ستؤجج هذه التعويضات نيران العداوة مرة أخرى، وستؤدي لاشتعال الأسعار وموجات غلاء، وتردي الأحوال الاقتصادية هذا سيدفع إلى صعود تيارات يمينية متطرفة ومواجهة عسكرية حتمية.
كانت هذه كلمات الاقتصادي الإنكليزي الشهير جون كينز في كتابه "النتائج الاقتصادية للسلام" الذي حذر فيه من نتائج العقوبات والتعويضات الضخمة، التي فرضتها "معاهدة فرساي" على ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.
وكأنه يرى المستقبل في مرآة، فهذا ما حدث بالفعل.
كانت التعويضات الباهظة التي أثقلت كاهل الاقتصاد والمواطن الألماني هي سبب رئيسي لصعود النازية وتولي هتلر السلطة؛ الأمر الذي أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي كانت أكبر وأسوأ من حيث الدمار والخسائر من الحرب العالمية الثانية، لتصبح أكبر حرب في تاريخ البشرية.
أراد الجميع تركيع ألمانيا.. لكن هتلر غزا أوروبا بعدها بعقدين
خرجت قوى الحلفاء بنصّ "معاهدة فرساي" في 29 يونيو/حزيران عام 1919، التي تضمنت العديد من القرارات التي تخصّ إعادة تقسيم المستعمرات الألمانية بين الدول المنتصرة، بجوار قائمة من المطالبات، والعقوبات تجاه ألمانيا، والتي كانت بمثابة صدمة للحكومة والشعب في ألمانيا على حد سواء، وعلى رأس تلك المطالب، تعويضات مادية بلغت 269 مليار مارك ذهبي ألماني، أي ما يعادل 100 ألف طن من الذهب.
وتم تجريد الإمبراطورية الألمانية مما يقرب من 13% من أراضيها، وتم تقسيمها بين فرنسا، وبلجيكا، والدنمارك، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا.
أما العقوبات الاقتصادية فقد جاءت مجحفة هي الأخرى؛ بهدف منع النهوض الألماني مرة أخرى، وضمان عدم دخول ألمانيا حرباً لفترات طويلة، منها تعطيل العمل بمناجم الفحم، ومنع الاتحاد مستقبلاً بين ألمانيا والنمسا.
بجانب تخفيض القوة العسكرية ليصل عدد الجنود إلى 100 ألف جندي فقط، ولم يُسمح لألمانيا بامتلاك أي مركبات عسكرية ثقيلة أو دبابات، وتقليص القوة البحرية إلى 6 بوارج حربية فقط، وألا تمتلك أية غواصات مطلقاً، كما حُددت مسافة 50 كيلومتراً بمحاذاة نهر "الراين" الألماني منطقة عازلة دون أية جنود مسلحين، بخلاف إلغاء التجنيد الإجباري، وجعل الخدمة العسكرية اختيارية بهدف منع ألمانيا من بناء جيش كبير.
بطالة وتضخم وتعسّر في السداد.. فرصة لا تعوض للمتطرفين
جاء الأمر بالنسبة إلى الألمان بمثابة صدمة، لكنها كانت مُجبرة على التوقيع على الاتفاقية وإلا مواجهة العاقبة من دول الحلفاء، وهو الاحتلال الكامل لألمانيا.
ويروى المؤرخ الألماني فيلكس شولتز في إحدى محاضراته، أن ألمانيا حاولت جاهدة أن تُقلِّص تلك العقوبات "القاسية"، خاصة المادية التي تزن أطناناً من الذهب.
وفي خلال السنوات التالية للمعاهدة كانت ألمانيا تعاني العديد من الصعوبات، أكبرها التضخُّم الكبير وارتفاع نسبة البطالة، وضعف الاقتصاد، والشعور العام بثقل الدين، الذي حاولت أكثر من مرة أن تتملص من سداده، لكن الرفض كان دائماً هو الجواب المنتظر من دول الحلفاء.
