صفقة سرية تمنح إسرائيل حصة في أكبر معامل مصر لتصدير الغاز دون أن تدفع دولاراً واحداً.. فما المقابل الذي حصلت عليه القاهرة إذاً؟

"مصائب قوم عند قوم فوائد".. هذه المقولة ربما تكون هي الأدق للتعبير عمَّا يحدث الآن من اتفاقات حول غاز البحر المتوسط بين مصر وقبرص وإسرائيل، الرابح الأكبر

عربي بوست
تم النشر: 2018/08/16 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/16 الساعة 15:58 بتوقيت غرينتش
Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (R) speaks with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (L) during their meeting as part of an effort to revive the Middle East peace process ahead of the United Nations General Assembly in New York, U.S., September 19, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS

"مصائب قوم عند قوم فوائد".. هذه المقولة ربما تكون هي الأدق للتعبير عمَّا يحدث الآن من اتفاقات وتفاهمات حول غاز البحر المتوسط بين مصر وقبرص برعاية أوروبية، نكاية في الجارة تركيا. وكالعادة، إسرائيل هي الرابح الأكبر.

القاهرة وتل أبيب الآن على مشارف الوصول إلى تسوية إشكالية الغرامات المفروضة على مصر، البالغ إجماليها 1.76 مليار دولار، لصالح إسرائيل تعويضاً لها عن انقطاع وصول الغاز المصري، في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

وأكد مصدر مطلع لـ "عربي بوست"، أنه تم بالفعل الوصول إلى اتفاق موسع شمل مصر وإسرائيل وقبرص، مفاده أن يتم تخفيض الغرامة الإسرائيلية على مصر من 1.76 مليار دولار إلى 450 مليون دولار فقط.

وأوضح المصدر -الذي رفض ذكر اسمه- أنه في المقابل سيتم منح تل أبيب حصة من معامل إسالة الغاز في إدكو ودمياط ، على أن يتم إرسال غاز حقل أفروديت القبرصي إلى مصر، ليتم إسالته ثم إعادة تصديره لأوروبا.

يوجد بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعى،  الأول يوجد بمدينة إدكو بمحافظة البحيرة، المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعى المسال. والمصنع الثانى يقع فى سواحل مدينة دمياط ويضم وحدة إسالة، وتديره شركة يونيون فينوسا الإسبانية بالشراكة من شركة إينى الإيطالية.

مصنعا الإسالة كانت تكلفة إنشائهما حوالى 3.2 مليار دولار، وقت بداية تشغيلهما فى أوائل القرن الحالى، وتبلغ قيمتها الإنشائية حاليا حوالى 5 أضعاف هذا المبلغ. ولم يتسنى معرفة نسبة الحصة الإسرائيلية على وجه التحديد.

إسرائيل والغاز المصري

القصة تعود إلى عام 2001، عندما قام رجل الأعمال المصري حسين سالم -المقرب من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك- بتأسيس  شركة "غاز البحر المتوسط"، بشراكة مع مجموعة ميرهاف الإسرائيلية، وشركة أمبال الأميركية- الإسرائيلية.

لم يمض كثير على تأسيس الشركة، حتى وقَّعت مصر اتفاقية وُصفت بأنها غريبة، مع إسرائيل، تقتضي بأن تصدر مصر ما يقرب من 1.7 مليار متر مكعب الغاز الطبيعي لإسرائيل بسعر ما بين 70 سنتاً و1.5 دولار للمتر المكعب، في ذلك الوقت كان يبلغ سعر تكلفته ما يقرب من 2.65 دولار.

وأسند إلى شركة "غاز البحر المتوسط" حق تصدير الغاز الطبيعي إلى شركة "إسرائيل للكهرباء"، عبر خط أنابيب يمتد تحت الماء بطول 100 كم، من مدينة العريش المصرية إلى مدينة عسقلان الإسرائيلية.

لكن في أبريل/نيسان 2012، وبعد أن تعرَّض خط الأنابيب العابر للحدود لأعمال تخريب أكثر من مرة، أعلنت شركة "أمپال" أن مصر ألغت الاتفاق طويل الأجل، الذي كانت تزود بموجبه إسرائيل بالغاز، مضيفة أن هذا الإلغاء غير قانوني، وهدَّدت باللجوء للتحكيم الدولي.

