاري الفلسطيني

"تقول إن علينا نحن الفلسطينيين اعتناق الصهيونية، من أجل تحقيق السلام مع إسرائيل. إن إصرارك على هذه النقطة يجعلني أتساءل عن مدى جديتك في شأن مشاركة الأرض والتواصل مع جيرانك. بهذه الكلمات علق رجاء شحادة المحامي والكاتب والناشط الحقوقي الفلسطيني على كتاب "خطابات إلى جاري الفلسطيني" من تأليف الكاتب الإسرائيلي يوسي كلاين هاليفي.

الطتاب يتكون من سلسلة من الخطابات الموجهة لجار فلسطيني متخيل يشرح له يوسي كيف أن الإسرائيليين هم سكان أصليون لفلسطين ويتحدث عن المستقبل المشترك بين الشعبين، داعياً الفلسطينيين والعرب والمسلمين إلى الرد عليه من أجل بدء حوار.

وبالفعل رد شحادة عبر صحيفة The New York Times الأميركية على هاليفي، مبدياً استغرابه من تلميحه لأن أرض فلسطين كانت غير مسكونة قبل أن يأتي الإسرائيليون إليها، مفنداً مقولاته التي تحمل الفلسطينيين مسؤولية عدم تحقيق السلام.

إليك نص خطاب رجاء شحادة.

يوسي منحني جرعة شجاعة

عزيزي يوسي:

لطالما آمنت بأهمية أن نتحاور ونفهم بعضنا البعض في ظلِّ صراعاتنا المستمرة في إسرائيل وفلسطين. لهذا تلقيت جرعةً من الشجاعة حين استلمت كتابك وقرأت عنوانك: "خطابات إلى جاري الفلسطيني".

منذ البداية توضِّح أن كتابك، المكتوب على هيئة 10 خطاباتٍ موجَّهةٍ إلى مراسلٍ فلسطيني افتراضي، يحكي قصتك أنت: قصة يهودي من نيويورك شبَّ وترعرع بالتزامن مع حركة بيتار الشبابية الصهيونية اليمينية، ثم قرَّر في صيف 1982 أثناء حرب لبنان، كما صغتها أنت، الانضمام إلى الشعب اليهودي "في أعظم تحدياته التاريخية".

وبعد الإقامة 36 عاماً في دولتك المُتَبَنَّاة، تكتب (وما زلت موجِّهاً حديثك إلى مستَمِعِك الفلسطيني الخيالي) أنك تؤمن بأن أعظم التحديات التي تواجه جيلك الحالي من الإسرائيليين هو "الانفتاح تجاهك يا جاري، لأن مستقبلي ومستقبلك واحد".

ولاحقاً تضيف: "أي خيارٍ نملك سوى أن نتشارك هذه الأرض؟"، وانطلاقاً من ذلك المبدأ تقول إنك قرَّرت كتابة هذه الرسائل، لبدء "رحلة استماع كلِّ طرفٍ منَّا إلى الآخر".

ولكن عندما قرأت خطاباتك بدا أن الهدف الأساسي أن يتقبل الفلسطينيون الرواية الإسرائيلية

أنا أجد هذا هدفاً يليق بالإعجاب. لكن عند قراءتي كلامك، أتساءل عن مدى وعيك بمشاعرنا على الجانب الآخر.

بيد أنك على الأقل تقرُّ بوجود "قصة مضادة" فلسطينية، قصة مفادها "الغزو والاحتلال والتهجير"، تاريخٌ من "التفكُّك" و"الهزائم المُذِلَّة".

إن العاطفة التي لا تنفك تعبِّر عنها مراراً وتكراراً في خطاباتك هي مدى سوء فهمنا -نحن الفلسطينيين- لكم. وأن جهلنا نحن (الفلسطينيين) بتاريخكم ودينكم وارتباطكم بالأرض هو ما تسعون إلى تصحيحه هنا.

منظر عام لمدينة القدس
منظر عام لمدينة القدس

وتفوح منها رائحة التعالي، عذراً نحن لا نريد منكم سوى شيء واحد

على مرِّ السنين قمت أنا نفسي بمحاولاتٍ جادةٍ للتقرُّب من جيراني الإسرائيليين، لتكوين صداقاتٍ وفهم نظرتهم إلى العالم، وقد تُرجِم عديدٌ من كتبي ونُشِر في إسرائيل.

لكن عند قراءتي خطاباتك، لم يسعني سوى الشعور بأنك تتعالى عليّ، وهو ردُّ فعلٍ مؤسفٍ لأنني جمهورك المُستَهدَف، كما أؤمن.

في إحدى خطاباتك تتساءل عن الكيفية التي يمكن بها لشعبك "تمكين" شعبي. لكن ذلك يبدو سؤالاً خاطئاً إذ أن كلَّ ما يتمناه معظمنا هو انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلَّتها وتركنا نمضي قُدُماً في حياتنا.

وهي تردد روايات مكررة وغير موثوقة وهذا هو الدليل على عدم صحتها

ومما لا يخدم قضيتك أيضاً أنك بينما تزعم أن لديك فهماً جديداً وحساسيةً تجاه محنتنا، فأنت تردِّد رواياتٍ قديمةً غير موثوقةٍ.

