ربما تجلب الهدوء للحدود بين إسرائيل وغزة، لكنها ستجعل عباس أضعف.. The Economist: هذا أكثر ما يمكن أن تحققه «صفقة القرن»

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/24 الساعة 19:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/24 الساعة 20:56 بتوقيت غرينتش

عادة ينتحب الدبلوماسيون أن الفلسطينيين والإسرائيليين لا يتحدثون. لن تعرف هذا من حشود الدبلوماسيين والجواسيس الذين يتجوَّلون حول المنطقة هذا الصيف. فهم يتنقَّلون في إسرائيل و فلسطين بين القدس، ورام الله، و غزة والعواصم العربية، بدءاً من القاهرة وحتى الخليج، في 3 مسارات من المفاوضات.

ويوضح تقرير لمجلة The Economist البريطانية، أن المسار الأول يرمي إلى تحاشي اندلاع حرب بين إسرائيل و"حماس"، والثاني يسعى للمصالحة بين "حماس" ومنافستها "فتح" التي تحكم الضفة الغربية، وهناك مسعى ترمب لتحقيق "صفقة القرن" بين الإسرائيليين والفلسطينيين. إلا أنه حتى حين تنتهي الفجوات، ستكون النتيجة -على الأرجح- مشابهة للوضع القائم حالياً.

"حماس" وإسرائيل "أقرب إلى الحرب" من أي وقت مضى

محادثات الهدنة التي تضم إسرائيل و"حماس" هي الأكثر إلحاحاً. فالجانبان أقرب إلى الحرب أكثر من أي وقتٍ مضى، منذ صراعهما الأخير عام 2014. بدأت حدة التوترات في الارتفاع حين نظَّمَ نشطاءٌ في غزة مظاهراتٍ ضد الحصار الذي تفرضه مصر وإسرائيل على القطاع عبر عقدٍ من الزمان. في ذروة الاحتجاجات، شارك عشرات الآلاف من المواطنين، وقتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 50 منهم بيومٍ واحد في مايو/أيار 2018. توقَّفَت "حماس" عن دعم الاحتجاجات؛ خوفاً من خروجها عن السيطرة.

حماس قالت إن رفع الحصار عن غزة
حماس قالت إن رفع الحصار عن غزة "بات وشيكا"

انحسرت الحشود، لكن بدلاً من الاحتجاجات التي يغلب عليها السلمية، صار الآن هناك تصاعدٌ في وتيرة العنف. أضرم الشباب الغزاويون النار في آلاف الأفدنة الإسرائيلية باستخدام الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي تُحلِّق عبر الحدود. واستخدم البعض الأوقية الذكرية كوسائط حارقة. أطلقت الجماعات المسلحة مئات الصواريخ على إسرائيل، وألقت إسرائيل مئات القنابل على غزة. في كل مرة يندلع فيها العنف، يتسابق الدبلوماسيون للتوسُّط في وقف إطلاق النار. لكن حظهم لن يحالفهم للأبد.

وهو ما جعل "محادثات غير مباشرة" أمراً مُلحّاََ

لذا، تتحدَّث إسرائيل و"حماس"، بشكلٍ غير مباشر، عن صفقةٍ أطول في المدى. ستوقف "حماس" البالونات الحارقة في مقابل تحرير حركة الأفراد والبضائع. قال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لأهل غزة: "نحن في طريق فك الحصار"، لكنهم -في الأغلب- سيصابون بالإحباط.

خفَّفَت كلٌّ من مصر وإسرائيل القيود على الحدود. فمنذ مايو/أيار 2018، استخدم 33 ألف فلسطيني تقريباً معبر رفح مع مصر، وهو عدد يزيد 10 أضعاف، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي (2017). وعلاوة على ذلك، ارتفعت حركة المرور في معبر بيت حانون مع إسرائيل بنسبة 58%. هذا تطوُّرٌ ملحوظ، لكنه بالكاد يُمثِّل حرية حركة لعدد 2 مليون مواطن. كذلك، لن يُعاد فتح اقتصاد غزة المُمَزَّق على العالم (فالواقع أن حركة المرور التجارية منخفضة هذا الصيف).

لكن هناك "الكثير" من المعارضة في إسرائيل

حتى هذه الهدنة المحدودة هي مسؤولية سياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قد يدعو لانتخابات مبكرة بحلول الربيع (لقراءة المقال). ويخشى داعموه اليمينيون أن تتفاوض إسرائيل تحت الضغط. اكتشف استطلاعٌ حديث أن 28% فقط من المُصوِّتين في حزب الليكود يدعمون الاتفاق مع "حماس"، ويعارضه 41% منهم. تحتجز حركة حماس جثتين لجنديَّين إسرائيليَّين قُتِلا في أثناء حرب 2014، وتريد إسرائيل استعادتهما (كما أن لديها سجينين إسرائيليَّين على قيد الحياة، أحدهما يهودي بدوي، والآخر يهودي إثيوبي، وتحظى محنتهما باهتمامٍ أقل). أما "حماس"، فتعتبرهما نقطة نفوذ.