ويرى شولتز أن تلك الاتفاقية كانت بمثابة الدافع الأهم لصعود الحزب النازي، وقيام الحرب العالمية الثانية بالأساس، فعندما عانت أميركا من انهيار "وول ستريت" الشهير وأزمة التضخم عام 1929؛ بدأت أميركا والعالم يرون صعوبة الأوضاع الاقتصادية العالمية، وحاولت أميركا إسقاط الديون الألمانية عام 1932 في مؤتمر لوزان في سويسرا لكن الكونغرس الأميركي رفض المشروع.
الحلفاء يدفعون ثمن إذلالهم لألمانيا مضاعفاً
كان أول ما فعله هتلر، هو الهجوم على معاهدة فرساي، والعقوبات الناتجة عنها، وخلال 5 سنوات كانت القوة العسكرية والاقتصادية الألمانية جاهزة تقريباً لبدء تنفيذ الحلم الآري الألماني، السيطرة على العالم، والانتقام من الذل الذي لحق بألمانيا في الحرب الأولى. وهو ما قاد إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939.
استمرت الحرب العالمية الثانية 6 سنوات صاخبة، قلبت العالم شرقاً وغرباً، وشهدت خسائر أكثر بشاعة من نظيرتها السابقة، وحصدت ما يقرب من 56 مليون شخص، بخلاف المليارات من الخسائر المادية؛ شهد بعدها العالم نهاية الحلم الآري، وانتحار أدولف هتلر، وانهيار ألمانيا بشكل شبه تام، وهو الأمر الذي بدا للعالم، والقوى المنتصرة بشكل خاص، أشبه بالأمس البعيد حينما ركع الوحش الألماني أمام قوى الحلفاء لأول مرة عام 1918، ولكن تلك المرة عملت قوى الحلفاء على خطط أكثر ذكاءً وإحكاماً، لتصحيح أخطاء الماضي، ولضمان بقاء ألمانيا طوع لهم إلى الأبد.
لقد تعلموا الدرس.. بعد كل هذه العقود من العنف كيف خلقت الولايات المتحدة ألمانيا الأليفة؟
تبنت قوى الحلفاء، وعلى رأسهم أميركا بصفتها القطب الصاعد لتزعُّم العالم وقتها، عدة خطط لضمان خضوع ألمانيا إلى أهدافهم وكانت على رأسها "خطة مورجنتاو" المُوسعة لاحتواء ألمانيا، والتي تألفت من 900 كتاب محفوظة حالياً في مكتبة روزفلت في هايد بارك في لندن، بهدف تحويلها إلى دولة "أليفة" دون عتاد عسكري، أو صناعات رئيسية كبرى.
فبدأت الولايات المتحدة في إنتاج العديد من الأفلام الدعائية التي هدفت في المقام الأول إلى توعية الأميركيين والعالم بأن "الخطر النازي" لم ينته بعد، وأنه يجب على الجميع اعتبار كل ألماني نازياً بالضرورة؛ نظراً للسيطرة الشديدة للفكر النازي على الشعب الألماني، والذي يجب عليه أن يساعد نفسه في تغيير صورته أمام العالم.
حتى أنهم فكَّروا في تحويلها لبلد زراعي.. وهكذا قلموا أظافرها العسكرية
بخلاف عقوباتٍ اقتصادية على ألمانيا مثل تقليص إنتاج الحديد والصلب، والصناعات الثقيلة، والفحم، والطاقة، وعدة مجالات اقتصادية كبرى أخَّرت الإنتاج الألماني، فكَّر الحلفاء في وقتٍ ما بتحويل ألمانيا إلى بلد زراعي في المقام الأول، ولكن بمرور السنوات، وامتثال ألمانيا إلى رغبات القوى الكبرى، تغيرت أغلب السياسات المفروضة عليها.
بينما نصَّت العقوبات العسكرية، التي كانت آخر تحديثاتها عام 1990 على تحجيم عدد القوات الألمانية إلى 370 ألف جندي وضابط فقط، ومنعها من تصنيع أو حيازة لأسلحة الدمار الشامل، كما حددت الاتفاقية مراقبة الأنشطة النووية السلمية، وإعادة ضبط وترسيم الحدود مع بولندا.
