قدَّم نفسه بصورة مختلفة للغرب، لكنه يفعل عكسها.. CNN: هكذا يسيء محمد بن سلمان لمشروعه ويهدم ما بناه

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/24 الساعة 12:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/24 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman makes his way to his car upon arriving at Torrejon's military airbase in Torrejon de Ardoz, outside Madrid, Spain, April 11, 2018. REUTERS/Sergio Perez

اعتبرت شبكة CNN الأميركية أن دونالد ترمب ليس الحاكم الوحيد الذي يسقط ضحية غطرسته. لكن هناك أيضاً صديقه ولي العهد السعودي الطموح محمد بن سلمان الذي ينتظر دوره لاعتلاء العرش يجد كذلك أن عواقب خطابه في الفترة الماضية قد بدأت تلاحقه

وتقول الوكالة في تقرير لها عن سياسات محمد بن سلمان الخارجية والداخلية إن حلفاء محمد بن سلمان احتفوا به على اعتباره حداثياً ينفض عن نفسه عباءة الطابع المحافظ المُتَشَدِّد للمملكة الصحراوية.

وأخرست إصلاحاته الواسعة المُشَكِّكين فيه، بما في ذلك السماح للنساء بقيادة السيارات. لكن في الأسابيع الأخيرة تلطَّخت صورته بعض الشيء، بما كسبت يداه.

وتشير التقارير إلى احتمالية تأجيل طرح شركة النفط العملاقة "أرامكو" للاكتتاب العام" البالغة قيمته تريليوني دولارٍ أو ربما إلغائه، مما يثير التساؤلات حول مدى سداد الفكرة من الأساس.

وتتساءل الوكالة في تقريرها: هل تمادى بن سلمان، والأهمّ من ذلك، أي نوعٍ من الزُعماء هو؟

وتجيب، حتى هذه اللحظة يرتدي ثوب الحاكم تقدُّميِّ التفكير الذي يمكن لأصدقاء مثل ترمب وتيريزا ماي وماكرون وأنجيلا ميركل العمل معه،حتى وإن كان ذلك على الرغم من الانتقادات الداخلية لهم من ناخبيهم.

محمد بن سلمان ينافي صورته الدولية بسياساته الفاشلة

وتقول الوكالة في تقريرها، في مقابل جميع إخفاقات محمد بن سلمان الملحوظة: مثل الحرب الضَروس التي شنها على اليمن وما يُنتظر منها من إزهاق للأرواح وإحلال البؤس باليمن،

فإن رغبته المُعلَنة في القطيعة مع الماضي ووضع أساس مستقبلٍ يعتمد على الاقتصاد المتنوع وليس على النفط وحده لشعب السعودية، أي مشروع رؤية 2020، كانت خطاباً يسيل له لُعاب السامعين.

إذ لفت هذا الخطاب الأنظار إلى العلاقات الدولية وأغمى أعين الناس عن صفقات السلاح الضخمة المثيرة للجدل، التي يَقتُلُ بعضٌ منها المدنيين اليمنيين.

لذا يبدو من الغريب أن ينافي محمد بن سلمان صورته الدولية المرسومة بعنايةٍ بأنه المُصلِح حسن النوايا، ويضع كل هذا على المحك.

وبدأت الأمور تتَّخِذ منحى سلبياً عندما وجدت السعودية نفسها في صدامٍ مع كندا بسبب انتقادات سجل حقوق الإنسان في السعودية. ففي ظرف ساعاتٍ، طردت السعودية السفير الكندي إلى الرياض،

ووضعت حظراً على التعاملات التجارية واستَدعَت كثيراً من الطلاب السعوديين الذين يدرسون في كندا.

خاصة أن يتصرف بمنطق الحصول على كل شيء أو لا شيء على الإطلاق

وتقول الوكالة، وقد أعاد ذلك إلى الأذهان نهج السعودية في التعامل مع قطر المتمثل في منطق "الحصول على كلِّ شيءٍ أو لا شيء على الإطلاق".

وبعد عامٍ من ذلك النزاع، يثبت حلفاء محمد بن سلمان -الإمارات والبحرين ومصر- على موقفهم ويرفضون أي شيءٍ عدا تنحِّي أمير قطرعن منصبه.

