11 بنكاً دولياً يشاركون في التمويل.. الرياض تسعى لاقتراض 11 مليار دولار بعد المماطلة في طرح أرامكو للاكتتاب العام

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/24 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/25 الساعة 17:05 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: The logo of Saudi Aramco is seen at Aramco headquarters in Dhahran, Saudi Arabia. Picture taken May 23, 2018. REUTERS/Ahmed Jadallah/File Photo

يستعد صندوق الثروة السيادي في المملكة العربية السعودية لاختيار مصارف دولية لإقراضه 11 مليار دولار، لسد الثغرة التي خلَّفها تأخر طرح مجموعة أرامكو السعودية للنفط للاكتتاب العام، وتوفير التمويل اللازم للإصلاحات الاقتصادية الطموحة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وستكون هذه القروض، وفق تقرير صحيفة The Economist، هي الأولى التي تُقدَّم إلى صندوق الاستثمارات العامة، الجهة المستخدمة للدفع برؤية الأمير الشاب لاقتصادٍ أقل اعتماداً على النفط، والذي وضع بدوره رهانات جريئة على شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية، وشركة Uber للنقل، وشركة Virgin Galactic للسفر عبر الفضاء.

القروض باتت مهمة بسبب تأجيل طرح أرامكو في البورصة عالمياً

وقالت الصحيفة البريطانية إن أهمية القروض بالنسبة للصندوق، بشكلٍ خاص، ازدادت بعد تأجيل خطط إدراج شركة أرامكو السعودية -الذي كان من المقرر أن يتلقى الصندق عوائد منه- إلى أجل غير مسمى.

وتحوَّل تركيز الرياض بعيداً عن طرح أرامكو للاكتتاب، والذي كان من المتوقع أن تصل عائداته إلى 100 مليار دولار، لصالح إيجاد وسائل أخرى لتمويل صندوق الاستثمارات العامة.

وكانت بعض الأسماء البارزة في مجال الخدمات المصرفية على الساحة الدولية، وضمن ذلك جيمي ديمون من شركة JPMorgan، وفرانك بيتيغاس من Morgan Stanley، ودينا باول من شركة Goldman Sach's والمسؤولة السابقة في البيت الأبيض تحت إدارة ترمب، يحاولون الفوز بالصفقة.

وكان صندوق الاستثمارات العامة يعلق آمالاً بجمع ما يصل إلى 8 مليارات دولار، لكنَّ أحد المطلعين على الصفقة قال إنَّ القرض حقق إقبالاً شديداً، ومن المتوقع أن يصل إلى 11 مليار دولار؛ أي بزيادةٍ قدرها 75 نقطة أساس على سعر ليبور الذي يُستخدم لقياس سعر الفائدة المتقلِّب.

وقال أحد المصرفيين المطلعين على الأمر: "كانت مشاركة الجميع قوية إلى حد ما".

ليست القروض المصرفية المجمعة لصناديق الثروة السيادية أمراً معتاداً، خصوصاً في ظل وجود صناديق كبيرة بالشرق الأوسط، مثل هيئة الاستثمار القطرية، التي عادةً ما تقترض مقابل استثمارات محددة.

وسيشارك 16 مصرفاً في القرض المشترك

وقالت الصحيفة البريطانية إنه من المتوقع أن يشارك ما يصل إلى 16 مصرفاً في القرض المشترك، ومن المقرر أن يتم اختيار البنوك الرائدة مساء الخميس 30 أغسطس/آب 2018، حسبما أفادت مصادر مطلّعة على العملية.

أما البنوك، التي قضى كثير منها سنواتٍ في مغازلة المملكة على أمل الفوز برسوم الاكتتاب العام لشركة أرامكو السعودية، فتجد نفسها الآن تتنافس للحصول على معاملات سعودية أخرى، وتتعامل مع القرض باعتباره المفتاح للوصول إلى صفقات مستقبلية.

وقال عدد من كبار المصرفيين إنَّ ضمان مكان في الصندوق أمرٌ بالغ الأهمية؛ لأنَّه يخطط أيضاً لبيع 70 مليار دولار من أسهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" إلى شركة أرامكو السعودية، في واحدة من كبرى الصفقات لهذا العام.

وسيكون لعملية البيع، التي ستنقل الأموال بين صندوقين تابعين للدولة،  تداعيات على مقاييس الجداول التصنيفية التي تستخدمها البنوك لقياس أدائها مقابل أداء منافسيها.