كما كان هناك اتفاق ألماني داخلي على وضع عدة مبادئ فوق دستورية، لتنظيم عمل الجيش وتبعيته للسلطة المدنية.
ولكن رغم كل تلك العقوبات، والتحجيم العالمي، سُمح للجانب الغربي من ألمانيا في الخمسينيات ببدء نهضة صناعية، لتصبح برلين اليوم واحدة من أقوى الاقتصاديات في العالم، دون خوض حرب واحدة منذ هزيمة الرايخ الثالث عام 1945.
التعويضات.. الأميركيون يحجمون جنون الانتقام الذي أشعل الحرب العالمية الأولى
تضمنت خطط الحلفاء، خاصة الولايات المتحدة في مؤتمراتها التي انعقدت عقب انتهاء الحرب، العديد من القرارات التي خرجت إلى العالم في أكثر من مؤتمر واتفاقية، من أهمها مؤتمر "بوتسدام" عام 1945، واتفاقية باريس للسلام عام 1947.
وكانت من أهم تلك النتائج إلزام دول المحور على رأسها ألمانيا بدفع تعويضات للدول التي تضررت من الحرب، ومنها اليونان وبولندا وهولندا ويوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي، وأخيراً يهود العالم أجمع، قبل إعلان إسرائيل وطناً قومياً لليهود، تلك التعويضات التي لازال بعضها محل تنفيذ أو خلاف حتى عصرنا الحالي.
لكن الشروط في مؤتمر بوتدستام كانت أقل عنفاً من معاهدة فرساي خاصة فيما يتعلق بالتعويضات؛ لأن المسؤولين الأميركيين في المؤتمر كانوا قلقين من أنه إذا تم فرض تعويضات قاسية على ألمانيا، سيتكرر ما حدث مع هتلر، لكنهم وافقوا على مضض على السماح للاتحاد السوفييتي – الذي اختلف مع هذا الموقف – بالتعويض عبر الحصول على موارد طبيعية وموارد أخرى من ألمانيا الشرقية.
وتم استخدام هذه السلع إلى حد كبير لتمويل إعادة البناء داخل روسيا. في هذه الأثناء، دفعت ألمانيا الغربية تعويضات أخرى في شكل الملكية الفكرية والأراضي والنقد، وعلى الأخص إلى ضحايا المحرقة، واليونان، ودولة إسرائيل.
ولكن يبدو أن الدول المتضررة من النازية لم تعامل سواءً، فهناك مميزون وآخرون نالوا الفتات.. والبعض مازال يُطالب بحقه
قدمت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تعويضات للدول التي غزتها ولكن هناك تفاوت لافت في هذه التعويضات، ليس حسب الخسائر فقط، بل يبدو حسب النفوذ.
وإلى الآن لم تتوقف المطالبات لألمانيا، بالحصول على تعويضات من قبل عدد من الدول، وأحياناً تتصاعد هذه المطالبات مع اندلاع أزمات اقتصادية بهذه الدول أو صعود قوى سياسية معينة أو توتر العلاقات مع برلين.
بولندا.. أميال من الأنقاض في العاصمة حتى أنها لم تعد مدينة، ولكن لماذا تنازلت عن التعويضات؟
إذا كنت قد زرتَ وارسو في عام 1945، فربما لم تعترف بها كمدينة على الإطلاق، بعد تدميرها من قبَل النازيين انتقاماً في انتفاضة عام 1944، لقد تحولت المدينة إلى أميال وأميال من الأنقاض، لقد كان معظم بولندا ركاماً بحلول نهاية الحرب.
فبولندا كانت واحدة من أكثر الدول تضرراً من النازية، حيث قتلت القوات الألمانية نحو ثلاثة ملايين مواطن بولندي يعتقد أن نصفهم من اليهود، ولكن في 23 أغسطس/آب 1953، أعلنت جمهورية بولندا الشعبية الشيوعية تحت ضغط من الاتحاد السوفييتي أنها ستتخلى من جانب واحد عن حقها في تعويضات الحرب من ألمانيا الشرقية في 1 يناير/كانون الثاني 1954، باستثناء التعويضات عن القمع النازي والفظائع.
