"كل يوم يمر يزداد حزني، ولا نعلم متى الفرج"، هكذا يصف "بهمن" البالغ من العمر 45 عاماً، حاله في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة في إيران ، خصوصاً مع إعادة فرض الولايات المتحدة للعقوبات عليها.
بهمن الذي يمتلك مصنع ملابس في مدينة أصفهان الإيرانية، يقول لـ "عربي بوست" بمنتهى اليأس: "أنا لا أستطيع حتى وصف مشاعري، مصنعي على وشك الإغلاق، ولا أستطيع التفكير في أي شيء".
كان هناك الكثير من الأحلام
كان "بهمن" افتتح مصنعه قبل إبرام الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية بعام واحد، عندما يتذكر تلك الأيام تتملكه مشاعر الحزن أكثر وأكثر، "كان لديَّ الكثير من الآمال والطموحات بانتخاب روحاني ووعوده بالمفاوضات التي أثمرت الاتفاق النووي".
قبل الاتفاق النووي الذي وقّع عام 2015، كان "بهمن" يمتلك متجراً لبيع الملابس، وبعد فوز روحاني في عام 2013، جمع كل مدخراته وأنشأ المصنع الخاص به.
بعد بدء العمل بالاتفاق النووي ورفع جزء من العقوبات، توسع نشاط مصنعه، "استطعت أن أستورد عدداً من الماكينات الحديثة، أصبح لدى أصحاب المتاجر وفرة من المال للشراء، وكنت أنتج يومياً عدداً كبيراً من الملابس لتوزيعها على المتاجر المختلفة في أصفهان وطهران".
لكن الأمور بدأت تتحول للأسوأ
ومنذ أن انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسمياً من الاتفاق النووي الإيراني في شهر مايو/أيار 2018، وأعاد على أثرها فرض عدد من العقوبات، والأمور من سيئ إلى أسوأ في إيران. أخذ الريال الإيراني في الانهيار أمام الدولار إلى أن فقد حوالي 60% من قيمته، مما أثر بالسلب على كل شيء في ايران.
المرحلة الأولى من العقوبات المفروضة تشمل قطاع السيارات والذهب والسجاد والمعادن، وشراء الدولار، أما العقوبات الخاصة بالقطاع النفطي شريان الحياة للاقتصاد الإيراني، فسيتم تطبيقها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
عندما افتتح بهمن مصنعه كان يأمل في أن يصدر الملابس خارج إيران، وأن يفتتح مصنعاً آخر ويوسع نشاطه التجاري، خاصة بعد موجة الاستثمارات الغربية التي تلت دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ، ولكنه الآن يشعر بالندم الشديد على شعور الأمل الذي ملأ قلبه حينها.
التدهور كان متوقعاً عند البعض
"لست مندهشاً مما وصلنا إليه"، كانت تلك كلمات الخبير الاقتصادي وحيد مهرباني لـ "عربي بوست"، الذي يرى أن الوضع الحالي لا يمكن إصلاحه إلا بوضع خطة مُحكمة واستراتيجية صارمة.
"الحكومة الحالية لا تستطيع أن تنتشل إيران من تلك الأزمة، حتى خطوات الرئيس روحاني تعتبر خطوات هزيلة ضعيفة، لا تستطيع العبور بالإيرانيين من أزمتهم"، على حد تعبيره.
يصف مهرباني الوضع الاقتصادي في إيران بأنه على شفا حفرة من نار، وأن الأمور ستزداد تأزماً في الشهور المقبلة، إذا لم تتمكن الحكومة من إصلاح الأوضاع قليلاً.
تهديدات ترمب مخيفة بالفعل
وعلق مهرباني على حديث الرئيس روحاني عشية تطبيق المرحلة الأولى من العقوبات، قائلاً: "يحاول روحاني أن يبث الأمل في نفوس الإيرانيين وإقناعهم أن الشركاء في أوروبا والصين سوف يساعدون إيران، ولكني أريد أن أذكّره بتهديد ترامب لأي شركة تتعامل مع إيران، وملايين الدولارات التي ستدفعها الشركات كغرامات".
وبالعودة إلى بهمن الذي يبدو أنه يئس من كل تصريحات المسؤولين عن محاولات السيطرة على العملة ومحاربة الفساد ووضع خطط لتحسين الوضع الاقتصادي، فيقول: "كل يوم أذهب إلى المصنع وأجلس مع العمال ولا نفعل شيئاً، وأصحاب المتاجر ليس لديهم أموال لشراء بضائع جديدة، والناس لن يتمكنوا من شراء الملابس في الفترة الحالية".
