في مستشفى بالجزائر مرضى الكوليرا ينتظرون «الإفراج» بفارغ الصبر

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/29 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/29 الساعة 16:36 بتوقيت غرينتش
People read newspapers with headlines on an Algerian military plane crash, in Algiers, Algeria April 12, 2018 REUTERS/Ramzi Boudina

يعيش الجزائريون أوقاتاً صعبة بسبب انتشار الكوليرا في الجزائر حتى إن الحكومة رفعت حالة الطوارئ؛ لمتابعة الحالات كافة التي يعلَن عن إصابتها.

ويصف الشاب الجزائري "فاتح" حالَه وحال أقاربه الذين يعالَجون في المستشفى، قائلاً: "كأنهم مسجونون ننتظر العفو عنهم!".

حيث يأتي إلى مستشفى بوفاريك غرب الجزائر يومياً منذ 12 يوماً؛ ليطمئن على أمه، في انتظار أن يؤذن للمرضى بالخروج من الحَجر الصحي الذي وُضعوا فيه منذ ظهور هذا الوباء مجدداً بالبلاد في مطلع أغسطس/آب 2018.

يقول هذا الشاب الذي يعمل سائق شاحنة: "جئنا بها إلى المستشفى منذ الجمعة التي سبقت عيد الأضحى، بعد معاناتها إسهالاً حاداً، كنا خائفين جداً عليها بعدما فقدت الكثير من الوزن، لكنها اليوم في تحسُّن، ما يجعلنا نأمل خروجها القريب".

كل مريض يدخل المستشفى تُؤخذ منه عينات يتم إرسالها إلى معهد باستور بالجزائر؛ لتأكيد الإصابة بالكوليرا أو لا بالنسبة للحالات المشتبه فيها، أما الحالات المؤكَّدة، فتخضع للعلاج مع تحاليل دورية للتأكد من شفائها.

المستشفيات أعلنت حالة الطوارئ لمتابعة حالات الإصابة بالكوليرا

ويعيش مستشفى بوفاريك بالبليدة (50 كم جنوب غربي الجزائر) حالة طوارئ منذ اكتشاف أول حالة كوليرا في بداية أغسطس/آب 2018، بعد 22 سنة من اختفائه تماماً من البلد.

وهذه المؤسسة الصحية، التي يعود بناؤها إلى 1870، هي الوحيدة في منطقة وسط البلاد التي تضم وحدة لعزل المرضى، بطاقة 150 سريراً، بالإضافة إلى مستشفى القَطار بالعاصمة.

وأفاد أمين عبد الله، طبيب مختص في الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك، أن 90 مصاباً يقبعون حالياً بالمستشفى، مشيراً إلى أنه منذ 14 أغسطس/آب 2018، استقبل مستشفى بوفاريك 172 حالة، منها 59 حالة مؤكَّدة، و55 حالة في بوفاريك، وتسجيل وفاتين.

وأفاد بأن 60 مريضاً غادروا المستشفى بعد إثبات شفائهم نهائياً، في حين أن باقي الحالات ينتظرون التحاليل، مؤكداً أن المصاب بالكوليرا حتى وإن شُفي من المرض فإنه يبقى حاملاً للوباء 15 يوماً بعد خروجه من المستشفى.

وأضاف الطبيب أن 40% من الأشخاص كانوا مصابين بالوباء إلا أنهم يجهلون ذلك. ويضيف "فاتح": "منذ أن يدخل المريض هنا ينقطع عن العالم الخارجي حتى يتم الإفراج عنه".

وكانت وزارة الصحة أعلنت مصدر وباء الكوليرا

وكانت وزارة الصحة كشفت عن مصدر وباء الكوليرا، حيث أكّد مدير الوقاية والترقية على مستوى وزارة الصحة، جمال فورار، السبت 25 أغسطس/آب 2018، أن مصالح الرقابة تمكنت فعلياً من اكتشاف مصدر وباء الكوليرا في ولاية تيبازة، ويتعلق الأمر بحسبه بمنبع سيدي الكبير للماء الطبيعي في بلدية حمر العين التابعة لولاية تيبازة.

وذلك بناء على نتائج التحليل التي تم الكشف عنها، السبت 25 أغسطس/آب 2018، من قِبل معهد باستور.

وقال فورار في تصريح للصحافة، إن مصالح الرقابة رفعت عينات من المياه التي كانت تستهلكها العائلات المصابة في تيبازة، وأخضعتها للتحليل؛ ليتم ثبوت تلوث المياه ببكتيريا الكوليرا، حيث تم إغلاق المنبع المائي نهائياً؛ منعاً لانتشار الوباء في المنطقة.

وأكد فورار أن تحديد مصدر الوباء في تيبازة لا يعني باقي الولايات المتضررة من الحالة الوبائية التي شملت لحد الساعة -حسب المسؤول ذاته- 139 مصاباً، من بينهم 6 حالات في ولاية البويرة التي لم تسجل أية حالة منذ يوم 14 أغسطس/آب 2018، و90 حالة في البليدة، و22 بالعاصمة، و19 في تيبازة، وحالة واحدة في المدية، وحالة أخرى في عيد الدفلى.

وأمام باب حديدي ينتظر شيخٌ خروج ابنته التي قضت في المستشفى 10 أيام تحت المراقبة، بعد الاشتباه في إصابتها بالكوليرا.

ومن فرحته راح يقبّل موظفي المستشفى ويشكرهم: "المهم أن ابنتي خرجت من المستشفى"، هكذا قال لأحد أعوان الأمن الذي كان يمنعه من الدخول في كل مرة يأتي لزيارتها.

