أثارت القضية 148 عسكرية ، في ذلك الحين، ضجة كبيرة، ليس فقط لكونها أكبر قضية تُحال إلى القضاء العسكري المصري، ولا لأن تحقيقاتها استمرت لفترة تجاوزت العام؛ ولكن لكشفها تخطيط بعض المتهمين في القضية لاغتيال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مرتين، إحداهما كانت خلال أدائه مناسك العمرة في المملكة العربية السعودية، عام 2015.
تواصلت التحقيقات ومحاكمة المتهمين عسكرياً في القضية التي باتت تعرف باسم القضية 148 عسكرية ، على مدى 21 شهراً، وما زالت مستمرة؛ إذ ستعقد جلسة جديدة للمحاكمة الأربعاء، 29 أغسطس/ آب 2018.
طوال هذه الأشهر الطويلة تكشفت بعض ملابسات القضية نرصد هنا أبرزها.
التهم: اغتيال قضاة وضباط ومهاجمة كمائن ومحاولة اغتيال السيسي وبن نايف وبرهامي
نسبت النيابة العامة للمتهمين -قبل إحالتهم للقضاء العسكري- القيام بـ17 واقعة عنف وتخطيط للعنف، من بينها اغتيال 3 قضاة بمدينة العريش، واستهداف مقر إقامة القضاة المشرفين على الانتخابات البرلمانية بمحافظة شمال سيناء، وهي العملية التي أسفر عنها مقتل قاضيين و4 أفراد شرطة ومواطن، واغتيال المقدم إبراهيم أحمد بدران سليم، مدير إدارة تأمين الطرق والأفواج السياحية بشمال سيناء.
وأسند للمتهمين أيضاً تفجير أتوبيس يقل سياحاً كوريين بمدينة طابا بجنوب سيناء، ما أسفر عن وفاة 3 سائحين وسائق الناقلة وإصابة عدد كبير من السياح.
نُسب للمتهمين أيضاً زرع عبوات ناسفة بطريق مطار العريش استهدفت مدرعات القوات المسلحة والشرطة أثناء مرورها بالطريق، واستهداف قسم ثالث العريش باستخدام سيارة مفخخة قادها انتحاري، واستهداف إدارة قوات أمن العريش بسيارة مفخخة، وإطلاق نيران على معسكر الأمن المركزي بالأحراش بمدينة رفح، وإطلاق نيران على أكمنة القوات المسلحة واستهدافها، منها أكمنة في مناطق الوفاء، والشلاق والقمبذ، وقبر عمير والخروبة (مناطق في محافظة شمال سيناء).
وتورط المتهمون، بحسب تحقيقات النيابة العامة المصرية، في محاولة الاستيلاء على كميني أبوسدرا وأبوالرفاعي وقسم شرطة الشيخ زويد، ورصد مبنى وزارة الداخلية ومبنى المخابرات الحربية بمدينة رأس سدر، ومطار أبوحماد بالشرقية، وسفارات روسيا وفرنسا وبلجيكا وبورما، وكذلك رصد مقر القوات البحرية بالإسكندرية، وبعض الوفود السياحية بفندق العلمين.
ووُجّه للمتهمين تهمة الرصد والتخطيط لاغتيال رئيس الجمهورية مرتين، إحداهما خلال قيام السيسي بأداء مناسك العمرة في مكة المكرمة عام 2015، ومعه ولي العهد السعودي "السابق حالياً" الأمير محمد بن نايف، والثانية في القاهرة انتقاماً لفض اعتصام "رابعة العدوية" في 14 أغسطس/آب 2013، وكذلك نُسب للمتهمين القيام برصد القيادي السلفي ياسر برهامي تمهيداً لاستهدافه.
خلية "أبو أسماء" خططت لاغتيال السيسي في مكة، و"الضباط الستة" خططوا لتفجير موكبه بالقاهرة
كشفت تحقيقات النيابة العسكرية أن 5 متهمين –بينهم امرأة- يقودهم المتهم سعيد عبدالحافظ، واسمه الحركي "أبو أسماء"، خططوا لاغتيال رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، أثناء تواجده في المملكة العربية السعودية، وولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف.