واضطرت ألمانيا الشرقية بدورها إلى قبول حدود أودر – نيسي، التي أعطت حوالي ربع مساحة ألمانيا حسب حدودها في عام 1937 إلى بولندا وروسيا.
ولم تدفع ألمانيا الغربية تعويضات لغير اليهود عن الأضرار التي لحقت ببولندا.
ولكن نص اتفاق جيريك شميت، الذي وقع في عام 1975 في وارسو، على أنه سيتم دفع 1.3 مليار مارك ألماني إلى البولنديين الذين دفعوا خلال فترة الاحتلال النازي أموالاً لنظام الضمان الاجتماعي في ألمانيا دون الحصول على معاش تقاعدي.
وبعد إعادة توحيد ألمانيا عام 1990، طالبت بولندا بالتعويضات مرة أخرى، كرد فعل على مزاعم منظمات اللاجئين الألمانية التي طالبت بتعويض عن الممتلكات والأراضي التي استردتها الدولة البولندية الجديدة من اللاجئين الألمان الذين تم ترحيلهم بالقوة من أراضيهم التي ضمّتها بولندا من ألمانيا.
وفي عام 1992، تم تأسيس مؤسسة المصالحة البولندية الألمانية من قبَل الحكومتين البولندية والألمانية، ونتيجة لذلك دفعت ألمانيا نظير معاناة البولنديين 4.7 مليار زلوتي ( عملة بولندا) ، وهناك جدل مستمر بين خبراء القانون الدولي البولنديين إذا ما زال من حق بولندا المطالبة بتعويضات الحرب، حيث إنهم يعتبرون أن إعلان 1954 لم يكن قانونياً؛ لأن الحكم الشيوعي آنذاك كان خاضعاً للسوفييت.
لماذا لا نحصل على تعويضات كاليهود؟
وظهرت القضية مرة أخرى في عام 2017 مع التعليقات التي أدلى بها مسؤولون حكوميون بولنديون من حزب القانون والعدالة السياسي للمطالبة بالتعويضات.
فقد قال ريزدارد تسارنيكي، العضو البولندي بالبرلمان الأوروبي عن هذا الحزب: "إذا كان اليهود قد حصلوا على تعويض – وبحق – عن خسارة الممتلكات، فلماذا لا نقدم مطالبات أيضاً؟".
وقال وزير الخارجية البولندي السابق ماريوس بليزاكزاك، إن وارسو قد تطلب تعويضاً بقيمة تريليون دولار (حوالي 830 مليار يورو)، في حين أن وزير خارجية لاحقاً وهو فيتولد واسزكوسكوسكي تكهن بأن المبلغ قد يكون "أكثر".
وفقاً لبيان صادر عن الحكومة الألمانية حول هذه القضية، فقد رفضت برلين دفع التعويضات، معتبرة أنه تم حل القضية في عام 1953 عندما تخلت بولندا عن حقها في التعويض المرتبط بالحرب، وهو موقف أكدته وارسو على مر السنين. وقد تلقى الأُفراد البولنديون – بمن فيهم العمال الرقيق البولنديون وضحايا التجارب العلمية والناجون من اليهود والبولنديون اليهود – تعويضات من ألمانيا.
كما أنه في إعادة رسم الحدود في فترة ما بعد الحرب، منحت بولندا مساحة كبيرة من قبل في ألمانيا الشرقية، (وإن كانت بولندا اضطرت إلى التخلي عن جزء من أراضيها في الشرق لصالح الاتحاد السوفييتي).
ويواجه المعلقون البولنديون هذا الادعاء، قائلين إن الحكومة البولندية آنذاك كانت تحت ضغوط شديدة من الاتحاد السوفييتي، وإن رفضها تلقّي تعويضات عام 1953 غير ملزم.