منها اقتراح أن أرض فلسطين كانت خاليةً قبل وصول الصهاينة أو فكرة أن الإسرائيليين هم من يعرضون السلام باستمرار، ولكن الفلسطينيين هم المُصِرُّون على رفضه (لقد شاركت في مفاوضات أوسلو وأؤكِّد لك أن قدراً كبيراً من مسؤولية فشلها يقع على إسرائيل).

وتطرح المشكلة الأساسية بالصراع بشكل خاطئ.. فليس الطرفان متماثلين

أشعر بأن خطاباتك هي جهودٌ تفكُّريةٌ، وهي رفاهيةٌ تملكونها أنتم ونفتقر إليها نحن. فأنت تسأل: "لو كنت مكاني يا جاري، ماذا كنت لتفعل؟"، ولكننا لسنا في مكانكم. أنت تطرح المشكلة الأساسية للصراع على أنها "حلقةٌ لا تنتهي من الإنكار"، يُنكِر طرفي فيها "شرعية" طرفك، وعدم الاعتراف بما يكفي بـ"الشعبية الإسرائيلية"، ويُنكِر طرفك "السيادة القومية" لطرفي.

لكن هذين الأمرين ليسا سيان. فإن 20 بالمئة من سكَّان إسرائيل فلسطينيون غالباً ما يُعامَلون كمواطني درجة ثانية. وقرابة الخمسة ملايين فلسطيني، أمثالي، الذين يعيشون في الأراضي التي احتلَّتها إسرائيل عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، عاشوا نصف القرن الماضي تحت وطأة نظام الاحتلال القاسي. هذه حقائق واقعية لا يملك سوى طرف واحد أن يغيِّرها.

ولا أطالبك بتبني رؤيتنا للنكبة كي ترغمني على اعتناق الصهيونية

لتحقيق السلام، ليس مطلوباً من الفلسطينيين اعتناق الصهيونية، وتصديق الرواية الإسرائيلية عن المعاناة والتخليص التي تسردها في خطاباتك. فيجعلني إصرارك على هذه النقطة كشرطٍ أساسي للسلام أتساءل عن مدى جديتك في شأن مشاركة الأرض والتواصل مع جيرانك.

على عكسك لن أطالبك بأن ترى النكبة، الكارثة التي سبَّبها تأسيس إسرائيل لشعبي، من نفس العدسة التي أراها منها. فلا يمكنك ذلك. بل سأكتفي بأن تقرَّ بمسؤوليتك وتضع الإقرار بتلك المسؤولية على أجندة المفاوضات حين يأتي الوقت للتوصُّل إلى تسويةٍ بيننا.

نساء فلسطينيات في مسيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي
نساء فلسطينيات في مسيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي

وانتبه لسنا في حرب دينية

كثيرٌ من حُجَجِك تعجُّ بالمصطلحات الدينية عن تشابك الصهيونية واليهودية. لكن حربنا ليست حرباً دينيةً، بل هي صراعٌ بين قوميَّتَين تجعل فيه القومية الإسرائيلية من المحال على الأخرى، الفلسطينية، أن تمارس حقها في تقرير المصير.

"غرض اليهودية" كما تراه "هو تطهير شعبٍ واحدٍ بهدف تطهير الناس كافة". ولكن الفلسطينيين لا يحتاجون إلى التطهير من إسرائيل. إنما ببساطةٍ نريد الحق في التحكُّم بمصيرنا، وهي رغبةٌ أعلم أنك حتماً تفهمها جيداً من دراستك التاريخ اليهودي.

وخطاباتك لا تنتظر رداً بل تتوقع مني العكس تماماً

أتفق معك في أن السلام لن يأتي إلا بأن ننجح في مشاركة هذه الأرض والعيش عليها بعدالةٍ ومساواةٍ لكلا الدولتين.

وسأتفق إلى الأبد مع شعورك بحتمية إنهاء "العنف والقهر والغضب واليأس" الذي تتسم به علاقتنا.

ولكن ربما مشكلة خطاباتك هي أنه عند قراءتها، لا أشعر بأنك تسعى إلى إيجاد جوابٍ، وتأمل في ردِّ ذلك الجار الفلسطيني، ألا وهو أنا، وإنما أشعر أن الخطابات عبارةٌ عن محاضرات، أي أنصاف أحاديث مع شريكٍ تتوقَّع أن يلتزم الصمت ويصغي.

مع أطيب تمنياتي،

رجاء


اقرأ أيضاً

مسلسل "فوضى" الإسرائيلي.. كيف سبب الأذى للفلسطينيين وأخفى محنتهم، وأضفى طابعاً رومانسياً على قوات الاحتلال!

أحبته فتحولت إلى اليهودية، وانضمت للموساد بعد سقوط طائرته في سوريا.. هذا ما تقوله "الأسطورة" عن جاسوسة خانت العرب

الأموال مقابل الاعتراف.. ترمب يمنع 200 مليون دولار مساعدات كانت مخصصة للفلسطينيين بسبب الموقف من قضية القدس

تحميل المزيد