ومِثل هؤلاء شاب آخر، رفض الإفصاح عن اسمه، لكنه روى لوكالة فرانس برس قِصته مع المرض، فهو نفسه قضى 8 أيام في المستشفى مع 16 فرداً من عائلته، خرج منهم 13.

لقد خرج الاثنان في حين خرجت أمه وزوجة أخيه ورضيعها الثلاثاء 28 أغسطس/آب 2018.

فهو من بلدية حمر العين بتيبازة (70 كم غرب الجزائر)، حيث قامت السلطات بردم منبع مائي ملوث ببكتيريا الكوليرا، وحيث أعلنت وزارة الصحة الثلاثاء 28 أغسطس/آب 2018، تسجيل 14 حالة مؤكدة.

وقال: "أعيش مع عائلتي بمنزل كبير في حمر العين، بدأ المرض مع أمي التي أُصيبت بالإسهال ثم والدي، وبعد نقلهما إلى المستشفى جاءت سيارة إسعاف ونقلت كل العائلة البالغة 16 فرداً!".

وشربت كل العائلة من المنبع الملوث، لكن بالنسبة لهذا الشخص فإن مصدر الداء ليس الماء، "وإلا كان انتشر في كل المنطقة؛ لأن الجميع يشرب من هذا المنبع منذ عشرات السنين".

وحتى مدير المستشفى يرجِّح أن تكون أسباب المرض متعددة؛ نظراً إلى المناطق المتفرقة التي جاء منها المرضى (19 مريضاً من حمر العين فقط)، وقد تكون خضراوات وفواكه ملوثة استُهلكت دون غسلها بشكل جيد.  

الخبر السار الثلاثاء 28 أغسطس/آب 2018، كان يتعلق بـ16 مريضاً، لم تكن أُم "فاتح" بينهم. لقد خرجوا مبتهجين مهرولين نحو السيارات، وكأنهم يريدون طي صفحة الكوليرا بأسرع وقت ممكن.

وخارج المستشفى بدا القلق واضحاً على سكان مدينة بوفاريك، وخاصة المحاذين للمستشفى، فهم لا يعرفون الكثير عن هذا المرض.

أحد التجار وقف في محله وهو يضع قفازات طبية: "لست أدري؛ ربما تكون الأوراق المالية ملوثة بالمرض"، كما أوضح.

وتسببت الكوليرا في رفع أسعار المياه والمواد المعقمة

وارتفعت أسعار المياه المعدنية، وكذلك المراهم المعقمة للاستعمال اليدوي باتت مفقودة، بحسب مراسل وكالة فرانس برس.

ويبقى المرضى المشتبه في إصابتهم 4 أيام على الأقل تحت المراقبة، "فالنتائج من معهد باستور تأخذ بين 3 و7 أيام بحسب الحالة"، كما أكد مدير مستشفى بوفاريك، رضا دغبوش، لوكالة فرانس برس.

ويوضح: "أما معدل بقاء المرضى تحت المراقبة قبل صدور التحاليل، فهو حالياً 4 أيام".

وسادت حالة من الترقب طيلة يوم الثلاثاء لنتائج التحاليل، ومع حلول موعد الزيارات عند الساعة الواحدة ظهراً، تهرع العائلات إلى جناح الأوبئة والأمراض المُعدية؛ للاطمئنان على ذويها رغم أن الزيارات والاحتكاك بالمرضى ممنوع تماماً.

وأعلنت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات تسجيل -وإلى غاية 27 أغسطس/آب 2018- 59 حالة إصابة بداء الكوليرا مؤكدة، مع 26 حالة سلبية من بين 172 حالة استقبلتها المستشفيات منذ 7 أغسطس/آب 2018، حسب ما أفاد به الثلاثاء 28 أغسطس/آب 2018 بيان للوزارة ذاتها.

وأوضح المصدر ذاته أن الحالات المسجلة المؤكدة بالولايات الخمس تخص كلاً من البويرة بـ3 حالات، والبليدة بـ30 حالة، وتيبازة بـ14 حالة، والجزائر العاصمة بـ11 حالة، والمدية حالة واحدة، مؤكداً أنه لم "يتم تسجيل حالة وفاة أخرى باستثناء الحالتين اللتين تم الإعلان عنهما على مستوى ولاية البليدة سابقاً".

وقد تم التكفل بكل المرضى على مستوى المؤسسة الاستشفائية المتخصصة الهادي فليسي (القَطار سابقاً) والمؤسسة العمومية الاستشفائية لبوفاريك، حسب المصدر ذاته، الذي أوضح أن 66 حالة غادرت المستشفى، والحالات المتبقية تشهد وضعيتها الصحية تحسناً مستمراً.

ويكتفي الزوار بالبقاء في ساحة محاذية لمصلحة الأوبئة والأمراض المُعدية، في انتظار أن يطل المرضى من النوافذ المسيَّجة بالحديد، فيبدأ حوار بين الزوار والمرضى تارة بالصوت العالي وتارة أخرى بالإشارة فقط.

ويُمنع تقديم أي شيء للمرضى؛ لا أكل، لا شرب ولا حتى ملابس. بعض الزوار يضعون كمامات على أفواههم وبعض النسوة يغطين أفواههن بالخمار الذي يلبسنه.

ويقطن "فاتح" في حي جديد ببلدية بئر توتة، على بُعدن نحو 20 كم من بوفاريك، ولم يُصب أحد من عائلته أو حتى من الحي سوى أمه، وهي واحدة من 91 مريضاً يخضعون للعلاج في مستشفى بوفاريك، منهم 73 من ولاية البليدة، كما صرح مدير الصحة أحمد جمعي لوكالة فرانس برس الثلاثاء 28 أغسطس/آب 2018.

تحميل المزيد