ولكنّ الخبراء القانونيين بالبرلمان الألماني قالوا إن ما يُسمى معاهدة (2+4)، التي مهّدت الطريق لإعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية في مطلع تسعينيات القرن العشرين، "تمنع أي مطالب جبرية ضد ألمانيا"، كما أشار مسؤولون ألمان إلى أن بلادهم أكبر مانح بالاتحاد الأوروبي، في حين أن بولندا أكبر متلقّ للمنح بالاتحاد.
اللافت أن هذه المطالبات البولندية جاءت في خضم خلاف بين وارسو والاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا، بسبب عدم قبول بولندا لحصص المهاجرين ولقيامها بإدخال تعديلات مقترحة على نظامها القضائي، يقول الأوروبيون إنها ستعطي الحكومة سلطة أكثر من اللازم على القضاة، إضافة إلى خلافات بيئية مع الاتحاد الأوروبي.
يوغوسلافيا: المطالبات لا تقتصر على ألمانيا، وتشمل ضحايا التجارب الطبية
قّدرت لجنة التعويضات الحكومية في الحكومة اليوغوسلافية إجمالي الأضرار التي لحقت بالحرب في يوغوسلافيا في الحرب العالمية الثانية بنحو 47 مليار دولار أمريكي، ألمانيا – 36 ملياراً، إيطاليا – 10 مليارات، المجر – 542 مليوناً، بلغاريا – 650 مليون دولار).
ويقدر ما حصلت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية بنحو 36 مليون دولار، تعويضاً عن المعدات الصناعية من المصانع الألمانية التي تم تفكيكها. كما دفعت ألمانيا الغربية 8 ملايين علامة ألمانية كتعويض عن التجارب البشرية القسرية على المواطنين اليوغوسلاف.
اليونان: حصلت على تعويضات ولكنها اعتبرتها مجرد دفعة، والمطالبة تنفجر بعد موقف ألمانيا خلال الأزمة المالية
في عام 1960، قبلت اليونان 115 مليون مارك من ألمانيا الغربية كتعويض عن الجرائم النازية، ومع ذلك ، أصرت الحكومات اليونانية على أن هذا كان مجرد دفعة أولى، وليس تعويضات كاملة.
وفي عام 1990، قبيل توحيد ألمانيا، وقّعت ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية اتفاقية ثنائية مع دول الحلفاء السابقة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والاتحاد السوفييتي، ولكن ليس اليونان. منذ ذلك الوقت، أصرت ألمانيا من جانب واحد على أن جميع المسائل المتعلقة بالحرب العالمية الثانية، بما في ذلك المزيد من التعويضات إلى اليونان، مغلقة.
وفي 8 فبراير/شباط 2015، طالب رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، ألمانيا بدفع تعويضات كاملة لليونان، وقامت اليونان بتقييم تعويضات الحرب بما يعادل 279 مليار يورو. وردت ألمانيا بأن مسألة التعويض قد تم حلها في عام 1990.
واقترح وزير العدل نيكوس باراسكيفوبولوس إمكانية الاستيلاء على الأصول الألمانية في اليونان لتعويض ضحايا الاحتلال النازي، حسبما أفادت صحيفة دير شبيغل الألمانية.
وكانت ألمانيا هي المحرك الرئيسي لتدابير التقشف كجزء من عمليات الإنقاذ الدولية لدول منطقة اليورو، مثل اليونان التي كانت بحاجة إلى مساعدات مالية. ولقد جعلت هذه التدابير برلين لا تحظى بشعبية كبيرة لدى الشعب اليوناني والحكومة اليونانية اليسارية.
التعويضات اليهودية.. مساعدات لم تتوقف عبر ستة عقود لبناء دولة على أرض الفلسطينيين.. ولن تصدق قيمتها
بينما تبدو معظم التعويضات الألمانية بالملايين فإن التعويضات التي قدمتها لإٍسرائيل وللمنظمات التي تعتبر ممثلة لليهود ارتفعت مع مرور الزمان إلى مليارات، كما أنها يبدو أنها لاتتوقف عند حد زمني أو اتفاقية، كما يحدث مع الدول التي سبقت الإشارة إليها.
