أيام قلائل وتكشف الحكومة الفرنسية النقاب عن الإجراءات التي تعتزم تبنيها لصالح الحركيين، أي المقاتلين الذين شاركوا في ثورة التحرير الجزائرية. وحتى ذلك الوقت أي في 25 من سبتمبر/أيلول 2018، يجب أن يدلي إيمانويل ماكرون بقراره بشأن اعتراف البرلمان بوضعية الحركيين وتضمين نضالهم في المناهج الدراسية.
من المرجح أن يدفع ماكرون، الذي تمتد ولايته لخمس سنوات، البرلمان الفرنسي للاعتراف بوضعية الحركيين بعد ثورة التحرير الجزائرية. وينبغي أن يبادر الرئيس الفرنسي بفتح هذا الملف الشائك خلال الأسابيع القادمة، علماً أن تقريراً قد رفع لجينفييف داريوسيك، وزيرة الدولة الفرنسية للدفاع، في شهر يوليو/تموز، يوصي بإجراء تصويت على قرار برلماني لصالح هذه المسألة، وفق تقرير صحيفة Le Journal Du Dimanche الفرنسية.
من جهته، قال رئيس بلدية مونت دي مارسان السابق: "أعتقد أن هذا التصويت يمثل معطى مثيراً للاهتمام حتى يتم اقتراحه". ويعتزم هذا المسؤول السابق طرح هذا الموضوع على رئيس الدولة، إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء إدوارد فيليب، مطلع شهر سبتمبر/أيلول.
وأقرت داريوسيك، بشكل متحفظ، أنه لن يتم اتخاذ أي قرار الآن، بل سيتم اتخاذ القرار بشأن هذه المسألة خلال الشهر القادم. وأعربت داريوسيك عن أملها في أن يعلن عن سلسلة من القرارات، في 25 من سبتمبر/أيلول، وأن يتم إقرار اليوم الوطني للإشادة بالحركيين، الذين يمثلون مجموعة من الجزائريين قدّموا يد المساعدة للقوات الفرنسية، خلال الصراع الذي امتد من سنة 1954 إلى سنة 1962، في ذلك التاريخ.
من بين المقترحات الخمسين الواردة في التقرير الذي عرض على داريوسيك، جعل ثورة التحرير الجزائرية تدرس إجبارياً في المدارس الثانوية والكليات، الأمر الذي يدرس اختيارياً في السنة الثانية من المدرسة الثانوية فقط.
في هذا الصدد، أفادت جينفييف داريوسيك، أن "هذا الجزء من التاريخ يعد من اللحظات الصعبة التي عاشتها فرنسا، ولا بد أن يطلع شبابنا على ذلك". وأضافت داريوسيك أن "الأمر لا يقتصر على الوزارة الفرنسية للدفاع، بل يشمل أيضاً وزير التعليم الوطني، جون ميشيل بلونكيه". كما ينبغي أن تنظر داريوسيك في إمكانية إنشاء "صندوق التعويض والدعم" لصالح الحركيين.
قرار برلماني أكثر من كونه قانوناً رسمياً
في الوقت الراهن، تتحرك داريوسيك، بحذر شديد، نظراً لأن التحكيم في هذه المسألة لم ينته بعد، ناهيك عن أن الموضوع جدّ حساس. وعلى امتداد العديد من السنوات، طالب المجتمع الحركي بالاعتراف بتاريخهم. فبعد توقيع اتفاقيات إيفيان التي وضعت حداً للصراع، في سنة 1962، تم التخلي عن مجموعة كبيرة من الحركيين، تراوح عددهم بين 55 ألفاً و75 ألف حركي على الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، وذلك وفقاً للمؤرخين. وقد كانوا ضحايا الانتقام الدموي الذي نفَّذه القوميون الذين يعتبرون الحركيين خونة.
أما بالنسبة للأشخاص الذين رحلوا رفقة عائلاتهم، والبالغ عددهم 90 ألف شخص، للتراب الفرنسي، فقد تم توطينهم دون أي مؤشرات واضحة حول مدة بقائهم، أو محاولاً إدماجهم في صلب المجتمع. وقد اعترف كل من نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند بهذه الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات الفرنسية المتعاقبة.
الآن، حان دور ماكرون حتى يتطرَّق لهذا الموضوع ويحاول إيجاد حل له. وقد أفادت جينفييف داريوسيك أن "ماكرون يولي أهمية خاصة لهذا الملف، والأمر سيان بالنسبة للحكومة".
في خضم الحملة الانتخابية، تطرَّق ماكرون للجراح التي لم تشف بعد، والتي خلفتها حرب الجزائر. وفي زيارة للجزائر في سنة 2017، صنف المرشح الرئاسي آنذاك، الاستعمار الفرنسي على "أنه جريمة ضد الإنسانية"، الأمر الذي أثار جدلاً عنيفاً. ومن خلال هذه التصريحات، أجج ماكرون غضب خصومه، بما في ذلك جيرالد دارمانان، الذي كان في ذلك الوقت ينتسب للجمهوريين. وقد عين دارمانان في السنة ذاتها وزيراً للعمل والحسابات العامة تحت رئاسة ماكرون. وفي خضم الجدل الذي نشب، غرَّد حفيد الحركيين: "عار على إيمانويل ماكرون الذي عمد إلى إهانة فرنسا في الخارج".
اقترح محررو التقرير الآنف ذكره، أن يقع التوصل إلى قرار برلماني، نص قرار يناقش ويصوت عليه كل من الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الشيوخ، شريطة ألا يعتمد على أنه قانون.
من جهتهم، يطالب الحركيون بإقرار "قانون اعتراف". وقد اتهم أحد ممثلي اللجنة الوطنية لارتباط الحركيين، التي تعمل في صلب هذا الموضوع، محمد بديع، الجهات الفرنسية قائلاً: "لقد حرمنا من حقوقنا حتى لا تسوء العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا". ووفقاً للتقرير: "لن يقيد القانون حرية التعبير والبحث في صفوف المؤرخين".
من جانبها، ندَّدت بعض المنظمات بمبلغ 40 مليون يورو، الذي خصص لتمويل "صندوق التعويض والدعم" على امتداد 4 سنوات، الذي اقترحته داريوسيك على رئيس الدولة، في حين يطالب الحركيون وأبناؤهم بمبلغ يتراوح بين 4 و35 مليار يورو.
وقد برّرت داريوسيك هذا القرار قائلة: "هذا المبلغ مخصص كمساعدة للأشخاص الأكثر حاجة للدعم، وبالتالي فهو يبدو كافياً". وبكل حذر، أضافت داريوسيك أن هذا المبلغ قابل للتعديل في مرحلة ثانية".