وقال أحد المستشارين إنّه في الوقت الذي تباطأ فيه العمل بشكل كبير على طرح أرامكو للاكتتاب العام، وسط المخاوف بشأن انكشاف بعض الإشكالات القانونية وعدم القدرة على تحقيق قيمة الطرح التي قدّرها الأمير محمد  بتريليوني دولار، حوَّل بعض المصرفيين تركيزهم إلى صفقة "سابك".

ويقول المستشار أيضاً إنَّ هؤلاء المصرفيين يقيّمون مدى إمكانية تأثير صفقة "سابك" في جدوى وتوقيت طرح أرامكو السعودية للاكتتاب مستقبلاً.

ورغم الاقتراض تصر المملكة على أنها لم تلغِ فكرة طرح أرامكو للاكتتاب

وتصر المملكة على أنَّها لم تلغِ فكرة طرح أرامكو للاكتتاب، على الرغم من وجود علامات متزايدة على أنَّها غير قادرة على تنفيذ إدراج أسهم الشركة أو غير راغبة فيه.

وتتنافس البنوك للحصول على فرصة للمشاركة في تمويل محتمل بما قيمته من 40 إلى 60 مليار دولار، تحتاجه أرامكو السعودية لتمويل أي صفقة تساعدها على شراء حصة "سابك" من صندوق الاستثمارات العامة.

ويمكن أن تعمل هذه الأموال كبديل للعائدات التي كان متوقعاً أن تحصل عليها الدولة من طرح أسهم شركة أرامكو السعودية في الاكتتاب العام.

ويمتلك صندوق الاستثمارات العامة الذي يديره ياسر الرميان، المقرب من الأمير محمد بن سلمان، أصولاً تزيد قيمتها على 250 مليار دولار تخضع لإدارته، والتي يخطط لتوسيعها إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2020.

 

ولتمويل الصفقات، تلقى الصندوق أموالاً من البنك المركزي السعودي، وسعى إلى بيع أسهم في شركات مملوكة له، ولجأ إلى إصدار الديون والاستفادة من عوائد خصخصة أصول الدولة.

ومن المتوقع أن يزداد اعتماده على قروض السندات والقروض المصرفية بعد تراجع إعانات وزارة المالية، إضافةً إلى أنَّ الاستثمارات الضخمة، وضمن ذلك عشرات المليارات من الدولارات التي تعهدت بها الصناديق التي تديرها مجموعتا "SoftBank" و"Blackstone"، لم تحقق عوائد بعد.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري (أغسطس/آب 2018)، أفادت صحيفة Financial Times البريطانية بأنَّ الصندوق استحوذ على ما يقرب من 5% من أسهم شركة إيلون ماسك لصناعة السيارات الكهربائية "تسلا".

وكتب ماسك في وقت لاحق على "تويتر"، أنَّه يفكر في خصخصة الشركة، وأنَّ لديه "التمويل المضمون".

وقال ماسك في وقت لاحق، إنَّ مناقشاته مع الصندوق دفعته إلى اعتقاد أنَّه لم يتبقَّ إلا أن يضع الصندوق السعودي اللمسات الأخيرة للدعم، ليتوصل الطرفان إلى اتفاق.

ومع ذلك، قالت مصادر مقرَّبة من الصندوق إنَّ قيادته لم تشرِ، من قريبٍ أو من بعيد، إلى وجود نقاشات جادة حول وضع المزيد من الأموال في "تسلا" تكفي لخصخصة ماسك شركته.

وتساعد شركة Latham & Watkins للمحاماة صندوق الاستثمارات العامة في عملية الحصول على القرض، في حين من المقرر أن تعمل White & Case، الشركة القانونية التي كانت تتولى قيادة أعمال الاكتتاب في أسهم شركة أرامكو السعودية، مع البنوك، وفقاً لوثائق القرض.

لكن المماطلة في طرح أسهم شركة أرامكو السعودية ستهز ثقة المستثمرين

وقالت صحيفة Financial Times البريطانية إنه في مقر شركة أرامكو السعودية -أكبر شركة نفط بالعالم- في الظهران، يتغير كل شيء.

عاد المصرفيون الذين كانوا يعملون على ما كان يُفترض أن يكون أكبر طرح للاكتتاب العام إلى منازلهم، ليس فقط من أجل إجازة الصيف، ولكنهم ربما لا يعودون للعمل أبداً.

وحلَّ مكانهم أشخاصٌ يخططون للاستحواذ المحتمل على شركة سابك (أكبر شركة للمنتجات البتروكيماوية في المملكة العربية السعودية).