يمتلك بهمن أسرة كبيرة مكونة من 5 أولاد، وكان قد أرسل ابنه الأكبر العام الماضي إلى الخارج ليستكمل تعليمه، والآن لا يستطيع شراء الدولارات ليرسلها له؛ لكي يتمكن من دفع مصاريف الجامعة.
نريد حلاً.. والحكومة لا تتحرك
"أغلقت متجري وخرجت مع المتظاهرين للاحتجاج، فمنذ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي، وأنا لم أبِع شيئاً"، كانت تلك كلمات سياوش الذي يمتلك متجراً لبيع العطور والفضة في بازار (سوق) طهران الكبير.
سياوش يبلغ من العمر 35 عاماً، تخرج في كلية الحقوق، ونظراً لقلة فرص العمل في إيران قرر استكمال تجارة أبيه.
يقول سياوش لـ "عربي بوست"، إنه ورث المتجر عن أبيه بعد أن توفي قبل الاتفاق النووي، "كان المتجر يؤمّن لي دخلاً معقولاً إلى حد ما، ولكن الآن لا يلتفت أحد إلى متجري، فالكل يسعى لتأمين احتياجاته من السلع الأساسية".
وباءت كل خطط الحكومة الإيرانية للسيطرة على العملة بالفشل، ففي بداية الأسبوع الحالي واصلت العملة انهيارها حيث وصلت إلى 10500ريال أمام الدولار، ومع هذا السقوط السريع وسوء الأوضاع في إيران ارتفعت أسعار أغلب السلع الأساسية إلى 50%، وحاولت الحكومة استخدم احتياطي البلاد من العملة الأجنبية لمحاولة الحفاظ على أسعار السلع.
القادم أسوأ
يقول الخبير الاقتصادي مهرباني إن كل تلك الكوارث ولا تزال العقوبات على النفط لم تحدث، فهو يتوقع كارثة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ويرى أنه كان لا بد على المؤسسة السياسية الإيرانية أن تضع خططاً استباقية، خاصة منذ أن بدأ ترمب بتهديد إيران في أثناء حملته الانتخابية.
ويروي سياوش أوضاعه بعد إبرام الاتفاق النووي: "زاد دخلي بعد الاتفاق، وانتعشت سوق السياحة إلى حد كبير، ففي أحد الأيام من العام الماضي جاء إلى متجري أكثر من 50 سائحاً ليشتروا الفضة والعطور".
ويستكمل حديثه بمزيد من الحسرة: "حينها شعرت بسعادة كبيرة، وتمنيت أن يبقى الحال كما كان عليه، وبدأت التفكير في المنزل الجديد الذي أريد شراءه".
سياوش متزوج ولديه طفلتان، زوجته ربة منزل ودخلهم الشهري يعتمد بشكل كلي على هذا المتجر.
"سنظل في تلك الأزمة لمدة شهور طويلة قادمة، فلا توجد خطة واضحة والشركات الغربية خائفة، ولدينا فساد مالي في قطاعات كبيرة"، الخبير الاقتصادي مهرباني يرى أن العملة الإيرانية سوف تستمر في الانهيار، ورويداً رويداً ستكون كل طموحات الإيرانيين أن يستطيعوا شراء طعام ليوم واحد.
ويبدو أن سياوش يتفق مع الخبير الاقتصادي مهرباني في بعض الأمور، فيقول: "البازار أصبح كئيباً، كل الناس تذهب لشراء الطعام والدواء، فمن في تلك الحالة يريد أن يشتري عطراً أو أي سلعة أخرى غير الطعام".
لكن ما الحل لإنهاء أزمة الشعب الإيراني؟
يجيب مهرباني عن هذا السؤال: "هناك حل واحد فقط من وجهة نظري هو أنه لا بد من محاولة التفاوض مرة أخرى مع الولايات المتحدة لإنهاء تلك العقوبات، ولكن لا أتوقع أن يحدث هذا، فالقيادة الإيرانية رافضة تماماً لذلك الحل".
ويقول سياوش مخاطباً القادة الإيرانيين: "لا بد أن يفعلوا أي شيء، لكي يخرجونا من هذا النفق، لا بد أن يجدوا الحلول بأقصى سرعة، لن نتحمل المزيد من العقوبات".
اقرأ أيضاً:
لا يقلق الإيرانيون من ترمب بقدر قلقهم من هذه الأشياء.. هذا ما يحدث في الداخل الإيراني