ويعيش 4 من المتهمين في السعودية المتهمين، هم: أحمد عبدالعال بيومي الطحاوي، حركي "أبوجعفر"، ومحمود جابر، وباسم حسين محمد وميرفت فتحي يوسف.
وكلفت عناصر "ولاية سيناء" في مصر، "أبوجعفر" وعناصر خليته برصد عدة منشآت حيوية بالمملكة العربية السعودية، منها مقر القنصلية الأميركية وفندق "الماريوت" بجدة وبعض الشخصيات الهامة المصرية والسعودية والإماراتية، تمهيداً لاستهدافهم بعمليات عدائية داخل المملكة، مستغلين عملهم بفندق "سويس أوتيل" برج الساعة بمكة المكرمة.
وحسب التحقيقات، اشترى "أبوجعفر" والمتهم محمود جابر بعض المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع المتفجرات "نترات الأمونيوم" من أحد المتاجر بمنطقة سوق "الكعكية" بمكة المكرمة، وتم تخزينها بالطابق 34 ببرج الساعة، بداخل "المكانس الكهربائية" المخصصة لنظافة فندق "سويس أوتيل"، تمهيداً لصنع العبوات المتفجرة، وإعداد حزام ناسف يرتديه أحد المتهمين وتفجير نفسه حال معاودة الرئيس السيسي لأداء مناسك العمرة أو الحج مرة أخرى، إلا أنه تم اكتشاف أمرهم من قِبَل السلطات الأمنية السعودية.
وقام المتهم باسم حسين، بحسب التحقيقات، برصد السيسي أثناء أدائه لمناسك العمرة خلال عام 2015، لتحديد كيفية استهدافه بعمل عدائي عند عودته لأداء العمرة، كما رصد مهبط طائرات الأسرة الحاكمة بالسعودية بالفندق، تمهيداً لاستهدافه، لكن الخطة فشلت أيضاً.
أما خلية القاهرة فقد كانت مكونة من 6 ضباط شرطة ومدنيين، يقودهم الضابط الضابط المفصول من الخدمة، حمد السيد الباكوتشي. وخططت الخلية لاستهداف موكب الرئيس السيسي بالطريق العام، مستغلين مشاركة 4 منهم -كانوا لا يزالون بالخدمة- في تأمين الموكب.
كما خططوا لاستهداف وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، ومساعد وزير الداخلية السابق للأمن المركزي اللواء مدحت المنشاوي، خلال اجتماعهما بضباط الأمن المركزي، وذلك بمساعدة المتهم حنفي جمال محمود، أحد أفراد طاقم حراسة الأخير آنذاك.
وأكد أحد المتهمين في اعترافاته أنهم بعد اجتماعات عدة للخلية، تيقّنوا أن خططهم لاغتيال الرئيس وقادة الداخلية مستحيلة؛ لذلك سعوا للسفر إلى شمال سيناء ودول سوريا والعراق وليبيا للالتحاق بصفوف "داعش".
هذه ليست المحاولات الوحيدة لاغتيال الرئيس السيسي
لا تعد هذه المحاولات الوحيدة الفاشلة لاغتيال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ سبق وصرح السيسي، حين كان مرشحاً للرئاسة عام 2014، بأنه تعرض لمحاولتي اغتيال.
وكشفت مصادر لوكالة "الأناضول"، أن أول محاولة لاغتيال السيسي كانت عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى مباشرة، وبعد أداء المستشار عدلي منصور اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية وتسلمه مهام عمله كرئيس مؤقت للبلاد بقصر الاتحادية.
إذ تعرض السيسي، خلال توجهه لمقابلة الرئيس المؤقت عدلي منصور بقصر الاتحادية، لمحاولة اغتيال، عن طريق استهداف سيارة دفع رباعي مفخخة لموكبه ليتم تفجيرها عن بُعد عن طريق هاتف محمول.