وبالفعل، تم الحكم لصالح الشركة بتعويض قيمته 1.7 مليار دولار أميركي، وهو ما حاولت القاهرة التفاوض سياسياً مع تل أبيب على قيمته، لكن إسرائيل رفضت التنازل، وأصرَّت على تحصيل المبلغ كاملاً، لتجد الحكومة المصرية نفسها في مأزق.

اكتشافات البحر المتوسط  وتبعاتها

على صعيد متوازٍ، بدأت تظهر اكتشافات جديدة لحقول غاز طبيعي في البحر المتوسط، ليتضح أن البحر به ثروة غازية طائلة، وهو ما دعا مصر واليونان وقبرص لتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية، وتوزيع "البلوكات" بينهم.

وكان من نصيب قبرص حقل أفروديت، الواقع في البلوك الثاني عشر، لكن تركيا بدأت تتحدث عن حقوقها في تلك المياه، وأنه تم إقصاؤها، وهو ما لن تقبله.

وبالفعل بدأت أنقرة تحول الكلام إلى فعل، عندما قامت البحرية التركية أثناء مناوراتها في البحر المتوسط، في 9 فبراير/شباط، بإيقاف السفينة "سايبم 12000" التابعة لشركة إيني الإيطالية، وهي في طريقها للتنقيب عن الغاز قبالة قبرص، في رسالة تحذيرية واضحة.

وقد أثارت التحركات التركية غضبَ الاتحاد الأوروبي، الذي أبدى تضامنه مع قبرص واليونان، داعياً أنقرة إلى وقف الأنشطة المسبِّبة للتوتر.

اقرأ أيضاً

تهديدات متبادلة بين تركيا وإسرائيل ومصر بسبب غاز المتوسط.. مواجهة عسكرية في الأفق، أم تُحسم بالسياسة؟

تحركات إسرائيلية للاستفادة من كل الجوانب

على الجانب الآخر من البحر، كانت إسرائيل تتحرك بشكل أخطبوطي لا تخطئه العين.

مدَّت تل أبيب نفوذها على حقل أفروديت القبرصي من خلال شركتي "ديليك" الإسرائيلية، وشركة "نوبل" الأميركية، اللتين حصلتا على حق العمل فيه، وهما نفس الشركتين اللتين تمتلكان أيضاً حقل الغاز الإسرائيلي "ليفياثان".

وفي مصر كان فيلم حسين سالم يعاد إنتاجه مرة أخرى، لكن هذه المرة ذهبت البطولة إلى علاء عرفة مالك شركة "دولفينوس".

فقد تم الاتفاق مؤخراً على أن يتم تصدير غاز حقل أفروديت القبرصي لمصر من خلال شركة "دولفينوس"، ليتم تسييله في معامل إدكو ورشيد، قبل أن يعاد تصديره لأوروبا من جديد.

وكي تضمن إسرائيل إحكام قبضتها على الموقف اشترطت أن تحصل على حصة في معامل إدكو ورشيد، نظير أن تخفض الغرامة على مصر من 1.7 مليار دولار إلى 450 مليون دولار فقط.

وبالفعل قبلت القاهرة بهذا الشرط مؤخراً، وينتظر توقيع العقود المتممة لذلك رسمياً خلال الأسابيع القليلة القادمة.

المدهش أن علاء عرفة هو بالأساس رجل أعمال مختص في مجال الملابس، لكن فجأة ومن دون سابق إنذار في أكتوبر/تشرين الأول 2014، أعلنت إسرائيل عن خطة لتصدير غاز حقل تمار الإسرائيلي لمصر من خلال مجموعة رجال أعمال يقودهم علاء عرفة، وأن ذلك سيتم من خلال أنابيب شركة غاز شرق المتوسط المملوكة لحسين سالم.

واليوم يظهر للمرة الثانية اسم علاء عرفة مقترناً بإسرائيل، إذ سيتم إسالة الغاز القبرصي – الإسرائيلي من خلاله هو أيضاً، وعبر أنابيب حسين سالم أيضاً!

"لا داعي للمخاوف"

وإن كان البعض يراوده مخاوف من تصاعد النفوذ الإسرائيلي داخل مصر عبر رجلها الجديد، إلا أن حمدي عبدالعزيز، المتحدث الرسمي باسم وزارة البترول، نفى ذلك تماماً.

وأضاف في تصريحه لـ"عربي بوست" أنه لا معنى لكل "هذه الأوهام"، موضحاً "الحقيقة الثابتة هي أنه بفضل تلك الاتفاقات المزمع توقيعها، وبفضل عملنا على تجهيز البنية التحتية المناسبة، مصر ستكون مركزاً إقليمياً للطاقة، هذا سيعود بالفائدة على مصر والمصريين، وذلك هو المهم".