فقد بدأت التعويضات الألمانية لليهود باتفاقية لوكسمبرغ عام 1952 والتي وقّعتها إسرائيل مع ألمانيا، وتضمنت التعهد بسداد مبلغ 822 مليون دولار تعويضاً عن الاضطهاد العرقي وضحايا النازي من اليهود، وفي خلال 14 عاماً كانت ألمانيا "الغربية" وقتها قد دفعت ما يقرب من 3 مليارات مارك للحكومة الإسرائيلية، ومبالغ 450 مليون مارك بشكل منفصل إلى المجلس اليهودي العالمي.
كما توجهت أغلب التعويضات الألمانية في السنوات التالية إلى جهات حكومية إسرائيلية، مثل حزب العمل "هستدروت"، ومعدات حديثة لما يقرب من 1300 جهة حكومية إسرائيلية، بما فيها السكك الحديدية، وشكلت التعويضات الألمانية ما يقرب من ثُلث تكلفة البنية التحتية الكهربائية في إسرائيل، بحسب ما نُشر في كتاب "المليون السابع: الإسرائيليين والهولوكوست" للكاتب والمؤرخ اليهودي توم سجيف.
وبخلاف ما وصلت إليه مبالغ أخرى؛ زودت بها الحكومة الألمانية إسرائيل منذ بدء الاتفاقية وحتى عام 2007 بما يقرب من 700 مليون دولار في شكل مساعدات مادية، وبضائع، وهو ما أعلنته ألمانيا بالفعل بشكل شبه غاضب في أواخر عام 2007، ما دفع وزير المالية الإسرائيلي وقتها "روني بار-أون" إلى الرد بإعلان نية إسرائيل طلب دفعات جديدة من التعويضات، وهو ما اضطرت ألمانيا للقبول به.
واستمرت ألمانيا في دفع تعويضات جديدة إلى إسرائيل حتى عام 2012، حتى وصل مجموع ما دفعته ألمانيا إلى إسرائيل واليهود إلى ما يقرب من 89 مليار دولار، بخلاف موافقة ألمانية جديدة في يوليو/تموز 2018 على دفعة تعويضات جديدة بمبلغ 88 مليون دولار؛ كدفعة أولى من مبلغ 560 مليون دولار وعدت بها ألمانيا الحكومة الإسرائيلية بحلول 2019، لتقترب التعويضات الألمانية لإسرائيل واليهود من حاجز 100 مليار دولار في حال استمر الضغط الإسرائيلي على ألمانيا لسنوات قادمة.
التعويض حق إنساني وقانوني، ولكن لماذا لا يسري على هذه الجرائم؟
ولا شك أن تعويض المتضررين من الحروب أمر إنساني، وله منطقه القانوني والأخلاقي، ولكن هذا المنطق يفترض ألا يفرق بين دولة وأخرى وشخص وآخر؛ إذ من الغريب أن تحصل دولة مثل إسرائيل لم تكن موجودة أصلاً خلال الحرب العالمية الثانية على ما يقرب من مائة مليار دولار، بينما تحصل دول مثل اليونان وبولندا ويوغوسلافيا السابقة على الفتات، كذلك أليس من حق الألمان الحصول على تعويضات عن الجرائم التي وقعت بحق المدنيين الأبرياء على الأقل على يد الحلفاء!
وأليس من حق شعوب البلاد المحتلة مثل الجزائر ومصر والعراق وفيتنام الحصول على تعويضات من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة؟.. وأخيراً أليس المنطق الذي ألزم ألمانيا بتعويض إسرائيل عن الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود الذين ليسوا بالضرورة جميعاً مؤيدين لها يجب أن يلزم أيضاً بتعويض الفلسطينيين الذين يسقطون ضحية لجرائم إسرائيل التي تنقلها التليفزيونات مباشرة وليست جرائم وقعت قبل 73 عاماً؟!
فهل المنطق الذي يقف وراء التعويضات هو العدالة المستندة إلى المساواة الإنسانية، أم أنها مجرد إرادة المنتصرين؟
اقرأ أيضاً