وأوضح المصدر أن ما أفسد المخطط أن القوات المسؤولة عن موكب المشير اكتشفت وجود السيارة قبل وصوله وتم التعامل معها، كما تم تغيير خط سير الموكب.
أما المحاولة الثانية، وفق المصدر نفسه، فكانت عقب المحاولة الأولى بأسبوعين، وكانت أيضاً عن طريق سيارة مفخخة تفجر عن بُعد، وكان السيسي في طريقه من منزله بالتجمع الخامس، إلى وزارة الدفاع بالعباسية، إلا أنه نظراً لما تقوم به قوات الأمن من قطع للاتصالات الهاتفية أثناء مرور الموكب، فلم يتم تفجير السيارة التي تم كشفها بعد مرور موكب المشير.
وأفاد المصدر بأن "جهاز الأمن الوطني كشف 3 خلايا إرهابية، وبعد القبض على أعضاء الخلايا الثلاث، اعترفت كل واحدة منها أنها كانت تخطط لاغتيال السيسي".
ونشرت الصحف المصرية، في يوليو/تموز 2016، وحسب التحقيقات، اشترى "أبوجعفر" والمتهم محمود جابر بعض المواد الكيميائية المستخدمة في تصنيع المتفجرات "نترات الأمونيوم" من أحد المتاجر بمنطقة سوق "الكعكية" بمكة المكرمة، وتم تخزينها بالطابق 34 ببرج الساعة، بداخل "المكانس الكهربائية" المخصصة لنظافة فندق "سويس أوتيل"، تمهيداً لصنع العبوات المتفجرة، وإعداد حزام ناسف يرتديه أحد المتهمين وتفجير نفسه حال معاودة الرئيس السيسي لأداء مناسك العمرة أو الحج مرة أخرى، إلا أنه تم اكتشاف أمرهم من قِبَل السلطات الأمنية السعودية.
وأضافت المصادر أن "هذه المعلومات وصلت إلى مؤسسة الرئاسة، والجهات المعنية بتأمين الرئيس، وتم على الفور التحري عن هذه الجماعة الإرهابية المتطرفة ومَن يدعمها. التحريات كشفت عن أن هذه الجماعة مسلحة بأسلحة متطورة جداً، ولديها قناصة ماهرون، كما أن إحدى الدول تدعمها مالياً ولوجستياً".
مَن هم المتهمون في محاولة اغتيال السيسي؟
تضم "القضية 148 عسكرية"، 292 متهماً، بينهم 158 متهماً محبوسون، و7 آخرين مُخلى سبيلهم، و127 متهماً هاربون. ولا يعد جميع المتهمين في القضية مشاركين في التخطيط لاغتيال الرئيس السيسي، وجاء ضمهم في قضية واحدة على اعتبار أنهم جميعاً عناصر في تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"داعش".
ويعد أحمد عبدالعال بيومي الطحاوي، المكنى بـ "أبوجعفر"، أحد أبرز المتهمين بالمشاركة في التخطيط لاغتيال السيسي بمكة. وكان الطحاوي يدير قسم خدمة الغرف فى فندق "سويس أوتيل"، وقت التخطيط لمحاولة الاغتيال، بحسب تحقيقات النيابة.
وبدأ أحمد التزامه الديني على يد شقيقه مدحت، الذي كان ضابطاً احتياطياً في قوات الدفاع الجوي، وحُكم عليه بالإعدام؛ لأنه شارك فى محاولة لاغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك، خلال إحدى زياراته لعدد من المنشآت العسكرية، وتم تنفيذ الحكم فيه. وبعد هذه الواقعة، ابتعد أحمد عن الالتزام الديني، وعمل في فندق هيلتون النيل، ثم في 2008 عمل في فندق فورسيزونز، ثم انتقل للعمل بمكة فى فندق رافلز وأخيراً فندق سويس أوتيل.