وبعد تقرير صدر عن "رويترز" يوم 22 أغسطس/آب 2018، يفيد بأنَّ خُطط طرح أسهم الشركة في البورصة قد أُلغيت، نشرت المملكة تصريحاً تقول فيه إنَّ هذا "التكهن" من جانب "رويترز" عارٍ عن الصحة، وإنَّها ملتزمة بطرح الشركة للاكتتاب العام "في الوقت الذي تختاره عندما تكون الظروف مواتية". غير أنَّ الواقع يقول إنَّ العملية متوقفة حتى أجلٍ منظور.

ومنذ أن كشف محمد بن سلمان، ولي العهد الحالي، في بدايات عام 2016، عن نيته بأن يُخصخِص دُرّة تاج المملكة جزئياً، ونجاحه في تحقيق ذلك يراوح مكانه ولا يزال رهينة في يد الأقدار.

وقد ارتكب بن سلمان خطأً فادحاً عندما سعَّر الشركة بتريليوني دولار دون أن تتاح الفرصة لأي أحد لاختبار إقبال المستثمرين عليها.

ولم يستطع القصر أن يقرر ما إذا كان من الأفضل طرحها في بورصة نيويورك أم لندن أم بمكان آخر، بعد أن فشل مسبقاً في تدبر تداعيات اختياره.

ويقول جيم كرين -خبير الطاقة بجامعة رايس- إن القصر لم ينجح في مهمة إقناع السعوديين بأن البيع يصب في صالحهم.

ويخشى أفراد العائلة المالكة السعودية من أن الشفافية اللازمة لطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام ربما تفضح طُرق تسيير الأمور في أروقة القصر.

غير أن المنطق الذي اتبعوه سليم. كان الطرح الأوليّ للاكتتاب العام هو حجر الزاوية لتحقيق رؤية السعودية 2030 التي وضعها وليّ العهد محمد بن سلمان، بهدف جمع المال الكافي لتستثمر المملكة في صناعات أخرى بما يساعد في تنويع الاقتصاد ليشمل مجالات غير النفط.

وجرى تنفيذ الكثير من الأعمال التحضيرية، مثل تحويل أرامكو إلى شركة مساهمة، وتوثيق ما تملكه من احتياطيات نفطية.

وسيتسبب تعليق طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام -على الأقل حتى تنجح أرامكو في السيطرة على "سابك" واستيعاب عملها- في جعل المستثمرين المحتملين أكثر حذراً في التعامل مع عملية التحوُّل التي تشهدها المملكة.

وكانت ثقتهم قد اهتزت بالفعل باحتجاز أثرياء السعودية في فندق بالرياض العام الماضي (2017)، وحملة القمع التي شنَّها النظام على معارضيه والتي لقيت اهتماماً كبيراً.

وستكون الشراكة مع "سابك" -التي تقدَّر بـ100 مليار دولار- ثاني الأحسنين بالنسبة للرياض.

يعتبر الهدف من هذا بالنسبة لأرامكو هو إيداع ما يصل إلى 70 مليار دولار -تُجمع على الأغلب من أسواق الدَّين العالمية- في صندوق الاستثمارات العامة (مكان الادخار الرسمي للمملكة) مقابل امتلاك الصندوق حصة تُقدَّر بـ70% في شركة البتروكيماويات.

وسيحصل الصندوق في هذا الصدد على مبلغ أقل من 100 مليار دولار، كان من المفترض أن يجنيه طرح أرامكو للاكتتاب العام، وإن كان المبلغ الذي سيحصده من هذه العملية لا يُستهان به.

ويكمن الخطر هنا في تبديد الأموال على مشروعات عبثية لا تخدم اقتصاد المملكة بشكل كبير. هذا الخطر حاضرٌ أيضاً في عملية طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام، ولكن على الأقل حينها بعد أن تبيع المملكة المجموعة الأولى من الأسهم، يمكنها باستمرار جمع المزيد من المال ببيع أسهم أخرى.

ومع ذلك، ربما يتضح أن شراء "سابك" أمر جيد بالنسبة لأرامكو. يقول كرين إن أرامكو كانت مجبَرة سنواتٍ على إمداد "سابك" بالمواد الخام الأوليِّة المدعمة، وبذلك كانت تقدم دعماً أساسياً لشركة منافسة لها في عملياتها الخاصة بنقل البترول وتسويقه وتكريره.

وسيخلق هذا الاستحواذ عملاق طاقة أكثر تنوعاً، على غرار شركة ExxonMobil الأميركية أو شركة Royal Dutch Shell البريطانية-الهولندية.

ومع احتمالية بقاء 30% من أسهم "سابك" مدرجة في البورصة السعودية، هل يمكن أن يخلص هذا، يوماً ما، إلى فتح باب خلفي لإدراج أسهم أرامكو في البورصة أيضاً؟