وقد تغاضت معظم دول العالم عن الأزمة مع قطر، وافترضت أنه بمرور الوقت ستجد دول الخليج سبيلاً لتجاوز خلافاتها.

ولكنّ هذا لم يحدث، وما حدث أن محمد بن سلمان زاد الطين بلة، ودفع حلفاءه إلى الاختيار ما بين المعسكرين.

وهنا يكمن خطر تدهور العلاقات: كاستعادة ذكريات ليلة من احتساء الخمر صبيحة اليوم التالي؛ تتضخَّم كل الأخطاء المُرتَكَبة في سَكرة البارحة ويصير من المحال تجاهلها.

فهناك خطرٌ على لمسة محمد بن سلمان السحرية في رسم صورةٍ إيجابيةٍ لقدرته على معالجة خطايا مملكته -بما يخالف كل التوقعات، بالنظر إلى ماضي السعودية الملتوي في الإصلاح- وقد تفقد لمسته جاذبيتها إذا أصبح من المستحيل التغاضي عن عيوبه الشخصية.

وهو ما يجعله يمضي في أخطائه بما فيها انتهاكات حقوق الإنسان دون الاعتبار للموقف الدولي.

وقالت الوكالة، ركَّزت التقارير هذا الأسبوع على أن ناشطةً حقوقية شابةً أُلقِي القبض عليها منذ بضع سنواتٍ ستمثُل أمام المحكمة، بما يمكن أن يُفضي إلى الحكم عليها بالإعدام إذا ثبتت إدانتها.

بالنسبة لحلفاء محمد بن سلمان، تتراكم جميع نقاط ضعفه وزلَّاته. فمن الصعب تصوُّر الحكومات وهي تتناقش حول الكُلفة الداخلية للسير مغمضة العينين خلف رؤية محمد بن سلمان.

لكن إذا كان انتقامه مؤخراً من كندا قد أعاد فتح باب التساؤلات حول طموحه الشاب، وسعة صدره وقدرته على تحقيق أهدافه،

إذن ربما يكون إدراك الحلفاء للتهديد المُحتَمَل على تمويل خطَّته الإصلاحية الكبرى سبباً في زعزعة قبضته على الخطاب السعودي وإضعاف ثقة أصدقائه به.

وسبق أن أحدث محمد بن سلمان شرخاً في ثقة المستثمرين العام الماضي، بالقبض على مئاتٍ من أفراد الأسرة الحاكمة البارزين ورجال الأعمال الكبار، وتوجيه تهم الفساد لهم.

وبعد اعتقالهم في فندقٍ فاخرٍ، أُفرج عن كثيرٍ منهم مطلع هذا العام، بعد تقلص ثرواتهم بالطبع نظير ما دفعوه للخروج من الأزمة.

وأخبرني مصرفيٌّ سعوديٌّ قابلته في سويسرا آنذاك بأنه لا يعرف سوى سعوديين قلائل يستثمرون في بلدهم.

ويقول المسؤولون السعوديون إن خطَّتهم كانت تقتضي دوماً ضبط توقيت طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام في وقت يتلاءم مع احتياجاتهم، ويتوقف ذلك على عدة عواملٍ منها أسواق النفط.

وجد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش عام 2005 أن فورات الحماس الوطني لا تدوم طويلاً.

وتسبب إخفاقه في التعامل مع إعصار كاترينا في نيو أورلينز بسرعةٍ وفاعليةٍ في وابلٍ من الانتقادات المنصبَّة على منهجه في حرب العراق وظهور ما صار يُعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

قد ظلت هذه الحقائق والعواطف حبيسةً، مما أدى إلى بناء كتلةٍ حرجةٍ وراء سدود الوطنية المولودة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

لكن بمجرد أن أصبحت قدرات بوش محل تشكيك، انفتح الباب على مصراعَيه أمام جميع الاحتمالات.

لم يكن ما حدث لبوش فشلاً وسقوطاً، وإنما تحطّم بالكامل.

ربما يكون محمد بن سلمان على أعتاب مصيرٍ مماثلٍ. فربما تنهار كل الطموحات في الخير الذي سيجلبه على السعوديين إذا أصبح الثمن السياسيُّ لصداقته باهظاً أكثر مما ينبغي.