وتواصل أحمد عام 2014 مع سعيد عبدالحافظ، المكنى بـ "أبو أسماء"، الذي كان يشرف على تحفيظه القرآن وهو صغير. وتولى سعيد بعد ذلك تجنيد الطحاوي وزملائه في العمل محمود جابر وباسم حسين محمد.
ويبلغ "أبو أسماء" من العمر 47 عاماً، تخرَّج في كلية الألسن جامعة عين شمس، وعمل مدرِّساً بمدرسة النزهة الجديدة، وتقرَّب خلال عمله إلى الجماعة الإسلامية واعتقل لمدة 11 سنة منذ عام 1994 حتى الإفراج عنه في عام 2005، إثر مراجعات فكرية لأعضاء الجماعات الجهادية في مصر، وانضم إلى "ولاية سيناء" في وقت غير محدد.
وتضم القضية 148 عسكرية، امرأتين اثنتين فقط، إحداهما الدكتورة ميرفت فتحي يوسف "هاربة"، وهي الزوجة الثانية لـ "أبوجعفر" ومن ضمن المتهمين في "خلية مكة" أيضاً. وتعمل ميرفت طبيبة في مكة المكرمة، ووافقت على الارتباط بالطحاوي، بعد وساطة من المتهم في القضية علي إبراهيم، المكنى بـ "أبو يحيى".
ووفقًا لأقوال "أبويحيى" في التحقيقات، فإن مهمة ميرفت في الخطة كانت إدخالها متفجرات إلى الحرم المكي، لتفجيرها أثناء وجود الرئيس السيسي، اعتماداً على عدم التشديد في تفتيش النساء، لكن الطبيبة رفضت المقترح، وحاولت إثناء زوجها وباقي المتهمين عن هدفهم. ويتنافى هذا مع ما قاله "أبوجعفر"، في تحقيقات النيابة العامة، من أن زوجته عرضت ارتداء حزام ناسف لتفجير نفسها حتى تشغل القوات، في الوقت الذي يقوم فيه أعضاء باقي الخلية باستهدافه.
ويعد ضابط الشرطة محمد السيد الباكوتشي مؤسس "خلية القاهرة" التي خططت لاغتيال الرئيس. وكان محمد يحمل رتبة رائد قبل أن يتم فصله من قِبَل وزارة الداخلية عام 2012 بعد أن انضم إلى ائتلاف "أنا ضابط شرطة ملتحٍ"، الذي تأسس بعد ثورة يناير بمشاركة عدد من ضباط وأمناء الشرطة، الذين طالبوا وزارة الداخلية بالتصريح لهم بإطلاق اللحى.
وتواصل الباكوتشي مع عدد من الضباط، بعضهم كان لا يزال في الخدمة، ودعاهم إلى الالتزام دينياً ولاقت دعوته قبول لدى الكثير منهم. واستمر محمد يقود الخلية حتى توفّي مصادفة إثر حادث تصادم خلال سفره إلى محافظة الشرقية في أبريل/نيسان 2014.
ومن ضمن المتهمين البارزين في "خلية القاهرة" أيضاً، كريم محمد حمدي، الضابط السابق بالأمن المركزي، وهو الذي أدلى باعترافات تفصيلية عن الخلية، باعتباره الضابط الوحيد الذي تم القبض عليه. فالباكوتشي توفّي، والضباط الأربعة الآخرين هاربون.
كان حمدي ضابطاً بقطاع الأمن المركزي منذ عام 2007، وتلقى دورات تدريبية مكثفة نهضت بقدراته القتالية، واستخدامه للأسلحة النارية. واستمر في الخدمة حتى أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، إذ تمت إحالته للاحتياط باعتباره ضمن الضباط الذين يدعون إلى إطلاق اللحى.
وكانت تجمع حمدي علاقة وثيقة بالباكوتشي، فانضم إلى خليته واعتنق أفكاراً تكفيرية جهادية قائمة على تكفير الحاكم ومعاونيه من رجال القوات المسلحة والشرطة، وضرورة قتالهم بدعوى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.