ماذا بعد طلب ترمب من تل أبيب «ثمناً أعلى» مقابل نقله سفارة بلده إلى القدس؟.. هآرتس: الإسرائيليون خدعوا أنفسهم، وهذا هو الحل الأمثل

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/23 الساعة 16:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/23 الساعة 16:59 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump meets with Israel Prime Minister Benjamin Netanyahu in the Oval Office of the White House in Washington, U.S., March 5, 2018. REUTERS/Kevin Lamarque

تصدَّر دونالد ترمب عناوين الصحف الإسرائيلية صباح الأربعاء 22 أغسطس/آب 2018، وكذلك الصحف في أميركا ، لكن لأسبابٍ مختلفة كلِّياً؛ إذ كان الأميركيون مصدومين من الإدانة الصريحة لبول مانافورت، والاعترافات المُدِينة لمايكل كوهين، وإذا كنتَ من مناهضي دونالد ترمب، فقد كنتَ تتلذَّذ برائحة سحب الثقة الزكية في الصباح. أما في إسرائيل على الجانب الآخر، فكانوا مرتبكين من بضعة تصريحاتٍ أدلى بها ترمب عمداً أو دون قصدٍ، في تجمُّعه الشبيه بالحملات الانتخابية في ولاية ويست فرجينيا.

وكان المصطلح الذي جذب انتباه الناس هو "ثمن أعلى"، يقول تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية. إذ زعم ترمب أنَّ على إسرائيل دفع "ثمن أعلى" في مقابل قراره نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وقال في لغته الطفولية إنَّ الدور قد حان لكي يحصل الفلسطينيون على "شيءٍ جيدٍ".

ترمب يفاجئ الإسرائيليين

إذ توضح الصحيفة أن الإسرائيليين الذين خدعوا أنفسهم بظن أنَّ دعم ترمب لهم كان بلا مقابلٍ، قد بُهِتوا . ففجأةً، لم يبدُ أنَّ ترمب الوقح سيطالب بثمنٍ فحسب؛ بل بثمنٍ باهظ. وفي إسرائيل التي تعمُّها أجواء التوتر، يكفي هذا لإثارة إحساس فوري بوجود أزمة.

وحاول الزائر المستشار الأميركي للأمن القومي، جون بولتون، وضع حدٍّ لهذا الارتباك. وقد فعل ذلك بأسلوب إدارة ترمب المعتاد، عن طريق مناقضة الرئيس مباشرةً. فأفاد بولتون بأنَّ نقل السفارة الأميركية إلى القدس لن تكون له عواقب، كما لو أنَّ الناس لم يسمعوا كلمات ترمب الصريحة، أو ربما لأنَّ كبير مستشاريه يعني أنَّ كلام الرئيس هباءٌ منثورٌ.

المستشار الأميركي للأمن القومي رفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي
المستشار الأميركي للأمن القومي رفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي

لكنَّ رياح العاصفة اشتدَّت بالفعل؛ إذ تأهب اليمين الأيديولوجي الإسرائيلي للمعركة ضد رئيسٍ أميركيٍّ خائنٍ آخر، من الواضح أنَّه رضخ لضغوط الأعداء. وأكَّد رجال نتنياهو، بتوترٍ، للجميع أنَّ شيئاً لم يتغير، وأنَّ ترمب ما زال أعز أصدقائنا إلى الأبد، وقد بذلوا مجهوداً جباراً ليصدِّقوا هم أنفسهم أكاذيبهم. أما اليسار على الجانب الآخر، فكان منتشياً.

فإذا تبدَّل موقف ترمب ضد نتنياهو وأرغمه على تقديم تنازلاتٍ، فستكون ضربة مزدوجة لليمين الإسرائيليِّ المحاصَر: فقد تعود عملية السلام المحتضرة إلى الحياة فجأةً، وسيتعرض نتنياهو لوابلٍ لا ينتهي من الشماتة. وستتضاعف البهجة بفكرة أنَّ نتنياهو أمسى "سجين أفعاله"، كما تقول فرقة The Eagles في أغنيتها Hotel California، بعد أن كان نتنياهو يلقي الأشعار في مديح ترمب بصورةٍ يوميةٍ.