وعن رد الفعل التركي المحتمل، يعلق عبدالعزيز قائلاً: "هناك اتفاقات ومواثيق وقوانين دولية نعمل من خلالها، ومصر قادرة على حماية حقوقها وحدودها".

ومؤخراً، عاد المشروع الطموح لنقل البترول العراقي عبر الأردن إلى المصافي المصرية ومنها إلى أوروبا ليطل من جديد. وهو المشروع الذي "بدأت مصر تتخذ الخطوات المبدئية استعداداً له"، على حد تعبير مصدر مطلع بوزارة البترول المصرية.

المصدر الذي رفض ذكر اسمه، قال إنه تم الاتفاق المبدئي مع الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي المحسوب على برلمان طبرق، في آخر زيارة غير معلنة للقاهرة والذي جرى نقله بعدها مباشرة إلى فرنسا للعلاج، على أن يتم نقل بترول ليبيا إلى مصر ومنها إلى أوروبا. وبذلك تكون القاهرة "حصدت خيرات الشرق والغرب"، ودعمت موقفها لدى القارة العجوز، لتصطاد عصافير عدة بضربة حجر واحد، على حد تعبير المصدر.

المشروع الطموح هدفه إقامة خط أنابيب بترول يتحرك من مدينة البصرة إلى غرب العراق، ومنها يمر إلى مدينة الزرقاء الأردنية ثم العقبة، وصولاً إلى مدينة السويس المصرية.

وقد وقع كل من وزراء البترول في مصر والأردن والعراق اتفاقاً مبدئياً بهذا الخصوص نهاية عام 2015، على أن تتم المرحلة الأولى إلى الأردن، والمرحلة الثانية إلى مصر.

وقد اتفق مبدئياً على التركيز على نفط الجنوب بشكل أساسي، أما نفط الشمال (الذي يذهب إلى تركيا)، فمن المخطط بعد تحديث وصيانة شبكة الأنابيب الداخلية والخطوط الاستراتيجية التى تربط حقول الشمال بالجنوب، أن يذهب جزء منه هو الآخر إلى مصر، في إطار خطة تقليل الاعتماد على تركيا.

إدكو ودمياط .. معامل الإسالة الوحيدة في مصر

يوجد بمصر مصنعان لإسالة الغاز الطبيعى،  الأول يوجد بمدينة إدكو بمحافظة البحيرة، المملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعى المسال، ويضم  هذا المصنع وحدتين للإسالة وتساهم فيه الهيئة المصرية العامة للبترول بنحو  12%، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" بنسبة 12 %، وشركة "شل" بـنسبة تصل إلى حوالى  35.5 %، وشركة بتروناس الماليزية بنسبة تصل إلى حوالى  35.5%  أيضا،  فيما لا تتجاوز نسبة  شركة جاز دى فرانس الفرنسية "إنجى" حاليا حوالى الـ5 %.

وتعمل هذه المحطة بطاقة استيعابية تصل الى نحو 1.35 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى.

المصنع الثانى يقع فى سواحل مدينة دمياط ويضم وحدة إسالة، وتديره شركة يونيون فينوسا الإسبانية بالشراكة من شركة إينى الإيطالية، فيما تصل حصة مصر إلى نحو 20% مقسمة بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية إيجاس التى تملك نسبة تقدر بـ10%، والهيئة المصرية العامة للبترول التى تملك هى الأخرى نحو 10%.

وتعمل هذه المحطة بطاقة استيعابيه تصل الى نحو 750مليون قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعى .

ووظيفة هذه الوحدات، هى تحويل الغاز الطبيعى من حالته الغازية إلى الحالة السائلة، حتى يمكن تحميله على سفن وتصديره، لصعوبة تصديره إلى أى مكان لعدم وجود خط أنابيب ينقل هذا الغاز .


اقرأ أيضاً:

مشروع طموح يغير الخريطة الاقتصادية.. مصر تتحول إلى مركز إقليمي لتصدير بترول ليبيا والعراق لأوروبا خلال 6 سنوات

الاقتصاد سيتغلب في النهاية على السياسة.. كيف سيغير الغاز الطبيعي خريطة التحالفات القائمة في شرق المتوسط؟

تحميل المزيد