بل ومحمود عباس بدوره "غير راضِِ"

الرئيس الفلسطيني محمود عباس أيضاً غير راضٍ. كان مساعدوه يجتمعون مع مسؤولي "حماس" في القاهرة؛ لمناقشة اتفاقية من شأنها أن تجعل "حماس" تتخلى عن سيطرتها على غزة. وقد وقَّعوا اتفاقاً مماثلاً في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لكن لم يُنفَّذ قط. تخلَّت "حماس" عن البيروقراطية، وتركت لـ"فتح" المهمة الشاقة بتوفير الخدمات العامة في غزة. لكنها رفضت نزع سلاح المقاومة. وفرض عباس العام الماضي (2017) عقوباته الخاصة على غزة؛ لممارسة ضغط على "حماس". الأمر الغريب بقدر ما يبدو، هو أن اسرائيل الآن تحاول إقناعه برفع العقوبات؛ خوفاً من أنها ستُعقِّد جهودها في إبرام صفقة مع "حماس".

إسرائيل تمارس الضغط على عباس لرفع العقوبات التي فرضها على غزة
إسرائيل تمارس الضغط على عباس لرفع العقوبات التي فرضها على غزة

استطاع عباس، الرئيس المريض البالغ من العمر 82 عاماً، الحفاظ على الضفة الغربية هادئةً عقوداً من الزمن. وتعمل أجهزته الأمنية عن قرب مع نظيراتها الإسرائيلية. إنه يقبل حلَّ الدولتين، لكنه لا يملك ما يبرهن ذلك، ليس حتى عملية سلام ظاهرية، فضلاً عن اتفاقٍ حقيقي. لذا قضت إسرائيل وقتاً أطول في التفاوض (وإن كان ذلك بشكل غير مباشر) مع "حماس".

ويشكك أيضاً في "جهود إدارة ترمب الخيالية"

لا يشعر عباس بالراحة إزاء جهود إدارة ترمب الخيالية. قضى صهر الرئيس الأميركي، غاريد كوشنر، ومستشاره الخاص جيسون غرينبلات، جولةً مدتها 18 شهراً في المنطقة. ولا تزال خطتهما الموعودة للسلام، التي طال انتظارها، محاطةً بالغموض. لا أحد يعرف متى سيعلَن عنها (أو ما إذا كان سيُعلَن عنها من الأصل).

نقل ترمب بالفعل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، وقطع التمويل عن إدارة الأمم المتحدة للإغاثة والتشغيل، التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين. وقال في خطابٍ ألقاه يوم 21 أغسطس/آب 2018، إن الفلسطينيين "سيحصلون على شيءٍ جيد جداً" كتعويض، ليقول إن شكوكهم سوف تُعامَل بتفهُّم.

عادةً يتعامل المفاوضون المخضرمون مع الصراع باعتباره مشكلةً في التواصل. لو عادت الأطراف إلى طاولة النقاش، فسيكون بإمكانهم عقد اتفاق. لكن هذه الأطراف تحدَّثَت عقوداً. أي فلسطيني أو إسرائيلي يمكن أن يتلو تفاصيل حل الدولتين. أخرجت "حماس" و"فتح" اتفاقيات مصالحة عديدة. لا تكمن المشكلة في الافتقار إلى الحوار؛ بل في ضعف الثقة.

ربما تجلب الصفقة بين إسرائيل و"حماس" الهدوء للحدود، لكنها أيضاً ستجعل عباس أضعف، و"حماس" أقل ميلاً إلى مصالحةٍ حقيقية. بدَّد ترمب أي شعورٍ بالرضا من الفلسطينيين تجاهه. حتى الدول العربية الموالية له، مثل الأردن، غاضبةٌ منه. ولن يحظى إلا بدعمٍ محدود إذا كشف عن خطة سلام. كشف استطلاعٌ نُشِرَ في 13 أغسطس/آب، أن 43% من الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين يدعمون حلَّ الدولتين، وهذه هي النسبة الأقل منذ عقدين. بعد 25 عاماً من اتفاقية أوسلو التي كانت تهدف إلى إنهاء النزاع، صار الأمر يكمن في إيقاف الأمور عن التدهور للأسوأ.

____________________

اقرأ أيضاََ

السيسي يلتقي نتنياهو سراً في القاهرة، ويمارس ضغوطاً على "فتح" لإتمام "صفقة القرن".. كل ذلك بضوء أخضر من واشنطن

"صفقة القرن و"يهودية الدولة": ملامح مرحلة جديدة

يبدو أن الجميع سيتخلى عنه الآن.. 4 دول عربية تدعم "صفقة القرن" وتوافق على الإطاحة بأبي مازن

علامات:
تحميل المزيد