فالرئيس الأميركي يطلب "ثمناً أعلى" من إسرائيل

وعند النظر إلى الوضع من كثبٍ، كان ينبغي لليمين في الواقع أن يُصاب بحالة هستيريا أكبر من هذه نتيجة تصريحات ترمب. فـ"الثمن الأعلى" الذي يُفتَرَض أنَّ ترمب يتوقعه من إسرائيل، ليس فقط مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالقدس ونقل سفارتها إلى هناك؛ إذ يبدو أنَّ ترمب يؤمن بأنَّ تلك القرارات في حدِّ ذاتها قد حلَّت، وفي خطوة واحدة، القضية الشائكة منذ الأزل المتمثلة في القدس المتنازع عليها. فقد قال عن كلّ من حاول مِن قَبله: "لم يستطيعوا قط تجاوز مسألة القدس. أما نحن فسوَّينا المشكلة. ما عادت لنا حاجةٌ بالحديث عنها".

ولو كان هذا حقّاً، لو كان ترمب قد سلَّم بالفعل مفاتيح القدس إلى اليهود وجعل القضية تختفي بتعويذةٍ سحريةٍ من الأجندة الفلسطينية-الإسرائيلية، فمن المنطقي أن يكون بإمكانه الآن المطالبة بطلب لبن العصفور. أولم يكن هو أعزَّ أصدقاء إسرائيل على الإطلاق؟ أولم يخبره الإسرائيليون بأنَّه خليفة الإمبراطور الفارسيِّ المُخَلِّص قورش الكبير، الذي سمح لليهود بالعودة من السبي البابليِّ إلى صهيون العزيز؟ أولم يُصِرَّ اليهود على أنَّه خلَّص القدس من 3 آلاف عامٍ من العزلة؟ أولم يشعر نتنياهو والإسرائيليون جميعاً بأنَّهم مدينون له كثيراً لدرجة أنَّه يحقُّ له المطالبة بأي شيءٍ منهم وزيادة؟

لكن بالنسبة للإسرائيليين، فإن كلام ترمب "مجرد هراء"

بالطبع، الثغرة القاتلة في تصريح ترمب هو أنَّه في جوهره خليطٌ من الهراء والترّهات المغطى بالكلامٍ الفارغٍ. فيمكن للمرء الجدال حول مزايا نقل ترمب السفارة وعيوبه، ولكن هذه الخطوة لم "تُسَوِّ مشكلة القدس" بأي شكلٍ من الأشكال؛ بل على النقيض في الواقع: فلأول مرةٍ منذ بدء المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، ونتيجةً مباشرة لقرارات ترمب، صارت القدس الآن عائقاً منيعاً، ليس فقط أمام التوصُّل إلى حلٍّ سلميٍّ؛ بل وكذلك أمام أي مظهر لعملية دبلوماسية.

رسالة ترمب في ويست فرجينيا لا يمكنها إلا زيادة الطين بلة. فكأنه يوحي بأنَّ الفلسطينيين سيبيعون مدينتهم المقدسة في مقابل "شيءٍ جيدٍ" سينتزعه ترمب من إسرائيل. إنَّها صيغة فشلٍ محتوم: فلم يُولَد بعدُ الزعيم الفلسطينيُّ الذي يجرؤ على التفكير في إبرام صفقةٍ مشبوهةٍ كهذه، وما كان لأي زعيمٍ عربي حريص على مستقبله أن يفكر فيها أيضاً.

خلال حفل افتتاح السفارة الأميركية في القدس
خلال حفل افتتاح السفارة الأميركية في القدس

من الصعب كذلك أن نتخيل أنَّ ترمب سيبدأ خصومةً مع إسرائيل وهو في أشدِّ لحظاته ضعفاً، ما لم يكن قد فقد صوابه تماماً، وهذا احتمالٌ دائمٌ. فكي يوازن التيار المتصاعد من المطالبة بإدانته وسَحب الثقة منه أو استقالته عقب اعترافات مايكل كوهين -التي تُصوِّره كمجرم لم تثبت إدانته بعد- ترمب في أمسِّ الحاجة إلى التشبُّث بقاعدة مُواليه، التي لا يستطيع من دونها التحكُّم في الجمهوريين المعارضين الذين قد يفكِّرون في القفز من على سفينته الغارقة.

ويشمل جوهر قاعدة ترمب الشعبية مقداراً كبيراً من الإنجيليين، الذين قد يتغاضون عن جرائم ترمب في تمويل حملته الانتخابية بسبب ولائهم الأعمى له، لكن هذا الولاء سيخضع لاختبار شديد في حال نشوب صدام بينه وبين نتنياهو. لا حاجة الآن لترمب بصراعٍ مع الإنجيليين على الإطلاق.

إلا أنه أيقظهم من "سكينتهم"، فترمب قد يُغيِّر موقفه

على أية حالٍ، على الرغم من المحاذير المذكورة، فإنَّ قنبلة "الثمن الأعلى" من جانب ترمب كانت بمثابة تحذير لنتنياهو واليمينيين الآخرين الذين هُيِّئ لهم أنَّ بإمكانهم الخلود إلى النوم في سكينةٍ طيلة السنوات الأربع أو حتى السنوات الثماني القادمة. فهذا يدلُّ على أنَّ ترمب قد يبدِّل موقفه من إسرائيل في لحظة ودون سابق إنذارٍ، بالضبط كما يتخلّى عن أي أحدٍ آخر يجرؤ على معارضته، سواء كان من الحلفاء السياسيين أو المسؤولين الأمنيين الكبار أو حتى محاميه الشخصي. وقد يفعل ذلك تأسيساً على جنون عظمته وعجزه الواضح عن استيعاب الخطوط العريضة، فضلاً عن التفاصيل الصغيرة، للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

ومن الممكن أن يحثَّ كل هذا صانعي القرار الإسرائيليين على إعادة ترتيب أولوياتهم. وقد يجادلون بأنَّ من الأضمن الآن أن يأملوا سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، التي من شأنها أن تُلجم سلطة ترمب المُطلَقة الحالية. وقد يكون سَحب الثقة فكرةً مستحسنةً كذلك؛ إذ إنَّها ستَشغل بال الرئيس عن هذا الشأن.

فما هو إذاً الحل الأمثل؟

في الحقيقة، الحلُّ الأمثل للمستوطنين اليهود والقوميين الإسرائيليين المتعصبين الآخرين هو الأمل في استجماع نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، شجاعته لاتِّخاذ القرار الصائب. فإذا احتكم بنس إلى التعديل الـ25 للدستور الأميركي وحصل على مساندةٍ كافيةٍ من الحكومة الأميركية، فقد يُعزَل ترمب من منصبه، ويعود الاستقرار وينصرف الخطر. وسيجد اليمين الإسرائيلي في مايك بنس رئيساً منشوداً لخدمة مصالحهم أكثر حتى من ترمب، وسينتشي الإنجيليون بصعود واحدٍ من بينهم إلى الحكم، وحتى إن الفلسطينيين سيُرحَمون من الوعود الفارغة بـ"شيءٍ جيدٍ" ينتظرهم.

________________

اقرأ أيضاََ

نعم، تم نقل السفارة الأميركية للقدس وإطلاق اسم ترمب على ميدان قريب منها.. لكن هناك مشهد غريب لم تنتبهوا له

سفارة على "الأرض الحرام".. كل ما تريد معرفته عن مقر السفارة الأميركية في القدس

تصعيد فلسطيني من أجل "العودة" وتوتر مع وصول وفد افتتاح السفارة الأميركية في القدس.. فماذا نعرف عن "النكبة" أو "قيام إسرائيل"؟

تحميل المزيد